مبارك نجاحك في البكالوريا
لقد نجحت يا أمي، لقد نجحت، آه، فرحتي كبيرة، وأخيراً سأدخل الجامعة وسأكمل تعليمي وسأعمل و... و... و...
- ألف مبارك يا حبيبتي، ألف مبارك، تستحقين هذا النجاح، لقد تعبت طوال هذه السنوات وآن لك أن تفرحي وتحلمي بالغد، وها أنت ستدخلين الجامعة وستكونين بأفضل حال، أخبريني هل نجحت رفيقاتك كلهنّ؟
• أجل، نجحن كلهن، وسيدخلن معي إلى الكلية نفسها، ما عدا (وئام)، فلقد قررت في الوقت الحاضر أن تتزوج وتجلس في البيت و... تتفرغ لتربية الأولاد، وربما تكمل دراستها فيما بعد، إذا استطاعت أن تنظّم واجباتها بين الدرس والبيت... تصوّري يا أمي، مع أنها متفوقة جداً في الدراسة؟
- معقول؟ هل لا زال هناك في هذا العصر من يفكر بهذه الطريقة؟ وما عساها تفعل إذا تبيّن أن زوجها سيء وطلّقها بعد فترة؟ كيف ستعيش؟ من سيصرف عليها؟
• لا أعرف يا أمي، إن هذه الفتاة لديها تفكير غريب، فخطيبها إنسان عادي لا يملك الكثير من المال، وعائلته متواضعة، مع أن نصيبها يمكن أن يكون أفضل بكثير، فهي من أسرة غنية ومعروفة، وهي، تعرفينها يا أمي، فائقة الجمال، ولكنها تقول إن جمالها لا يعني لها شيئاً، المهم عندها أن تتزوج رجلاً ذا دين وخلق يحبها ويحسن معاملتها، أما الأيام فلا تدري ما يمكن أن تحمله لها، ولكنها واثقة بالله عز وجل لذا لا تحمل همَ الغد، لأنها إذا راعت أحكام الله عز وجل في شبابها فإن الله عز وجل سيحميها في الكبر...
• دق الباب، أكيد رفيقاتي جئن لتهنئتي، سأذهب لأفتح لهن...
• أمي، أمي، هذا خالي أحمد، أهلاً خالي، تفضل...
• أرجو ألا أكون قد قاطعتكما عن شيء.
- لا، لا، كنا نتحدث عن (منال) ورفيقاتها... ألم تسمع الخبر؟ لقد نجحت منال، وستدخل الجامعة.
• مبارك، مبارك يا حبيبتي، الآن يجب أن تفكري في الزواج، لا حجّة لك في رفض الخاطبين بعد الآن.
• ماذا؟ أتزوج يا خالي وأنا في هذا العمر؟ لا، ما زال الوقت مبكراً، أريد أن أتعلم وأعمل، بعد ذلك أفكر في الزواج.
• يا ابنتي، أنا لا أوافقك الرأي، فالأصلح للفتاة أن تتزوج في سن صغيرة، فإن من يتقدم لك الآن لن يتقدم فيما بعد، أنا لا أعني بذلك أن تجعلي هذا الأمر هدفاً لك، لكن أن تفكري في الأمر إذا تقدم لك من ترضين دينه وخلقه، دون أن يشغلك هذا عن إتمام الدراسة الجامعية، ما رأيك يا أم منال؟
- ما رأيي؟ طبعاً لا أوافقك الرأي، فأنا لم أصبر كل هذه الأعوام حتى أزوِج ابنتي في هذه السن ويحصل معها كما حصل معي، لا، لن أسمح بهذا أبداً، حتى أبوها لن يسمح بهذا، فهل ابنتنا أقل من ابنة عمها التي تخرّجت طبيبة وهي تعمل الآن في بريطانيا؟ نحن نريد أن نرفع رأسنا بابنتنا، ونريدها أن تصل إلى رفع المراتب، أما الزواج المبكر فهو للبنت التي لا يستطيع أن ينفق عليها أهلها لإكمال تعليمها، وهذا ليس حالنا، ثم... تقول: إن من يتقدم الآن لن يتقدم فيما بعد، لماذا؟ هل ابنتنا عوراء أم قبيحة؟ هي أجمل فتاة على وجه الأرض... أنت تقول هذا لأنك لم تنجب ولا تعرف معنى أن يكون لك بنت جاهلة في هذا الزمن الذي أصبحت فيه دراسة الليسانس بل وحتى الماجستير غير كافية...
• ضحك الخال وقال: لماذا هذه الحدّة في الكلام؟ أنا آسف إذا كنت قد أزعجتك، لكن صدقيني أنا أفكر بمصلحتها، فلا يغرّنك جمالها، واسمعي مني هذا الشعر الذي قرأته ذات مرة:
التقت حسناء في شرخ بعجوزﹴ آدها عبء السنين
قالت الحلوة: ما أجملني! قالت الأخرى: ولكن تجهلين
خلتنا ثنتين... بل واحدةٌ فأنا أنت ولكن بعد حين
فالأيام يا أختي لن تمهل ابنتك حتى تنجز أحلامها ثم تعطيها ما كانت تتمناه، فزواج البنت يصبح شديد الصعوبة كلما تقدم بها العمر، كما أن الدرجات العلمية العالية ثم العمل من بعد أمران قد يصعِبان من أمر زواجها أكثر، إذ أنها في هذه الحالة ستزيد من الشروط التي تطلبها في الخاطب، أما عملها فقد يكون وبالاً عليها عندما تعلم أن خاطبيها لن يزدادوا إلا إذا ازداد راتبها وأصبحت قادرة على المساعدة في الإنفاق على احتياجات الأسرة مما يزيد من شقائها وتعاستها...
صدِقيني يا أختي، إن مهمة المرأة في الدرجة الأولى هي بيتها وأسرتها التي ستحاسب عليهما يوم القيامة، والعلم الذي ستحاسب عليه هو تقصيرها في العلوم الشرعية التي تساعدها على التقرُب من الله وبناء شخصيتها، أما سائر العلوم فأنا لست ضدّها، فكم من امرأة متزوجة أكملت تعليمها وهي متزوجة؟ وكم امرأة وصلت على أعلى المراتب وهي متزوجة؟... الزواج لا يمكن أن يلغي العلم أبداً...
ثم دعيني أخبرك أن ما تشاهدينه الآن من ثورة لتعليم البنات وتأخير زواجهن، لا تحسبي أنه جاء نتيجة تفكيرك وتدبيرك، إنما هو من المخططات العالمية التي تقام من أجلها المؤتمرات وتصاغ لها الاتفاقيات التي تهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على الأسرة المسلمة في المهد قبل أن تولد، وذلك عبر إضعاف خصوبة المرأة وإلهائها بأمور خارج المنزل حتى يصبح هذا الأخير في آخر اهتماماتها، فيقلّ بذلك عدد أطفال المسلمين ويبقى العالم الغربي الذي يعجز أبناؤه عن تكوين الأسر هو المسيطر والأقوى.
لا تعتقدي أن ما أقوله أمر مفترى، بل هذا مر مثبت بالأرقام، فهل تدرين أن معدل الوفيات في أميركا أصبح يوازي معدل الولادات؟ يعني في السنوات القادمة لن يبقى نسل في أميركا بل ستزول بزوال أبنائها، لهذا السبب تعمل أميركا وغيرها من الدول الأوروبية على تحديد نسل الدول النامية وخاصة الإسلامية منها، وذلك كي لا تشكِل في المستقبل خطراً على وجودها، وهذا الأمر كي يحصل لن يكون عبر الطلب من الحكومات المحلية إصدار القوانين التي تحدّد حجم الأسرة، فهذا أمر مخالف للدين والشريعة، ونما يكون بالحيلة والخداع، وقد قرأت ذات مرة قول أحدهم: إن العمل على تأخير سن الزواج:"لا يكون بطريقة قانونية (إجبارية) بل عبر نشر وتأمين الحياة اللائقة للأنثى من تعليم وعمل، مما يؤدي بالتالي إلى إشغال المرأة، ويقلِل من معدّل الولادات عندها، ويعتقد العديد من العلماء أن برامج تحديد النسل لا تؤتي ثمارها إلا إذا طبّقت الحكومات الوسائل التي سبق ذكرها أعلاه".
- ما هذا الكلام؟! هذا سلاح الضعفاء الذين يرمون أخطاءهم على غيرهم، أنا لا أحد يؤثر عليّ، أنا أريد مصلحة ابنتي بالدرجة الأولى، وهل تريدني أن أزوِج ابنتي لأول عابر سبيل، وأراها وهي تتخبط وأولادها الخمسة أو الستة؟ لا أدري كم عددهم... وهي تركض من مكان إلى آخر تحاول أن تؤمن لهم رغيف الخبز؟ ثم كيف يستطيع هذا الزوج المسكين الذي يعمل لوحده أن يؤمّن لأولاده أفضل العلوم؟ كيف وزوجته قابعة بالبيت كل همّها الإنجاب؟! خبرني كيف؟ ألا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلّم:"اعقلها وتوكل".
• أنا لا أشك بحسن نواياك، وأعلم بأنك ندمت على زواجك المبكر، إذ أنك حملت همَ الأسرة ومتاعبها وأنت صغيرة بينما رفيقاتك في مثل سنك لم يتزوج بعضهنّ إلى الآن، ولكن لننظر إلى الناحية الإيجابية في الموضوع، فها أنت تتمتعين بنجاح ابنتك ويمكن أن تري أحفادك في وقت قريب! ثم من قال لك بن الحياة مراحل راحة ومراحل تعب، بل الحياة كلها تعب وكدّ، وهذا قضاء الله عز وجل عندما قال:﴿يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه﴾. ثم ألا تعلمين أنه:"لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه"؟
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإن من أسباب حرص كثير من الناس على عدم لإنجاب هو توقُع الفقر الذي يمكن أن يصيب الأسرة في حال كثرة الذرية فهم يريدون أن يؤمّنوا نفقات أولادهم من يوم الولادة إلى يوم تخرُجهم من الجامعة، بما في ذلك كل الكماليات المرافقة كي يعيش الولد في رفاهية، لذلك نجد بعض الناس قبل أن يتزوج يحدّد شكل الأسرة التي يريد أن يبنيها، فهي أسرة صغيرة تقتصر على ولدين، حتى أنهم يحدِدون جنسيتهما في بعض الأحيان ( صبي وبنت)، والله يعينهما على تربيتهما!!!
فهل في هذا الكلام حسن توكل على الله عز وجل الذي قال في محكم كتابه:﴿ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إنّ قتلهم كان خطئاً كبيراً﴾، فالله سبحانه وتعالى ضمن الرزق للعباد، والرسول صلى الله عليه وسلّم يقول:"تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة".
يا أختي الحبيبة، إن مشكلة الأمة الإسلامية اليوم هي في ضعف إيمانها وتوكلها على الله عز وجل، وهذا التوكل الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم:"لو توكلتم على الله حقَ توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً (جائعة) وتروح بطاناً (شبعة)"، ويروى في هذا المجال عن الحسن البصري أنه قال:"قرأت في تسعين موضعاً من القرآن أن الله قدّر الأرزاق وضمنها لخلقه، وقرأت في موضع واحد:﴿الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء﴾، فشكَكنا في قول الصادق في تسعين موضعاً، وصدّقنا قول الكاذب في موضع واحد"!
ثم من قال إن من مصلحة الأولاد أن يعيشوا برفاهية هي التي تصنع السعادة؟ وهي التي تبني الأمة وتصنع الرجال والمجاهدين؟ لو كان الأمر كذلك لكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم أغنى الناس، وهو الذي كان يربط الحجر على بطنه من الجوع... فيا ليتنا، يا أختي، نعرف الهدف الحقيقي من وجودنا ووجود أبنائنا على هذه الأرض، فإننا نعلم عندئذ أن كل ما عليها فانﹴ، وأننا لو ملكنا الدنيا كلها ما خرجنا منها إلا بالقطن والكفن...
نقطة أخيرة أريد أن ألفت نظرك إليها، وهي الأحداث التي تحصل الآن في فلسطين المحتلة، فهل تعتقدين أنه لو فكرت المرأة الفلسطينية كما تفكر المرأة اليوم في سائر البلاد، هل كان سيبقى في فلسطين مجاهد واحد يدافع عن أرض المسرى؟ فالأم هناك يا عزيزتي لا تقدم شهيداً واحداً أو شهيدين، بل إننا قد نجد من الأمهات من قدمت أولادها الخمسة والستة كلهم شهداء.
فيا ليتنا، يا أختي، ننتبه لما يدور حولنا، ولنعلم بأن أمتنا في خطر والأمر يستوجب منا التكاتف جميعاً، رجالاً ونساءً وأطفالاً، من أجل دفع ما يخطَط لنا والدفاع عن ديننا وقيمنا.
في تلك اللحظة قطع الحديث رنين الهاتف، كان ذلك والد منال اتصل ليهنئها قائلاً:
مبارك يا ابنتي، غداً تذهبين مع أمك كي تختاري السيارة التي تريدين..
والسيليولير؟...
• وأيضاً السيليولير، كم منال لديّ أنا؟...
- يا حبيبي، يا بابا...
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن