في محيط الحياة
بين الأمواج المتلاطمة تشبّث شجاع بقطعة خشبية كانت قبل ساعات قطعة من هيكل السفينة التي كان يركبها. نظر حوله، فإذا المحيط يلفّه من كل جانب. تلاقت زرقة المحيط بزرقة السماء، واختفى خط الأفق بسبب الضباب البعيد. بدا شجاع وكأنه يسبح في فضاء أزرق سرمديّ، صرخ من أعماقه صرخةَ استياءٍ واستسلام: كيف السّبيل إلى الخلاص؟
ظنّ أنّه في حلم أو أن عقله يختلق الأصوات كي لا تدمّره الوحدة، "يا صديقي! أتسمعني؟" أنصت شجاعٌ لبرهة ثم صاح،" نعم! أنا هنا!" وبعد ثوانٍ معدودة، وجد رجلاً يسبح نحوه. أمسك شجاع الخشبة بيدٍ وسبح بالأخرى نحو الرَّجل، فإذا هو صديقه سمير! ساعد شجاعٌ سميراً ليمسك بالخشبة كي يستطيع أن يلتقط المسكينُ أنفاسه.
تأرجح الرَّجلان بين الإفاقة والإغماء تحت وطأة الشّمس الحارقة، وفجأة أبصرا جزيرة بعيدة، فانفرجت أساريرهما، ها هي فرصة النَّجاة تلوح في الأفق...
وفجأة مضت السّاعات، فتوضّحت معالم الجزيرة بدأت التيّارات المعاكسة تسحبهما بعيداً عن برّ الأمان. تبادل الرجلان نظرات الهلع، ثم قال شجاع: "لنترك الخشبة ولنسبح نحو الشاطئ!" أجابه سمير: "مستحيل! إن هذه الخشبة هي أملنا الوحيد!" نظر شجاع إلى سمير بحزمٍ وقال: "حسناً... سأدعها لك".
أصبح شجاع في قبضة الموج الغاضب، يتقاذفه يميناً ويساراً. ثمّ أدرك أن عليه أن يناضل كي يفوز على ثورة المحيط، فسبح بشكلٍ عموديّ معاكساً الأمواج، وفجأة أدرك أن سبيل النجاة يكمن في التحرّك مع اتجاه التيّار، تسبح موازياً للشاطئ حتى وصل قبيل الغروب، فهرع إليه النّاس وسألوه عن قصّته فقال: "عندما تحطّمت السفينة، أمسكت ببقاياها وظننت أنها ستكون سبيل وصولي إلى أرض الأحلام، ولكنّني وجدتُ أن هذه الخشبة البالية لن توصلني إلى أيّ مكان. وهجرتُ صديقي. كان التخبّط في محيط الحياة شاقاً، فقد آلمتني الجراح، وعندما قرّرت أن أواجه هذه العقبات؛ استخدمت القوّة وعاكست التيّارات فكادت معاكستي أن تقضي عليّ، فسبحت بموازاة التيّار، فنجوتُ منه ووصلتُ أخيراً إلى شاطئ الأحلام، فصار الحلمُ حقيقةً.
لا تخافوا من خوض غمرات الحياة، ولا تتشبّثوا بكلّ ما يمنعكم من التقدّم. ولا تعاكسوا الحياة وإن عاكستكم، واستخدموا التيّار لصالحكم، وإيّاكم أن تنساقوا وراءه انسياقاً أعمى.
وصل شجاع إلى ما يصبو إليه، وبقي سمير يتخبّط في محيط الحياة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة