التعامل مع الطوائف غير المحاربة للمسلمين في الشام
يتساءل الإخوة في الشام عن نصارى الشام الذين لم يشاركوا في القتال ضد المسلمين كالأرمن، هل هم أهل ذمة تحفظ دماؤهم وأموالهم أم لهم حكم المحارب لعدم وجود عقد ذمة لهم؟
وقبل الرد أود أن أناشد علماء الأمة أن يقوموا بدورهم في الإجابة عن مثل هذه التساؤلات. فالجهاد الشامي بحاجة إلى تضافر الجهود. وتقصير العلماء عن توجيه الساحة في مثل هذه المسائل بأبحاث مؤصلة يترك إخوتنا لاختلاف في الآراء قد يفضي إلى تنازع وتخطئة وتبادل اتهام بالإفراط أو التفريط.
ولئن سكت علماؤنا عن أمورٍ خوف الخوض في فتنة أو خشية قصور في فهم الواقع أو تحاشيا للملاحقات القانونية من الظلمة في بلاد المسلمين، فلا أقل من أن يصدروا أبحاثا فقهية تجيب عن المستجدات لينزلها إخوتنا على واقعهم.
عودا إلى مسألة النصارى الذين لم يشاركوا عصابات النظام في محاربة المسلمين، فإن سبب الخلاف هو أن عقد الذمة يقضي بدفعهم الجزية وخضوعهم لأحكام الإسلام، وواقع الحال تعذر قبض الجزية والخضوع لحكم الإسلام لانعدام دولة الخلافة التي كانوا يخضعون لها.
فهل يزول عنهم وصف الذمة وحكمها أم يزول الاسم ويبقى الحكم ؟
وهنا لا بد من الإشارة إلى التفريق بين بطلان العقد بسببٍ منهم، وزوال العقد بلا تسبب منهم:
- فلو أن أهل الذمة رفضوا دفع الجزية لدولة الخلافة أو رفضوا الخضوع لأحكام الإسلام في دولة الخلافة، لَبَطُل عقد الذمة وأصبحوا محاربين.
- ولكن ما الرأي في أهل ذمة في دار الإسلام دهم أرضَهم عدو وأزال سلطان الإسلام عنها وأخضعهم لسلطانه بلا معونة من أهل الذمة، وإنما جرى عليهم ما جرى على المسلمين في تلك الأرض؟ فهل يقال هنا إن عقد الذمة قد بَطُل وأصبحوا محاربين؟
بل إن ما نراه أن عقد الذمة يُلزم المسلمين باستنقاذ أهل الذمة في هذه الحالة ودحر العدو عن أرضهم وفاء بالعقد الذي أُبرم لهم من قبل. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). فهل وفى المسلمون بعقد الذمة عندما فرَّطوا فأضاعوا سلطان الإسلام وتركوا تحكيم الشريعة؟
لذا، فبغض النظر عن بقاء اسم الذمة لهم أم زواله عنهم، فإن واقع المسألة أن هؤلاء لم يصدر منهم في الغالب ما أبطل عقد الذمة الأصلي، وليس عليهم بذل الجزية إلا تحت سلطان الإسلام وحكمه، ويكون على المسلمين أن يحافظوا على لازم عقد الذمة، لأن حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم لم تزل بسببٍ منهم.
فسواء سموا أهل ذمة أم لم يسموا فإن حكمهم واحد. قال الله تعالى: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).
تبقى الإجابة عن سؤال: ماذا لو وقع بعض أهل طائفة من هؤلاء فيما ينقض عقد الذمة من مظاهرة الكفار على المسلمين مثلا؟ فهل يبيح ذلك للمسلمين معاملة الطائفة كلها كمحاربين؟
والجواب، والله أعلم، أن أخذ الطائفة بجريرة أفرادٍ منها نقضوا العقد إنما يكون عند حماية هذه الطائفة للناقضين ومناصرتهم، كما فعل بنو قينقاع وبنو قريظة. أما في مثل حال الشام فإن وقع من بعض أفرادهم ما يوجب الحرابة دون معونة من سائر طائفته ولا إيواء له ولا دفاع عنه فإنها لا تؤخذ بجريرته.
والله تعالى أعلم وأحكم.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن