الأسرة المسلمة في لبنان مخاطر وتحديات
أساسية التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي ما دامت متمسكة بشرع الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).
ومن الجهود التي تُبذل للحفاظ على الأسرة وتماسكها أمام التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية التي تواجهها ما يقوم به (التجمّع اللبناني للحفاظ على الأسرة) و(جمعية إصلاح ذات البين) وباقي الجمعيات التي تُعنى بملف الأسرة.
وحول هذا الموضوع كان لنا لقاء مع رئيسة «التجمع اللبناني للحفاظ على الأسرة» و«جمعية إصلاح ذات البين» المحامية الأستاذة مهى فتحة، وعضو مجلس أعيان جمعية الاتحاد الإسلامي.
فإلى اللقاء:
1. «منبر الداعيات»: نودّ أن نقف معكِ على فكرة (التجمّع اللبناني للحفاظ على الأسرة) و(جمعية إصلاح ذات البين) وبدايتهما.
• في شهر أيلول من سنة 2000 دعت الجمعيات النسائية العلمانية لمسيرة مليونية للمطالبة بتشريع الزواج المدني الذي يعقد في لبنان، فتداعت الجمعيات الإسلامية للاجتماع تحت مظلة دار الفتوى للتصدي للدعوات العلمانية المخالفة لشرعنا الحنيف، فانبثق التجمع عن تحالف الجمعيات الإسلامية والأفراد المناصرين والمدافعين عن هويتنا الإسلامية بعدما اتفقنا على أن نكون مبادرين في العمل للحفاظ على هويتنا الإسلامية من خلال المحافظة على الأسرة - المحضن الأول واللبنة الأولى في تأسيس المجتمع - لا أن نكتفيَ بموقع ردة الفعل فقط، وفي هذه السنة - والحمد لله - تقدمنا بأوراقنا لوزارة الداخلية للحصول على علم وخبر لنكون جمعية مسجَّلة وفقاً للأصول.
2. «منبر الداعيات»: ما أبرز المعوقات والمشكلات التي تواجهها «جمعية إصلاح ذات البين» أثناء تأدية مهامها في أروقة المحاكم الشرعية وخارجها؟ وكيف تعمل على تجاوزها؟
• يمكن تقسيم المعوقات إلى معوقات تتعلق بتنظيم العمل داخل المحاكم وأخرى تتعلق بواقع الحالات التي تُعرض علينا. فمن الناحية القانونية لعمل جمعيتنا، نحن نطمح أن تكون إحالة الحالات إلى جمعيتنا بقوة القانون وليس استنسابياً واختيارياً كما هو الحال وهذا يتطلب سَنّ قانون، ولكن كلمة حق تقال فإن المحكمة الشرعية وخاصةً في بيروت تتعاون معنا بكل جِدّية. أما من جهة التعامل مع الحالات المعروضة علينا، فمن اللافت في السنوات الثلاث الأخيرة أن نسبة الطلاق مع الإصرار عليه أصبحت مرتفعة نسبةً للسنوات السابقة، مما ينذر بخطر تفكك عدد كبير من الأسر، فلقد أصبح أطراف النزاع يأتون إلى المحكمة في المراحل الأخيرة من النزاع حيث يكونون قد تجاوزوا خط الرجعة. والحل هو في التوعية قبل الزواج حول كيفية الاختيار وكيفية تجاوز الخلافات الأسرية.
3. «منبر الداعيات»: ما دور الفريق النسائي في أعمال الجمعية؟ وكيف تقوّمين أداءه؟
• في الواقع إن جمعيتنا هي جمعية نسائية، والسبب أنه عند مباشرة عملنا في عهد الشيخ محمد كنعان - رحمه الله - اشترط علينا أن تقتصر عضويتها على النساء، مع السماح لنا بالاستعانـة بالمشـــايخ كَتَبة المحكمة عند الضرورة، والحمد لله سيدات جمعيتنا هنّ من ربات البيوت الناجحات في عملهن، وهنّ متطوعات في التعامل مع أطراف النزاع.
4. «منبر الداعيات»: كيف يتم التعامل مع الخلافات الزوجية التي تَرِد على الجمعية؟
• عادةً يُحال ملف النزاع المعروض أمام القاضي المختص بدعاوى الطلاق إلى جمعيتنا فتقوم السيدات بالاستماع إلى كل طرف على حِدَة، ويحاولن التقريب بين وجهات النظر وتسليط الضوء على سلبيات الطلاق وحال العائلة بعده، وذلك بالتأكيد بعد دراسة البيئة الفكرية لطرفي النزاع للدخول من الباب المفتوح لعقليهما، أي بعد اكتشاف اهتماماتهما والوقوف على السبب الحقيقي للخلاف؛ فدور السيدات هو التوسط بين المتنازعين.
5. «منبر الداعيات»: برأيك.. ما أسباب تفاقم حجم المشاكل الأسرية في المحاكم الشرعية، وبالأخص مشكلة الطلاق؟
• الأسباب كثيرة أهمها ضعف الوازع الديني والأخلاقي وضعف الرؤية لمعنى الحياة الزوجية واختلاف الأهداف والاهتمامات، وقد ساعدَتْ ثورة التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي في التباعد بين الأزواج بسبب سهولة إيجاد البديل - غير الشرعي غالباً - الذي يلائم أحلامهم.
6. «منبــــــر الداعيات»: من القضايا التي تُعنى بها الجمعية: قضايا العنف الأسري، ما هي الآلية التي تُعالجن بها مثل هذا النوع من القضايا؟
• نحن عادةً ما ننصح الأزواج أن لا يتخطَّوْا حاجز الاحترام، وعند حصول أول تصرُّف مصاحب للعنف أن لا يدَعُوه يمر مرور الكرام، بل يضعوا حداً له فوراً، لأنهم إذا تمادَوْا في السلوك المصاحب للعنف أصبحت الحياة الزوجية على شفا الهاوية. وفي معظم حالات العنف التي تَرِدُنا - اللهم إلا إذا وجدنا أنها تخطت المعقول - نُلزم المعنِّف على توقيع تعهُّد أمامنا بالتوقف عن أيِّ تصرف عنفي تحت طائلة الادعاء بالتفريق من الطرف الذي تعرض للعنف.
7. «منبر الداعيات»: ما أبرز المخاطر التي تهدد تماسك الأسرة واستقرارها في لبنان؟
• من خلال تجربتنا في العمل في المحكمة الشرعية عبر «جمعية إصلاح ذات البين»؛ إن من أهم المخاطر الداخلية غياب اللُّحمة بين أفراد الأسرة الواحدة كما عَهِدنا أُسَرَنا في الماضي حيث كانت تجمع بين أفرادها وحدة الأهداف والمصير والتكافل والتضامن. فلقد أصبحت «أنا» عند الأفراد تطغى على «نحن»، وهذا خطر يهدد البنيان المرصوص والجسد الواحد للأسرة التي تنبثق عنها وحدة وجسد الأمة. أما المخاطر الخارجية فتكمن في الدعاوى إلى إلغاء نظام الأحوال الشخصية الدينية والعمل على تشريع الزواج المدني والزواج المختلط بين الطوائف تحت عناوين زائفة مثل الوحدة الوطنية، مما يتطلب منا ومن كل المهتمين بتماسك أسرنا نشرَ الوعي بين الشباب حتى لا ينجرّوا وراء العناوين البراقة.
8. «منبــــر الداعيات»: وما دور (التجمع اللبناني للحفاظ على الأسرة) في التصدي لأجندات الاتفاقيات الدَّوْلية الخاصة بالأسرة بشكل عام والمرأة والطفل بشكل خاص والتي تسعى لتنفيذها من خلال بعض الجمعيات والمنظمات؟
• إن من الأهداف الأساسية لِـ «التجمع اللبناني» الحفاظ على هويتنا نحن المسلمين والتصدي للهجمة الشرسة على شرعنا، ولقد قمنا منذ بدايات عملنا في التجمع بتفنيد وتشريح مواد اتفاقية سيداو، اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضد المرأة، وكانت هذه الدراسة من مواضيع مؤتمر الأسرة الأول سنة 2002 والندوات التي قمنا بها فيما بعد. وكان لنا مؤخراً دور بارز في تعديل مشروع قانون العنف ضد المرأة ليصبح العنف ضد الأسرة، وذلك عن طريق تقديم دراسة مقابلة للّجنة النيابية المكلفة بدراسة القانون.
9. «منبر الداعيات»: ما أبرز التطلعات التي يسعى (التجمّع اللبناني للحفاظ على الأسرة) و(جمعية إصلاح ذات البين) إلى تحقيقها في المرحلة القادمة؟
• كما قيل: «الرضا عن النفس آفة»، يبقى الهم كبيراً والجهد قليلاً أمام ما يتهدد أُسَرَنا؛ والمطلوب تكاتف وتشابك وتعاون جميع الجهود التي يجمعها همّ المحافظة على أسرنا اللبنانية كونها المحضن الأول الذي يُعدُّ الجيل الواعد الذي يحمل قيمنا وأخلاقنا وعراقة مبادئنا التي تدعو لنشر الخير في كل زمان ومكان.
* * * *
في ختام اللقاء نتوجه بالشكر الجزيل للأستاذة المحامية مهى فتحة سائلين المولى أن يحفظ أُسرنا من كل ما يواجهها ويحاك ضدها ويُدبَّر لها، إنه تعالى وليّ ذلك والقادر عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتبة، مجازة في الأدب العربي.
ترقّبوا في العدد القادم إن شاء الله تعالى مقابلة مع الأستاذة سحر المصري رئيسة جمعية مودّة للإرشاد الأسري ومسؤولة لجنة المرأة والأسرة - حنايا في جمعية الاتحاد الإسلامي، لإكمال عرض جهود اللجان والجمعيات المتخصصة في موضوع الأسرة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
رسالة الشعر
مسرى الأرض ومعراج السماء.. بيان وأضواء!
عامٌ مَرّ..
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب! الجزء الثاني
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب!