معاناة جسد الأمة نقص مناعة وسوء تغذية (2/2)
كتب بواسطة بقلم: هنادي الشيخ نجيب
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1272 مشاهدة
تحدّثتُ في العدد السابق عن مرض (نقص المناعة الإيمانية)، الذي أدّى إلى تغلغل خلايا الفساد الرّوحي في جسد الأمة المبارك، فكان أن غيَّر وِجهتها، وقضى على حماستها، وأَرْدى قتيل الدنيا ومشاغِلِها.
ومن أجل علاج تلك الأمراض، اقترحتُ إجراء عملية تقوية جهاز المناعة الإيمانية بلقاح الإخلاص، ثمّ توسعة الأوردة والآفاق بمصل الأمل والحماسة، وأخيراً اتباع نظام حِمية فكرية تخفف وزن الأفكار المستوردة، وتُعيد الصحة والهداية لأوعية العقول كي تنعم برؤية واضحة سليمة...
واسمحوا لي – قارئاتنا وقراءنا الأكارم – أن أنقلَ إليكم كلمة قيمة للإمام الشهيد حسن البنّا، اختصر فيها عناصر المقاومة الإيمانية، وهي لِوَجازتها يَسهُلُ حفظها واستحضارها بهدف تدبّرها والوقوف عندها لقياس درجة إيماننا ومدى قوّته وعافِيته...
قال رحمه الله: (إنما تنجحُ الفكرة إذا قوِيَ الإيمانُ بها، وتَوَفّر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووُجدَ الاستعداد للتضحية والعمل لتحقيقها، لأنّ أساس الإيمان القلبُ الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساسُ الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفَتِي).
أمّا (سوء التغذية التربوية) فمرض عُضال آخَر فَتَكَ بأوصال الأمة الإسلامية المجيدة، حتى غدت مهزوزة البُنيان، مشلولة الأركان... أُشْربت حبّ "أصنام الإعلام الماجن" في قلوب أبنائها، وطغى الاهتمام الذاتي على سلوك أهلها، وانتفت الرغبة في الإصلاح بحُجة الحرية الشخصية، وتحوّلت مدارسها وجامعاتها إلى سجون تستقبل في كثير من الأحيان (إمَّعات) خلال الدوام، تَحْشو أذهانهم بمعلومات مقطوعة الفائدة، ممنوعة من الصّرف، يتلقّونها من صور بشرية: باهتة الحضور، ضعيفة الهمّة، فاقدة الثقة، قصيرة النّفَس، طويلة اليد، (إشارة إلى ضرب التلاميذ في المدارس)، ثمّ بعد ذلك تُصَدِّر للمجتمع حمَلة شهادات "جَهَلة متكبّرين"، بعد أن كانوا قبل التخرّج "جهلة متواضعين"، إلاّ من رحم ربي من المرعيّين.
ويزيد الطين بِلّة والمرض حِدّة، تهميش القُدوات الصالحة لإحداث التغيير المطلوب، ومحاصرتهم بشتى الوسائل، وتضييق الخناق عليهم، حتى يكون حالهم في نظر العوامّ عبرة، وللمتردّدين درساً وموعظة، تثنيهم إذا هبَّت رياح العزيمة، وتُقنِّطهم إذا حَمِيَ وَطيس المواجهة!!
تلكم هي أعراض هذا الداء المستفحل في أرجاء الأمة الإسلامية المجيدة، داء (سوء التغذية التربوية).
وإنْ كان لفضيلة الداعية الدكتور محمد راتب النابلسي حفظه الله رأي في أنّ كلَّ هذه الظواهر المَرَضية، إنما هي أعراضُ الإعراض عن الله تعالى، ودواؤها في العودةِ إلى جادة الحق بكل أبعادها، فهذا لا يمنع من اقتراح أمصال وعلاجاتٍ تُعين كل صادق على التماس طريق الخلاص، مع اعتقاد وجوب إحداث التوبة النصوح، والإقبال على الله تعالى بقلبٍ عامرٍ بالإيمان واليقين...
إنني – قارئاتنا وقراءنا الكرام – أنطلق في هذا الطرح من رؤية ثلاثية الأبعاد:
1. أصلح نفسك وادعُ الآخرين.
2. عندما تغيّر طريقة تفكيرك فإنّ عالَمَك كله سيتغيّر.
3. أنتَ لا تستطيع أن تغيّر الآخرين بمجرّد الكلام، لكن بمقدورك أن تتحكم بسلوكك وردود أفعالك تُجاههم.
فإذا ما جعل كل واحدٍ منكم نُصب عينيه هذه القواعد الثلاث، تسهل عليه عندئذٍ المشاركة في العمل لإخراج الأمة من أزمتها الخانقة...
إنّ مرضاً بهذا الخُبثِ (أي سوء التغذية التربوية) يحتاج إلى:
1. مضادات للتقليد الأعمى: فما أصابنا من هشاشةٍ وسهولةِ اختراق إلاّ بسبب طمسِ العقلِ وزيغِ البصر والاغترار بالمظهر وتجاوز المَخْبر (أي الأعمال المهمّة) واختلال موازين القياس...
فإذا ما انفتح العقلُ وأبصر، أخذ دوره باعتباره منسجماً مع الخير والفطرة، فتنكشف الزُّيوف وتسقط الأقنعة، وتُهدَم الأصنام، وتتّضح ملامح الرجال الذين يُعرَفون بالحق، ويستحقون أن يقلَّدوا على بصيرة وعلم، وأن يقوّوا مسيرة النّضال في سبيل إرساء قواعد هذه الأمة وتمكينها في الأرضٍ... وما أعظمَ وصيةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب تكوين شخصية سويّة قوية في قوله: "لا تكونوا إمّعة، تقولوا: إن أحسن الناس أحسنّا وإن اساؤوا أسأنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تُحسنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم" رواه الترمذي بسند صحيح.
2. جرعات إصلاح: إنّ الناظر بعين الإنصاف إلى حال الأمة يجزم أنها واقعة تحت وطأة عجزٍ إصلاحي فادح، ذلك الخلل القائم على أساس أنّ الدِّين (بأركانه وفروعه) شأن شخصي لا علاقة فيه لأحد بأحد، متنكّرين لوظيفة الأمة ومزيّة الإسلام التي قُدِّمتْ في الذكر على مزيّة الإيمان بالله – التي اشتركت فيها مع كثير من الأمم السابقة – ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قوله تعالى: (كنتم خيرَ أمّةٍ أُخرجتْ للناسِ تأمرون بالمعروفِ وتنهَوْن عن المنكرِ وتؤمنون بالله).
إنّ مسيرة التغيير هذه تبدأ بثلاث خطوات:
أ.معرفة المعروف وفضح المنكر.
ب.اتباع المعروف واجتناب المنكر على المستوى الشخصي.
ج.دعوة الناس إلى بَذْل المعروف ومواجهة انتشار المنكر.
ثمّ لا بُدّ من الاقتناع بأنّ تمرير جرعات الإصلاح هذه يحتاج إلى وقت وصبر ومثابرةٍ وإصرار وتخطيط وعمل، فإذا ما خانتنا مناخات التنفيذ، فلا تخوننا آليات التجهيز...
3. التربية قبل التعليم: صحيحٌ أننا نعيش في عصر الانفجار العلمي والثورة المعلوماتية، لكننا قبل أن نكون خزانات معارف وأرقام، نحن بشرٌ نحتاجُ إلى رعايةٍ نفسية وروحية وأخلاقية. وقد أسّس الله تعالى دينه على الاتباع وإيجاد القدوة لنقل المبادئ والقيم والتكاليف، ودليل ذلك إرسال الأنبياء والرسل؛ بِهُبوط وحي الله إلى ترجمانه البشري المنظور. يلزم من ذلك عنايتنا الفائقة بإعداد كوادر تفهم رسالتها وتُحسن تطبيقها وتُتقن أساليب الدعوة إليها، خاصة في المدارس التي تَتشيَّد تحت إشراف (وزارات التربية والتعليم) التي رفعت وتيرة التعليم إلى حدّ التُّخمة المَرَضية، وألغَتْ دور التربية على مستوى المسؤولين والمتلقين إلى حدّ الهَلْهَلَة...
نسأل الله تعالى في ختام التشخيص واقتراح العلاجات أن يرشدَنا إلى أحَبّ الأمور إليه في اتِّباع الإرشادات النافعة الشافية، وأن يشرّفنا بالمساهمة في رفع الضُّرّ عن أمتنا الحبيبة لتعود كما أرادها الله أن تكون... والله هو المستعان وهو يهدي السبيل.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة