الخُرمة في الخَرمة
في غرفتها في سكن الجامعة حيث تكمل سنوات دراستها بعيداً عن أهلها، نسمع أفكار تيما وهي تفتح ثّلاجتها ببيجامتها وشعرها المبعثر كالعهن المنفوش على أكتافها: دائماً ثلاجتي هكذا خاوية على أعقابها.. الحمد لله لا ينقصني المال ولكن مِزاجي والتسوُّق لا يتفقان! آآآه..
يضطر الجوع تيما لأن تنحني قليلاً لتبحث أكثر في الطبقة السُّفلى و... يا سلام! حبة خَرْمة في الزاوية لا تزال تحتفظ بتألقها!
تنظر إلى الخرمة بلهفة العاشق وهي تلتهمها بعينيها... وهمّت بها لولا أن ظهرت لها تلك الخُرْمة! حُفرة صغيرة وكأنها وخزة دبوس سميك من خلفها، لكنها استحالت لناظرها عيناً تنظر إليها بتشفٍّ!
احمرَّ وجه الصِبيّة غضباً ونظرت إلى ساعتها: هل سألحق بمحاضرتي؟! كيف تستولي دودة وَقِحة على طعامي وتنعم في أحضان خَرمتي وأنا أذهب إلى الدرس دون طعام!
وأقسمتْ على نفسها إلا لقنت الدودة درساً وأكلت ما بقي من خرمتها مهما كلَّف الأمر. تناولت سكيناً وشوكة وبدأت بعملية جراحية تقطّع الخرمة شرائح صغيرة، حتى خرجت الدودة تهزّ لها حاجبيها وقد حفرت الخبيثة أنفاقاً، ولم ترعَ فيها إلّاً ولا ذمّة!
انتصب الشعر على يد تيما تقزّزاً، فرمت باقي الخَرمة مع المهملات، ثم التفتت ورفعت السكين تلحق بالدودة في أنحاء الغرفة! ويكأنها ذُبابة من سرعتها! لا تظهر في مكان حتى تختفي في آخر، ولا تكاد تحسب نفسها قتلتها حتى تظهر لها فوق السرير أو على المكتب أو بين الأوراق، ثم على الأرض، وهنا أمسكت صديقتنا بحذائها وقفزت في الهواء كأنها «جاكي شان» ذاته، حتى استوت على بطنها وسوّت بحذائها الدودة أرضاً و...
كاااااات! صرخ أبوها المخرج بعصبيته المعهودة وقال: أخبرتك أنك هنا تقتلين شرور العالم كلّها! نريد هذا الفيديو أن يكون مميزاً لنفاجئ به العائلة، وبما أنه قصير جداً فيجب أن يكون التمثيل متقناً! هنا يجب أن يظهر عليك الانفعال مع لذّة الانتصار لأّنك... قاطعته ابنته في ملل وهي تجلس على الأرض بعد قفزتها العجيبة وتلهث: نعم نعم انتصرت على مفسدات الإخلاص التي هي الدودة والتي قضت على عملي وزادي الوحيد في اليوم الذي احتجتُ فيه إلى هذا العمل، والمؤمن يرقُب نفسَه دائماً ويحاول تخليصها من الشوائب الخَفِية كالعُجب والرياء والمَنّ إلخ إلخ.. هيا هيا أبي سأتقنها هذه المرة... رمقها الأب بعتاب ثم قال: ٣ ٢ ١ آآآآكشن!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة