صدَّام..
حين غزا صدام حسين الكويت تعرَّض لعاصفة غير مسبوقة من الهجوم الإعلامي في معظم الدول العربية.. وبالتأكيد كان يستحق ذلك.
لم يعد بيد المدافعين عنه أيّ حيلة لصيانة سمعته التي مُرغت بالتراب في الخليج، ومصر، والمغرب، وسواها.
وسقط حزب البعث، وسقطت شعارات الوحدة والثورة والنهوض؛ التي كان يرددها، والذين ارتبطوا بصدام وصوروا معه أو ظفروا باستقباله لهم أو دعمه الظاهر أو الخفي كانوا في غاية الحرج أمام الجماهير.
بعد ربع قرن أجد أن بعض الشباب العربي بدؤوا يستعيدون صورته ويُرمّزونه من جديد.. أجد هذا في «انستقرام»، و«تويتر»، والفضائيات، والمجالس.. سألت أبنائي عن السر فأجابوني:
١/ لكلٍ منهم أسبابه الخاصة، فهذا يعتبر النهاية الدرامية التي ختم بها حياته سبباً كافياً، فآخر الصور التي رسخت في الأذهان هي صورته في المحكمة وهو يتحدّى ويحمل المصحف، ثم صورته وحبل المشنقة يلتف على عنقه وهو يتشهّد!
٢/ آخر يقول: بغيابه خلت ساحة العراق لإيران، وتمدد الحلم الفارسي، واستحوذ على سوريا ولبنان ثم وقعت اليمن في أحضان الحوثيين بصورة درامية مخزية، وكان عراق البعث رغم كل جرائمه المروعة الشنعاء يقف سداً منيعاً في وجه التمدد الإيراني والتغول الطائفي المتترس بالمظلومية!
٣/ ثالث يؤكد أن صدّام ودولته وحزبه كان ضد الصهاينة، ولذا ضربوا مفاعله النووي، وشجعوا التحالف الغربي على اجتياح العراق غير مرة، وهذه سياستهم الخبيثة القائمة على تدمير الجيوش العربية، والتي أوشكت الآن على استكمال حلقاتها، واليهود اليوم لا يخفون ارتياحهم الشديد لعالم عربي ينشدونه متحالفاً معهم سياسياً وإعلامياً، وربما ظنوا بعض الشعوب منساقة مع هذا الاتجاه.
٤/ رابع ينظر إلى خارطة العراق وقد أصبحت مشبعة بالطائفية، والنزاعات المستديمة، والفشل السياسي، والفوضى، وظهور القوى المحلية المتناقضة والضعيفة في ظل غياب الوعاء الجامع رغم كل ما فيه، ولعل هؤلاء أقرب إلى قبول الاستبداد بكل معايبه ومثالبه؛ لأن المستقبل أسوأ منه.
٥/ خامس يسرد صور النفاق الغربي المتحالف مع الصهيونية ضد أي مشروع سني أو عربي، والمستعد لقتل الملايين، ومشاهدة أشلاء الأطفال والنساء في الجزائر أمس، وفي سوريا اليوم دون أن يتخذ موقفاً صادقاً، وقصارى الأمر أنه قد ينكر سراً من باب النصيحة السرية؛ لرفع الحرج أمام شعوبه ليس إلا!
ويرى هذا القائل أن ادعاءهم الكاذب بوجود أسلحة كيماوية وتدخلهم يؤكد أنهم كانوا غير راضين عن ذلك النظام وهذه تزكية له عند هذا المتحدث
6/ أما رؤيتي الخاصة فهي تضيف بُعداً يتعلق بغياب الرموز السياسية التي تحتشد حولها الأجيال وتودع أحلامها لديها!
الأجيال التي وضعت حلمها في الناصرية ثم رأت الحلم يتهاوى وغنت:
يـا فُؤَادِي رَحِمَ اللّهُ الهَوَى كَانَ صَرْحاً مِنْ خَيَالٍ فَهَوَى
وتجرّعت النكبة والنكسة وبدأت تنظر للزعيم الملهم على أنه بشر وليس أسطورة ثم بدأت تحاسبه تحت شعار (عودة الوعي)؛كما كتب توفيق الحكيم ذات حين.
ثم وجدت نفسها أمام زعيم يواعدها ببعض أحلامها الكسيرة، فآثرت أن تظل قلوبها مربوطة على أجهزة الإنعاش البعثي، ورأته خيراً لها من موتٍ محقق ثم تجرّعت الهزائم تلو الهزائم..
وبعضها لمح في الربيع العربي أملاً سرعان ما تلاشى أمام صراعات الشعوب، ونقص وعيها، وتراجعها الذي تغذيه الثورات المضادة.
يتلفَّت هذ الجيل الذي يعيش ما بين الـ٥٠ إلى الـ٧٠ من عمره فلا يجد في الميدان رمزاً، ولا أحداً جديراً بالترميز، ولا مشروعاً ينتمي إليه ويحتويه ويلبي أشواقه البشرية أو الإسلامية أو القومية.. فيعود إلى ملكته اللغوية ليبعث أشخاصاً من قبورهم ويعيد إنتاجهم، وربما يستلهم شخصياتهم أو يحاول رد الاعتبار لهم وهو يردد:
عتبتُ على عمروٍ، فلما فقدتهُ وجربتُ أقواماً، بكيتُ على عمروِ
وقول الآخر:
رُبَّ يومٍ بكيت فيه فلما صِرت في غيره بكيت عليه!
أيها الرجال!
الطغاة لا يستحقون دمعة تذرفونها عليهم، وهم مسؤولون عما يجري لبلادهم وشعوبهم من بعدهم، ولو أنهم أصغوا لصوت الشعوب المقهورة، وأشركوهم في القرار، وعاملوهم معاملة إنسانية كريمة، ولم يجعلوا معيار التمييز هو عبارات الولاء والنفاق والمديح الكاذب، وشرعوا في إصلاح سياسي واقتصادي؛ كالذي سارت عليه شعوب الأرض.. لما حدث الذي حدث، ولما ضاعت الثروات والجيوش والمكاسب في مغامرات وحدوية أو انقلابات فاشلة.
كل شيء بقدر، وما مضى فات، لكن يعز على المتأملين في حال الأمة أن تنكسر رقابها من الالتفات الدائم للوراء وبطريقة غير واعية ولا مدركة للدروس التي يجب أن تستفاد..
على صعيد الأشخاص ليس من حقنا أن نحكم على آخرتهم، فقد أفضوا إلى الله الحكم العدل الذي لا شريك له في حكمه، ولكن على صعيد الأعمال والمسؤوليات والتصرفات العامة بأموال الأمة أو جيوشها أو شعوبها فهي مادة مشتركة من حق الأمة أن تعيد تقييم المواقف، وتستنتج الدروس والعبر، ولا تكرر الأخطاء، {وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (213) سورة البقرة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة