فجأة!!
فجأة ودون أي مقدمات.. سَقَطَتْ أرضاً!
جرت والدتها المفجوعة نحوها فوجدتها مغمضة العينين.. تبدو نائمة! حاولت إيقاظها، نادتها باسمها وهي تُرِّبت على خديها، مسحت وجهها بالماء برفقٍ مرتجفٍ، وضعت قرب أنفها رائحة عطرية... لكن لا فائدة. فحملتها إلى فراشها، وجلست بجوارها تقرأ وتدعو وتحَصّن وتنفث.. يا للعجب! ماذا يجري؟
وكما سقطت سارة فجأة، وكما نامت فجأة، صارت تتمتم بكلمات غير مفهومة فجأة! ثم يزداد الأمر إرهاباً فتضرب عنقها ورأسها وأماكن أخرى من جسدها.
فتزداد الأم فزعاً، لكنها تابعت: ﴿لا تأخذه سِنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض ...﴾ الوضع يشتد، فتصرخ المسكينة سارة، وتطلب من والدتها السكوت. أرادت أن تسكت من شدة رهبة الموقف، لكن الله قذف في قلبها - الرحيم المشفق المحب - شجاعة وقوة وجرأة، فاستمرت: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه...﴾
عادت سارة ترجو أحداً غير مرئيّ، وتقول: كفى، كفى!
ثم... هدأت عاصفة الرعب هدوءاً حَذِراً، واستيقظت سارة من نومها أو إغماءتها أو صَرَعها. والعجب أنها لم تتذكر شيئاً مما حدث عندما استيقظت، ولم تعلم ماذا حدث!
لم تستطع أمها أن تكون شجاعة أكثر من ذلك، فانهارت وبكت دموعاً صامتة متألمة خاشعة متذلِّلة لله، كانت الدموع الصامتة كثيرة، وتفسيراتها كثيرة غير محددة ولا محدودة!
ثم ينعكس الموقف، فتصبح سارة هي المتعجبة هذه المرة، هي من تمرِّر يدها على رأس والدتها بحنوٍّ وعطف، وهي من تسأل عما جرى!
كان ذلك اليوم هو البداية، لأن الموقف نفسه تكرر مرات ومرات، لم يبق طبيب في البلد إلا ذهبت عائلة سارة جرياً إليه طالبين النجدة والإنقاذ والإسعاف والعلاج. وبعد استشارات كثيرة، عُرضت سارة - الناعمة كالحرير، الرقيقة كالزهرة، اللطيفة كالنسمة - على أحد الأئمة الثقات، فقال: إنه (المسّ)! كالقذيفة أو أشدّ عنفاً كان وقع الكلام على سارة وعائلتها!
قالت سارة لنفسها حديثاً لم تستطع أن تقوله لأحد:
نعم، كنت عندما أختلي مع نفسي أرتكب المحرمات والمنكرات المخجلة، أرتكب ما لا يُرضي الله! قد يكون المس من هنا!
نعم، نادراً ما حصّنت نفسي، قد يكون المس والأذى بسبب ذلك!
نعم، أنا بعيدة عن القرآن والذِّكر.. أنا بعيدة عن الله الرحمن الرحيم، وقريبة من الشيطان الرجيم، لذلك تمكن مني ذلك اللعين!
نعم، سمّاعات الأغاني دائما في أذنيّ، أقوم وأنام وهي في أذنيّ، الأغاني تغذّي دمي وشراييني وتملأ رأسي، وهذا سبب آخر.
اشفني ربي، وأذهب البلاء عني، وعِن أمي وعائلتي، واغفر لي ذنبي وسامحني يا قريب يا مجيب.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة