كوني معه يكن الله معك
بقلم: خديجة بيضون*
لبنان
قال والألم يعتصره: أي عناد هذا؟!! لقد فقدتْ زوجتي رشدها بإصرارها أن تعيش المعاناة مع كل ما تحمله من أعباء! وكأنها غفلت عمّا عليّ من التزامات: إيجار البيت المتراكم، وأقساط الأولاد (التي يعاونني أهلها في دفعها)، ومسؤوليتي تجاه والديّ اللذين أصبحا لا معيل لهما سواي، وهنا في لبنان يُجحفون بكفاءتي -وأنا مهندس الديكور -فأعمل محاسباً!! وبفضل الله أتاني الفرج: «أن أعمل مهندساً في السعودية براتب أضعاف راتبي، وإذ أصريت على اصطحابها مع الأولاد تطلب الطلاق!
وتقول: الكل يعاني في هذا البلد ولا يفكر بالسفر، ألم يأتك عمل ليلي إضافي ورفضته؟! ألا تقدّر أني استغينتُ عن الخادمة وسكنت في «جبيل» قرب مكان عملك حتى لا نحتاج لسيارة؟! وما تدفعه لأهلك ألسنا أحق به؟!! وبحزم قالت: لن أسافر...
بنيّتي... وهل المال الذي يسعى لتحصيله إلا ليحقق لكم حياة لا يشوبها كدر؟! وهل المضي في عمل في غير مجال شهادته إلا دحر لارتقائه؟! فتوليه منصباً يليق به فخر لأسرتك، وبلسم لقهره. فأعذارك بالية، وبإصرارك على رفض السفر ستبقى معيشتك مضنية، بينما هناك ستتعرفين على الكثيرات أمثالك تَرَكْن الأهل والبلد، وقد يتمنين صحبتك، وها هو يعاهدك بزيارات دائمة لأهلك في العطل، حينها سَيَسعدون بك، وتخف عن كاهلهم الأعباء التي يساندونك بها، وهناك ترتاحان من عبء الإيجار ويصبح بإمكانكما الادخار لشراء منزل يليق بكما حين تعودان بإذن الله.
* * *
فضيلة القاضي عبد العزيز الشافعي:
أبدأ بالتعليق على هذه الحالة النموذجيّة. فقصّة اليوم قصة تتكرّر كلّ يوم بين الشباب اللبناني بسبب ضيق العيش وقلة فرص العمل في لبنان. والواقع أننا لا يمكننا أن نوجّه اللوم لأيّ من الطرفين على وجهة نظره التي يدافع عنها. فطموح الزوج لفرصة عمل أفضل، ودخل أعلى، والاستقلال بالإنفاق على أفراد أسرته والتوسيع عليهم، والأمل بعمل يمكنه فيه أن يرتقي ويتقدّم وظيفيّاً...، كلّ هذه آمال مشروعة من حقّه أن يعمل لها ليتمّ إحساسه برجولته وفق المعايير التربوية والاجتماعيّة السائدة. ومن ناحية أخرى فإنّ إصرار الزوجة على الحفاظ على استقرار الأسرة، والخوف من التغيير والقفز إلى المجهول، والخوف من تعريض الأولاد لهزّة بهذه القوّة، والقلق من عدم القدرة على التأقلم مع النظم الاجتماعيّة والبيئيّة في بلد آخر...، كلّ هذه هواجس مشروعة تستفزّ غريزة الأمومة والأنوثة عندها. المشكلة الأساس في الموضوع هي عدم وجود تواصل صحيح بين الطرفين، وعدم وعي كلّ منهما لحاجات الطرف الآخر وتوقعاته، والدخول في الحوار حول هذا الموضوع مع قرار مسبق لا نقاش فيه. الحوار الموجود هو حوار باتّجاه واحد من كلّ من الطرفين: كلّ منهما يريد حمل الآخر على رأيه.
1. هل يجوز للزوجة شرعاً التمنع عن السفر إلى مكان عمل الزوج إذا أمرها بذلك؟
• ذهب المذهب الحنفيّ المعمول به أساساً في محاكمنا إلى أنّه يجوز للمرأة أن ترفض السفر مع زوجها فيما هو مسافة سفر. فقد نصّت المادّة 162 من كتاب الأحكام الشرعيّة في الأحوال الشخصيّة: «تجب النفقة للزوجة ولو أبت أن تسافر مع زوجها فيما هو مسافة قصر أو فوقها». ووجوب النفقة يقتضي عدم الحكم بالنشوز. ولكن لمّا عمّت البلوى بشأن اضطرار الشباب للسفر خارج لبنان للعمل، روعي هذا الأمر في نظام أحكام الأسرة الصادر عن المجلس الشرعيّ في لبنان والواجب التطبيق في المحاكم الشرعيّة في لبنان. فقد نصّت الفقرة «د» من المادّة 8 من نظام أحكام الأسرة: «إذا امتنعَت من الانتقال أو السفر مع زوجها، إلا إذا شُرط خلاف ذلك في عقد الزواج، أو ترتب على ذلك ضرَرٌ عليها يعود تقديره إلى القاضي وفق القواعد والمعايير الشرعية.» ومدار الخلاف في الحكم برأيي اختلاف الزمن والأعراف، فقد صار السفر للعمل أمراً غير مستغرب لدى الشباب، فإذا كان هذا الأمر مرفوضاً لدى الزوجة فعليها أن تصرح به وتتفق مع زوجها حوله قبل الزواج.
2. إن كان عدم سفرها «مشروط في عقد الزواج»، هل يحق له إلزامها بالسفر معه؟
• كما نصّت المادّة المشار إليها فإنّ اشتراط عدم السفر بها في العقد معتبر. وعدم مراعاة هذا الشرط من قبل الزوج لا يؤثّر على العقد، وإنّما لا يعتبر رفضها للسفر في هذه الحالة نشوز منها.
3. هل هناك مدة معينة شرعاً للغَيْبة؟
• غياب الزوج - وإن طال - لا يؤثّر على عقد الزواج. غير أنّ من أهمّ مقاصد الزواج الإعفاف لِكِلا الزوجين. وهو واجب ديانة. وضمان الإعفاف يختلف من شخص لآخر، ولا بدّ أن يكون الزوجان متّفقين متفاهمين بهذا الخصوص. ويمكننا أن نتّخذ من قرار أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب بعدم تغييب الجند عن أسرهم أكثر من أربعة أشهر، رعاية لحاجات زوجاتهم، ضابطاً عامّاً في هذا الأمر، مع مراعاة الخصوصيّات.
4. رحم الله أياماً كانت القناعة والرضا والصبر من الدعائم التي توطد الحياة الزوجية، وأصبحت المظاهر والتباهي وسوء الإدراك سيفاً مسلطاً يعيث في البيوت ويقضي على أمن الكثير من الزيجات بمَ تنصح المقبلين على الزواج؟
• القاعدة الشرعيّة: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً. فالفتاة التي ترضى زوجاً لها من بيئة متعلّمة تشترط ضمناً العلم لها ولأولادها، والتي تتزوّج شابّاً غير موسر فهي ترضى بحياة متواضعة، وهكذا... ومن ناحية أخرى فإنّ الشابّ الذي يختار زوجة على درجة عالية من العلم فإنّه يرضى ضمناً بخروج زوجته للعمل أو التعلّم،... لذلك فإنّ كلّ خروج عن العرف المعروف أو عدم رضى به يجب أن يكون واضحاً لكلّ من الزوجين قبل الزواج، وعليهما أن يتفاهما على رؤية مستقبليّة لعلاقتهما حتى تكون ناجحة ومثمرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أمينة سرّ «جمعية إصلاح ذات البين».
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن