داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
الصحابةُ... واستقلالُ بَعلبكّ ( الصحابة في لبنان 3)
كتب بواسطة يوسف القادري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
958 مشاهدة
لا شكَّ أنكم - أيها القراء والقارئات المتابعون لهذه السلسلة - تنتظرون أن نَصل إلى صُلب الموضوع! فأَبْشِرْ بذلك. وإليك محطات التمهيد لانهيار معنويات الروم وتحرير لبنان:
عندما وَجَّه سيدنا أبو بكر الجيوش نحو الشام أفزع ذلك الروم، وقال هِرَقل لهم: (وَيْحَكُم إنّ هؤلاء أهلُ دِين جديد، وإنهم لا قِبَلَ لأحدٍ بهم! فأطيعوني وصالِحوهم على نِصف خَرَاج الشام، ويبقى لكم جبال الروم). فعانَده قومه.
وبفضل الله كان النصر في معركة اليرموك للمسلمين رغم أن الروم كانوا أكثر من ثلاثة أضعافهم.
فارتحل هرقل من حِمص إلى أنطاكيا قائلاً: (أما الشام فلا شام، وويل للروم من المولود المشئوم).
وفُتِحتْ دمشق سنة 13هـ = 634م بعد حصار شديد. وبعدها هُزم الروم في فَحْل بفلسطين أيضاً.
أرسل هِرَقْل من أنطاكية عشرة آلاف مقاتل لإغاثة دمشق. وما إنْ دخلوا بعلبك حتى علموا بسقوطها فأقاموا فيها. ولك أن تتصور الآثار النفسية المحبطة على الروم لمثل هذه الهزائم والتصريحات! (البداية والنهاية لابن كثير: أحداث سنة 13هـ، و«الصحابة في لبنـان»: د. عمر تَدمري ص40 و152. وفيه أن بعلبك فُتِحتْ عام 14هـ. ومِن مراجعه: فتوح الشام للأزدي. و«نزهة الأبصار في ذِكر الأقاليم وملوك الأمصار» لحاكم البقاع حسن بن أحمد المتوفَّى بعد 1242هـ، مخطوط. و«عنوان الجِلاد وأخبار الجهاد» لبرهان الدين البقاعي المتوفَّى 885هـ، مخطوط. وغيرها).
وقبل فتح بعلبك كان للمسلمين جولات معها؛ فهي المدينة الحصينة بقلعتها:
فعندما قَدِم خالد من العراق إلى الشام، مرَّ بـ «تَدْمُر» ثم أتى «حُوّارين» من جَبل سَنِير (المعروف اليوم بالسلسلة الشرقية لِلُبنان) ثم وَجَّه خالدٌ معاذَ ابن جبل إلى بعلبك على رأس ألفي فارس. وقد دُفِنتْ أخته الصحابية «الصعبةُ بنتُ جَبَل» في بعلبك، وكذا «فاطمةُ ابنة غشم» رضي الله عنهم.
ثم أرسل أبو عبيدة خالداً إلى البقاع ففتحه بالسيف كالْمَرج ومَجْدل عَنجر ومِنهما جنوباً إلى «البقاع الغربي»، ثم توجَّه شمالاً إلى مشارف بعلبك القِبْليّة، وبعدها عاد خالد إلى دمشق يستدعي المدد.
فاستخلَف أبو عُبَيدة عليها ثم خرج هذه المرة ومعه خالد إلى أرض البقاع جنوباً، وهو شمالاً حتى وصل إلى اللَّبوة قبل فتح بعلبك. وأَصرَّ حاكمُها البِطْريق أي القائد «هربيس» على المواجهة فخرج معه 7000 فارس. وَعَظ أبو عبيدة جُندَه وحَذَّرهم من العُجب؛ فانقضّوا عليهم وسرعان ما جُرِح «هربيس» فدَخل بجيشه المدينة وأغلقوا أبوابها.
فأحكَمَ أبو عبيدة حصارَها، لكنّ أهلَها أكثروا التموين والاستعداد، فاستدرَجهم أبو عبيدة إذ بَعث كتيبتين: سعيد ابن زيد رضي الله عنه مع 500 فارس و300 راجل ليقاتلهم على الأبواب جهة الوادي، وضِرار بن الأزور رضي الله عنه مع 500 فارس و100 راجل على «باب الشام»، أحد أبواب بعلبك.
وفي اليوم التالي خرج الروم لِقتال أبي عبيدة وحاصروه! فأشعل التابعي سهل بن صباح النار على جبل قريب، فتنبَّهت الكتيبتان ورجعتا لِمساندة قائدهم أبي عبيدة، فالتجأ «هربيس» وجنودُه إلى ضيعة حصينة كانت خالية... وضُيّق الحصار عليهم فاضطُر «هربيس» للاستسلام. ولَمّا أَخبر سعيدٌ أبا عبيدة بذلك أمره بإحضاره، وعَقد معه صُلْحاً واشترط عليه شروطاً، وأَمر سعيدَ بن زيد أن يأخذ سلاحَهم، ويَحتجز الجنود الذين بالضيعة رهائن حتى ينفّذ «هربيس» وأهلُ بعلبك جميع شروط الاتفاق. وقد أصيب في جولة الضيعة 70 بين جريح وشهيد مسلم.
فأعطاهم أبو عُبَيدة الأمان على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وكتب لهم كتاباً، ذكر المُغيرة أنّ أبا عُبَيدة صالحهم فيه على أنصاف منازلهم وكنائسهم ووَضع الخَرَاج عليهم.
وهذا نص عقد الصُّلح مِن أبي عُبَيدة لأهل بعلبك (باختصار مما نَقَله إسماعيل بن عيّاش الحِمصي):
«... هذا أمانٌ من أبي عُبَيدة بن الجرّاح، لفُلان بن فُلان، وفُلان، وأهل مدينتهم بعلبك، رُوْمِها، وفُرْسِها، وعَرَبها، ولرؤسائها وسكانها الروم والنصارى، ولأموالهم ولدوابّهم ولِبِيَعهم ودياراتهم، وكل شيء لهم خارج المدينة من المواشي، ولأرحائهم، وإنّهم على سَكَنهم لا يُكْرَهُونَ عليه، وإنّ عليهم السمعَ والنُصْحَ والطاعةَ. وإنّ للروم أن يُسَرّحوا ويظعنوا حيث شاؤوا خمسة عشر ميلاً، ولا يلبثوا في قريةٍ أو أبنية. ولأهل المدينة وتجّارها وكُسّابها أن يتّجروا في المدينة شهرَيْ ربيع وجمادى الأولى، فإذا انسلخ فإنّهم يسيرون حيث شاؤوا أن يمكثوا بأموالهم ودوابّهم. وإنْ مكثوا بعد الثلاثة أشهر، فإنّ عليهم مثل ما على أهل المدينة من الطاعة والنُّصْح، وإعطاء الذي عليهم من السبيل. وإنّ لنا على الروم وفارس أن لا يحملوا شيئاً كان للمؤتمنين من أموالهم عند النَّبط والعرب من حين نَفَاذ هذه الصحيفة... وإن شاؤوا أن يذهبوا حيث شاؤوا من الأرض بأموالهم، فإنّ ذمّة أبي عُبَيدة والمؤتمنين لهم بهم. وإنّ لنا عندهم كل نفسٍ حُرةٍ مسلمة فيهم في رومهم، وفُرسهم، وعربهم، ونبطهم. واللهُ هو الشاهد على هذه الصحيفة، ويزيد بن أبي سفيان، ومَعْمَر بن رئاب، وكَتَبَ عبد الله بن رومان، وخَتَمَ أبو عُبَيدة بخاتمه» (الصحابة في لبنان، د. عمر تَدمري، ص41، 152، 153. وقال: انظر نصّ الكتاب في: تاريخ دمشق. وانظر: فتوح الشام للواقدي، ومعجم البلدان لياقوت. ومجموعة الوثائق السياسية للدكتور حميد الله). وواضح مِن هذه الوثيقة أن العرب كانوا من سكّانها قبل الفتوحات.
وبعد صُلح بعلبك توجّه أبو عبيدة إلى حمص، ففتح رأس العين، وصالح عين الجَوز (قرية جبلية بين بعلبك وصيدناية)، وجَدَّد الصلح معه حاكم جُوْسِيَة (قرية بين جبل لبنان وجبل سَنِير أي السلسلتين الغربية والشرقية). وانتظروا: «الصحابة أمام صخرة الروشة» في المقالة القادمة إن شاء الله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة