عن الكيماوي والتدخل والهواجس الإسرائيلية في سوريا
يوم الأحد الماضي، أصدر نتنياهو توجيهات للوزراء في حكومته تقضي بتجنب الحديث عن الأزمة السورية، وقد جاءت توجيهاته عقب تصريح لوزير الخارجية زئيف ألكين أدلى بها لإذاعة الجيش الإسرائيلي، وقال فيها إنه «عندما يدرك المجتمع الدولي أنه تم تجاوز الخطوط الحمراء، وأنه تم فعلا استخدام السلاح الكيميائي فإنه سيدرك أنه لا مناص من العمل»، مضيفا أنه «بدلا من إبقاء الأمور في حالة ضبابية، فإنه حان الوقت للتدخل».
والحال أنّ حديث الاستخبارات الإسرائيلية عن استخدام نظام بشار للسلاح الكيماوي كان مثيرا للأسئلة، لاسيَّما حين جاءت الردود الأميركية والغربية مشككة في الرواية، وأقله طالبة مزيدا من الأدلة لتأكيدها، فيما يبدو أن جدل السلاح الكيماوي هو الذي استأثر بالاهتمام خلال الأيام الأخيرة، حيث ذهب أوباما إلى أن استخدامه سيُعد بمثابة «خط أحمر»، الأمر الذي فتح الباب أمام أسئلة التدخل الخارجي، بصرف النظر عن حيثيات ذلك التدخل وطبيعته ومن سيقومون به.
حديث التدخل الخارجي بمبرر استخدام الكيماوي لم يمرَّ مرور الكرام على الدوائر الرسمية السورية، ولا على حلفائها الأكثر أهمية، بخاصة إيران وحزب الله، فقد أكد عمران الزعبي وزير إعلام بشار في موسكو أن نظامه لن يستخدم السلاح الكيماوي حتى في حال مواجهة مع «إسرائيل»، فيما سرَّبت الدوائر الرسمية السورية أخبارا حول طبيعة الردود على تدخل من هذا النوع، وبالطبع في معرض التهديد؛ إذ قالت: إن حزب الله سيُمطر الكيان الصهيوني بما يقرب من 250 صاروخا بين قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى (قام الحزب في ذات السياق بإرسال طائرة من دون طيار إلى سماء فلسطين أسقطها الإسرائيليون)، فيما ستقوم إيران بضرب القواعد والبوارج الأميركية في الخليج، الأمر الذي لا يأخذه كثيرون على محمل الجد، لأن ردا كهذا لن يتم على الأرجح إلا في حال ضرب المواقع النووية الإيرانية، أما أن يحدث في حال تدخل في سوريا فيبدو أمرا مشكوكا فيه، ليس فقط لأنه لن ينقذ النظام، بل أيضا لأن ثمنه سيكون كبيرا، لاسيَّما أن الصهاينة قد يستغلون ذلك لضرب الأهداف النووية الإيرانية بمبرر مقبول للمجتمع الدولي.
ولعل السؤال الأكثر أهمية في هذا السياق هو: هل حقا تريد تل أبيب تدخلا دوليا في سوريا يُسقط نظام بشار، أم أنها تريد فقط ضمان مصير الأسلحة الكيماوية والصواريخ بعيدة المدى ومنصات إطلاقها، فضلا عن أية صواريخ مضادة للطيران ربما تكون قد تسربت لبعض المجموعات الإسلامية، وما زالت تحتفظ بها لاستخدامها لاحقا.
لا حسم في هذا الأمر في الدوائر الصهيونية، فما تسمعه منهم يكاد يصل حد التناقض في بعض الأحيان؛ إذ يفضل البعض استمرار المعركة لمزيد من التدمير، حتى لو تطلب الأمر دعم الطرف الذي يضعف منهما، كما ذهب الأميركي الصهيوني (دانيال بايبس)، فيما يرى آخرون أن إسقاط النظام هو الأولى من أجل ضمان الوضع التالي، ويبقى الرأي الثالث الذي تعبر عنه نخبة كبيرة ممثلا في الإبقاء على بشار وفق تسوية معينة تعني الإبقاء عليه ضعيفا منهكا كخيار أفضل من وضع غامض بعده، بوجود مجموعات تصعب السيطرة عليها.
هناك بالطبع ما يروج له بعض المقربين من نظام بشار من تقدم عسكري، كسبب يحفّز التدخل العسكري، وهو قول لا يبدو مقنعا، ليس فقط لأن هناك تقدما للثوار على جبهات أخرى غير دمشق، مع صمود جيد حولها، بل أيضا لأنه تقدم دُفعت فيه أثمان باهظة من إيران، وحزب الله (يتحدث البعض عن 350 قتيلا من الحزب إلى الآن) خشية تأثير التقهقر على انتخابات الرئاسة الإيرانية كما ذهب بعض المسؤولين الإيرانيين الذين يعتقدون أن التدخل لإسقاط النظام هو في الأصل من أجل حث هبّة شعبية داخلية في إيران عشية انتخابات الرئاسة بعد أسابيع، بل يضعون التوتر في العراق ضمن ذات السياق أيضا.
إذا وقع تدخل خلال الأسابيع المقبلة، فهذا يعني أن الموقف الصهيوني قد حسم لجهة التسريع بإسقاط نظام سيسقط في نهاية المطاف، مقابل ضمان مصير الكيماوي والأسلحة الخطيرة الأخرى، إلى جانب ضمان ترتيب الوضع التالي على أسس لا تشكل إزعاجا للكيان، أقله في المدى القريب. لكن واشنطن لا تبدو متحمسة لذلك، هي التي تنسحب تدريجيا من المنطقة، من دون أن يُستبعد التدخل الجوي المحدود إذا رأى الإسرائيليون حاجة لذلك.
ما ينبغي قوله في كل حال هو أن بشار ومعه إيران وحلفاؤها إنما يخوضون معركة يائسة، ذلك أنه مهما طال أمد المعركة، فإنها ستنتهي بإسقاط النظام، وكلما طالت المعركة زاد الحشد المذهبي، وزادت معه خسائر إيران السياسية وتصاعد استنزافها ماليا، وكذلك خسائر الذين تحالفوا معها متجاهلين أنهم يعيشون في منطقة لا بد من أخذ هواجس أغلبية سكانها في الاعتبار، بدل الدخول معهم في مواجهة لن تعود عليهم بخير في أي حال.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة