الإرشاد الأسري.. واقع وتطلعات
حبّب الله عزّ وجل بالإصلاح بين الناس في عدد من الآيات في القرآن الكريم، وأثنى على من يقوم بذلك؛ فقال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً) (النساء: 114).
من هنا يتبيّن لنا أن الإرشاد الأسري هو من أهم الوسائل الإصلاحية في المجتمع، لا سيما في ظل تزايد مطّرد في المشكلات الزوجية والأسرية وبالتالي تزايد نسبة الطلاق، الذي له آثار مدمرة على كيان الأسرة والمجتمع ككل..
وللتعريف بموضوع الإرشاد الأسري، ولإلقاء الضوء على جميع جوانبه النظرية والعمليـة، ولمعـرفة أبــرز تطلعـاته وآمالـــه ومشكــلاته أجرينا حـواراً مـع المتخصِّصة الأسرية أ. سحر المصري مسؤولة لجنة المرأة والأسرة في جمعية الاتحاد الإسلامي ورئيسة جمعيـة مودة:
1. «منبر الداعيات»: ما هو واقع الإرشاد الأسري في لبنان؟ وما هي أبرز التطلعات والرؤى التي تسهم في تطويره والرقي به؟
• حين بدأنا بتأسيس مركز مودّة للإرشاد الأسريّ عام 2008 فتشنا كثيراً عن مؤسسة أو جمعية تُعنى بهذا الجانب لنعمل ضمنها. إلا أنه لم يكن هناك إلا لجنة إصلاح ذات البَين التي يقتصر حضورها على المحاكم الشرعية لتعمل على الإصلاح بين الزوجين. وهذه الخطوة برأيي متأخرة كثيراً لأن الزوجين حين يصِلان إلى المحكمة تكون الخلافات قد تفاقمت والقلوب قد ملئت ألماً وشحناء. وخلال السنوات الأخيرة بفضل الله تعالى انتشر مفهوم الإرشاد الأسري ووعت الجمعيات ضرورته فأخذت دوراً جيداً في التثقيف الزوجي والمساعدة في حل المشكلات الزوجية.
ولكي يتطوّر هذا العمل ويؤتي أكله لا بد من القيام بخطوات عديدة، أهمها:
• تأهيل الكوادر العاملة في المجال الإرشادي وتنمية مهاراتها وتزويدها بالمعارف الضرورية في عملية الإرشاد.
• إعداد دبلوم عال في الإرشاد الأسري يكون إلزامياً على مَن يعمل في هذا الحقل.
• التنسيق بين القطاعين الرسمي والأهلي وخاصة: وزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الأوقاف، دُور الإفتاء، والمحاكم الشرعية لتتكامل الجهود.
• استقطاب متخصصين في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع والتربية.
• إجراء دراسات ميدانية في المراكز لمعرفة مشاكلها ومعوقات العمل فيها لتذليلها وكذلك الاحتياجات لتأمينها.
• إنشاء خطٍ ساخنٍ لحل المشكلات على مدار الساعة وتأهيل كوادر لذلك.
• التعاون بين مختلف الهيئات والجمعيات العاملة في هذا المجال.
• نشر حملات التوعية حول أهمية الإرشاد الأسري، والعمل على إيجاد رأي عام مساند لفكرة الإرشاد، وكسر حاجز السرية العائلية خاصة عند الذكور.
• دعم الدولة لمراكز الإرشاد الأسري لتوجيه الجهود إلى التأهيل بدل تأمين مستلزمات المراكز المادية.
• التنسيق مع الدول الأُخرى العاملة في الميدان لتلاقح الأفكار والاستفادة من التجارب.
2. «منبر الداعيات»: برأيك هل الإمكانات العلمية والعملية لممتهني الإرشاد الأسري تؤهلهم بالفعل لمواجهة المشاكل التي تعصف بالأُسَر وتقديم حلول لها؟
• لا أنكر أن بعض ممتهني الإرشاد في لبنان يحتاجون لرفع مؤهلاتهم كي يتصدّوا للمشاكل الأسرية، خاصة حين تكون المشاكل صعبة.. إلا أن حاجة الأُسر أحياناً قد تدفع هؤلاء إلى ممارسة الإرشاد. فلا يخفى على أحد الوضع المتأزّم الذي تعيشه أُسرنا، ولذلك هي بحاجة إلى التوجيه. ومع إيماني بضرورة التخصص وبناء القدرات وتطوير المهارات المبنية على الدراسة الأكاديمية والتحصيل الذاتي، إلا أني أجد من الضرورة العمل في هذا الميدان ولو لم يكن التخصص عالياً. فالقدرة على الإنصات والتوجيه تتطوّر مما يُكسِب المستشار الخبرة والقدرة على تجويد الأداء مع الوقت والحرص على متابعة الارتقاء بالمعارف والمهارات، على أن يكون لدى المرشد الحد الأدنى من المعايير التي تؤهله للعمل في حقل الإرشاد.
3. «منبر الداعيات»: كيف تعمل جمعية «مودة» ولجنـة «حنـايا» على تحقيق الاستقرار الأسري؟ وما أبـرز فعاليـاتها؟ والخدمات التي تُقدمها في هذا المجال؟
• من أهم الأهداف التي دفعتنا للعمل في الحقل الإرشادي:
• إصلاح بيوت المسلمين ونشر الوعي للاستقرار الأسري.
• معالجة المشاكل الأُسْرية بشِقَّيْها الزوجي والتربوي.
• تطوير المعرفة العلميّة في مجال طرق مواجهة المشكلات والوقاية منها.
• إعداد وتدريب مدرّبين في المجال الأُسري.
• الارتقاء في أداء المُقْبلات على الزواج والمتزوجات.
• محاربة القوانين الوضعية.
• بناء الشخصيّة السليمة في تعاملها مع ذاتها ومع شريكها.
• المساندة النفسيّة للمطلّقات أو اللواتي لم يسبق لهنّ الزواج وتأهيلهنّ.
وقد بدأت جمعية مودة للإرشاد الأسري عملها في عام 2008 في طرابلس.. وحققت بفضل الله تعالى خطوات مهمة منذ نشأتها حتى الآن.. وتتمثّل هذه الخطوات بتنفيذ مراحل عديدة من المشروع الذي وضعته وأهمها:
• «برنامج الفرحة» كخطوة وقائية، وهو خاص بالمقبلات على الزواج ويتضمّن برنامج «ست بيت».
• برنامج «بيوت مطمئنة»، وهو برنامج تأهيلي للنساء المتزوجات زوجياً وتربوياً..
• برنامج «سوبر مام» وهو برنامج متخصص لتأهيل الأمهات للقيام بدورهن التربوي مع أطفالهنّ.
• وهناك برامج قيد التحضير أهمها: «أم لأول مرة» وبرنامج «عيون الأمل» للمطلقات وبرنامج «سنة أولى زواج» للمتزوجات حديثاً..
• كما أننا نستقبل في مركز جمعية مودة استشارات بمختلف أنواعها: شرعية وقانونية ونفسية وزوجية وتربوية. ونقوم أيضاً بالعديد من النشاطات الترفيهية والهادفة لجذب الصبايا وتوثيق الصِلات بينهنّ من جلسات حوار ومناقشة كتب وتعليم الغزْل وغيرها.. وقد أقمنا العديد من المحاضرات ونفذنا حملة كبيرة ضد اتفاقية سيداو حرصاً على أحوالنا الشخصية.. وتشاركنا مع هيئات وجمعيات ولِجان أخرى في تأهيل كوادر للعمل في الإرشاد الأسري..
- أما لجنة المرأة والأسرة – حنايا في جمعية الاتحاد الإسلامي فقد انبثقت من القسم النسائي للجمعية للعناية بالأسرة والمرأة.. وقد تم إطلاقها في ملتقى حنايا الأول بعنوان «ليُزهِر الخلاف ودّاً» في نيسان 2014. ومنذ ذلك الحين ونحن نقوم بفضل الله تعالى بإعطاء المحاضرات والدورات المتميّزة بفضل الله تعالى.. كما أننا نقدّم الاستشارات لبثّ الوعي عند المقبلات على الزواج والمتزوجات لنصل إلى الاستقرار الأسري المنشود.. ونستضيف المتخصصين في المجال النفسي والإرشادي والحقوقي والطبي لإفادة المجتمع ولتأهيل الكوادر.. ونستقبل الاستشارات في مركز القسم النسائي للجمعية.
4. «منبر الداعيات»: ما هي أهم التحديات التي تواجهها مودة وحنايا في هذا الشأن؟
• لا شك أن هناك تحديات عديدة نواجهها في طريقنا الإرشادي. ومن أهمها:
• التحرّج من الإسرار إلى جهات خارج نطاق الدائرة الشخصية للمسترشد.
• عدم المرونة في التعاطي مع المراكز الإرشادية من قِبَل المحاكم الشرعية.
• التهاون في النظرة لمخرَجات العمل الإرشادي خاصة عند الذكور.
• التحدي المادي وهو الأبرز..فالمراكز تقوم على التبرعات بشكل كبير، ولكن الموسرين يفضلون إنفاق تبرعاتهم في كفالة أيتام أو بناء مساجد!
5. «منبر الداعيات»: نودّ أن تقدّمي للقرّاء بعض التوصيات في المجال الأسري.
• اسمَحْن لي أن أوجّه أربع توصيات للقرّاء الأعزّاء:
• الأولى كل مُقبِلَيْن على الزواج: نصيحة من القلب أن لا تدخلوا الحياة الزوجية إلا بعد خضوعكما معاً لدورة تثقيفية، فهذا من شأنه أن يرفع الوعي بِما أنتما مقبلان عليه..
والثانية إلى المتزوِّجين والأهل: استفيدوا من الدورات والمحاضرات ومراكز الإرشاد الأسري.. فهي تقدم لكم التوجيه والإرشاد، وفي الأغلب بأسعار زهيدة. فليس من العيب أن يُسأل أهل الرأي في أمور تُشكِل علينا لنتحاور ونصل إلى الحل الأمثل لمشكلاتنا.
• والتوصية الثالثة هي لمزاولي الإرشاد الأسري: أن يتّقوا الله جل وعلا في هذه الأمانة ويعلموا أنهم على ثغرة عظيمة.. فالله جل وعلا يقول: (فأصلِحوا بين أخويكم واتّقوا الله لعلكم تُرحمون) (الحُجرات: 10). وكذلك عليهم أن يطوّروا أنفسهم باكتساب المهارات والمعارف من كل العلوم النافعة التي تفيدهم في هذا المجال.. ثم هي دعوة لِمَن تجد في نفسها القدرة والرغبة والأهلية للعمل في المجال الأسري أن تلتحق بركبنا، فمراكزنا مفتوحة لكل راغبة بإذن الله تعالى..
• أما التوصية الأخيرة فهي للموسرين: الذين يفضّلون إنفاق الأموال في سبل الخير (التقليدية) من كفالة أيتام وأرامل وبناء مساجد.. فقد ورد أن الصحابي الجليل أبا الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى يا رسول الله.. قال: «إصلاح ذات البَيْن، وفساد ذات البين الحالقة».. رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. تقبّل الله منا جميعاً ورزقنا الإخلاص والسداد..
* * * *
ختاماً، نشكر الأستاذة سحر المصري على ما تفضّلت به؛ مؤكِّدين على ضرورة تشجيع المراكز والمؤسسات العاملة في مجال الإرشاد الأسري كونها تعمل على حماية وسلامة الأسرة وعدم تفككها إزاء الغزو الفكري والثقافي والإعلامي الذي من شأنه أن يشكل خطراً على كيان الأسرة ويهدم قيمها.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!