اسطنبول
تهديد نصر الله تحت المظلة الأمريكية
مثّل الخطاب الأخير لحسن نصر الله - الأمين العام لما يُسمّى حزب الله اللبناني وهو الجناح الأبرز لتنظيمات ولي الفقيه الإيراني - أكبر مشاهد النشوة والاعتداد في توجيه رسائل هذه الذراع والحاضن المركزي له حول مستقبل المشرق العربي، وخاصة دائرة النفوذ الاستراتيجية في كل دول الشام والعراق، وعليه، فإن هذه الرسائل التي حوت تهديداً للمنظومة الخليجية، تأتي في سياق الخطاب المعتاد الذي تدفع به إيران شخصياتها الخاصة، لبعث رسائل التوازي لتقدمها السياسي والعسكري.
هذا النوع من بعث الرسائل للخصوم أو الحلفاء، هو أحد عناصر التفاعل المباشر التي درجت إيران على استخدامها، وإن كان هذا الاستخدام متعددا وليس سياسياً وإعلاميا فحسب، وهو ما برز بصورة واضحة في المشهد السوري، وأضحى حالة يقينية لاستخدام ايران لأذرعتها المتعددة في المشرق العربي التي كانت تهدد بها إعلامياً، ثم حركتها تنفيذيا أمام مرأى الشعب السوري والعالم في تشكيلات متعددة الجنسية من العراق، واليمن، والخليج العربي كمقاتلين في ميلشيات، يُديرها الحرس الثوري ولكن عبر تخطيط ميداني مباشر، وحضور ضخم لقيادات وعشرات الآلاف من حزب السيد حسن نصر الله.
ولذلك، تزامنت هذه الرسائل بنشوة خاصة، كون نصر الله - الذي بات يُباهي بقتله وقتاله للشعب السوري بكل وضوح- مثّل الذراع التنفيذية في التقدم الايراني الأخير في الجبهة السورية، مستغلاً التفرق الذي يضرب بثوار سوريا، وتفجير مشروع داعش في وجههم.
إضافة إلى استدعاء حالة الاستقطاب عبر فكرة الغلو المتشددة التي تخلق أرضية فرز على ميدان الثورة وتستقطب دعما ماليا شعبيا، يُضعف البناء الوطني والروح الإسلامية الشاملة، التي كان من الممكن أن يُعاد بها تنظيم فصائل الجيش السوري الحر، في فكرة اندماج لواء التوحيد والفصائل العسكرية القوية من الجيش السوري الحر مع حركة أحرار الشام الإسلامية وحلفائهم، والتي كان يُشكل اعتدالها الفكري والوطني وانضباطها قاعدة الصمود والبناء لتشكيلات الجيش السوري الحر والحفاظ على رمزيته اللوجستية المهمة التي اتخذت شعار الإسلام وانقاذ الوطن السوري بدلاً من مشروع التفكيك الخطير لهذا البناء، الذي تدفع اليه قوى دولية، ويساهم في تمويله تبرعات شعبية خليجية مخلصة، لكنها وقعت في أخطر فخ استفادت منه تل ابيب والايرانيون.
هذه الأجواء الميدانية الذاتية، هي التي ساهمت في تمكين القوات الإيرانية بقيادة النخبة من - حزب الله- من التقدم، لكن البرنامج الرئيسي الضخم الذي كفل لهذا المشروع الإيراني الاختراق هو الموقف الأمريكي المدفوع اسرائيلياً، وهو الذي تم على مرحلتين الأولى: حجب الدعم العسكري الحاسم عن الثوار، ومنع واشنطن عبر الضغط السياسي لدخول السلاح النوعي بعد نجاح الثوار في توزيع وتشكيل تحالفات عسكرية مهمة.
حيث ساهم التشديد الأمريكي في قطع هذه المساعدات الخليجية والتركية والمساندة، ومنعها وتراجع الزخم المعنوي لها في ظل حصار شرس على الأرض السورية وشعب الثورة، وبالتالي، ضعفت هذه التحالفات المركزية المؤسسة على قواعد وطنية اجتماعية ولو بالحد الأدنى لأرضية الحرب المرحلية الحاسمة.
وتفكك بعض الميدان أمام مشاريع بدائل متعددة تُبنى على أساس تنظيمات أيدلوجية، وليس فكرة الجيش الثوري الوطني الحر القائم على عقيدة الاسلام وفكره الشرعي لمصالح الشعب لا تشكيلات تُدعم من هذا الطرف أو ذاك، وقد تتداخل مشروع الفوضى الخلاقة للمخابرات الدولية معها وهي لا تشعر.
أما المرحلة الثانية من الحصار الأمريكي الشرس على الثورة، فهي: اتفاق سان بطرس بورغ الذي تفاعل فورياً منذ عقده، ولا علاقة لهذا التفاعل الذي يصب مباشرة في دعم الموقف والقوات الايرانية المتعددة على الأرض بمؤتمر جنيف، فجولة الزخم العالمي الكاذب عن الضربة العسكرية، ثم تحولها إلى حلف لتصفية الثورة السورية عسكريا، وإنشاء ما يُسمّى تسوية سياسية على جثمانها بجنيف أو بغيره، كان هو البوابة الكبرى التي احتفل بها نصر الله في تقدمه في سوريا، وهي ذات التوافقات التي سمحت بموجبها اسرائيل بتنقّل قواته المتكرر وأسلحته الى سوريا بدلاً من الحدود مع فلسطين؛ لكونه في مهمة تخدم مصالحها وتقاطعها الإيراني.
إذن، هذا العهد الجديد لم يكن له أن يتّم لولا حفلة أمريكا المركزية، والتي بموجبها تقدمت قوات السيد حسن نصر الله وباقي القوات الإيرانية، لكن هذا التقدم اليوم لم يجر كما حصل سابقاً على جثث ورقاب الأطفال في المذابح المتعددة لقوات الأسد والإيرانيين ضد المدنيين، وإنما تجسدت على الأرض وعلى خريطة القراءة الاستراتيجية الكبرى، ولذلك وجّه حسن نصر الله رسالته مباشرة للخليج للقبول بالعرض الإيراني.. ولكن من يحمل هذا العرض؟
إن هذه الفكرة، أي احتواء ايران عبر مفاوضات لتأمين هدوء في منطقة الخليج،هي ذات الفكرة والمشروع الأمريكي الذي تدل عليها مواقف عديدة ودراسات باحثين غربيين، والأهم أنه في قلب الموقف الأمريكي السياسي لمن يتأمل ذلك بعمق.
وخطورة هذا التسويق اليوم، أنه يُغازل دول الخليج كلاً على حدة، فيغزلون شباكهم مع ايران بناءً على أن هذا الموقف أضحى مشروعاً أمريكيا، وهي تغزل شبكتها الكبرى حولهم.
إن نظرية الاحتواء لإيران لا يُمكن أن تنجح دون أن يكون الطرف الفاعل فيها هم أهل الخليج العربي، لكن الاحتواء لا يكون إلا من منظور القوة وبطاقاتها، ولذلك، فإن المدخل للرد على رسائل حسن نصر الله هو مواجهة المرقص الأمريكي ذاته، الذي صنع أرضية هذه الرسائل بدعم مركزي حاسم لثوار سوريا وجيشهم الحر.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
نبذة عن الكاتب
اسطنبول
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة