طلب صداقة
هل أقبل طلب الإضافة؟ ولماذا أفعل؟ يوم التقينا منذ عامين لم نكن متفقتين أبداً، ولم تتآلف روحانا، بل اختلفنا حول كل المواضيع التي ناقشناها، فلماذا تريد صداقتي؟!
على كل حال، سأجرب قَبول الطلب، وإن لم يناسبني الوضع حذفتها، فما المشكلة؟
كتبتْ لي: أنا جِدُّ سعيدة لقبولك صداقتي.
- فأجبتُها وقد أحرجتني بلطفها: وأنا كذلك يا زينب..
كتبتْ: منذ التقيتُ بك ذلك اللقاء الوحيد وأنا أفكر.. لقد جعلتِني أُعيد النظر في حياتي كلها، في طريقة تفكيري، في مشاعري، في علاقاتي بالناس، في مكاني ومكانتي، في الدنيا وفي الآخرة.
- رسمتُ ابتسامة وكتبت: وماذا بعد؟
قالت: أتذكرين عندما قلتُ لك إن الحجاب أو عدمه حرية شخصية؟ وإنني حرة في كل ما أفعل ما دمتُ لا أؤذي أحداً؟
- قلت: نعم أذكر.
قالت: أجبتِني يومها: إن السفور ليس حرية شخصية لأن الحجاب فرض واجب من اللهَ، ومن ناحية ثانية فالسفور يؤذي الآخرين لأنك تفتنين الرجال والشباب والفتيات بأن يحذين حَذوك.. هل بإمكانك أن تَعُدّي كم شخصاً كنت السبب في فتنته أو غوايته؟
وضحكتُ وقتها أُداري عجزي عن إجابتك، ومنذ ذلك اليوم لم أنس ذلك الحوار.. لم أنس أنكِ كنت راضية مطمئنة قانعة بما تفعلين.. لم أنس ثباتك وقوة شخصيتك.. لم أنس أنك بحجابك فرضتِ على جميع أفراد العائلة من أبناء عمك وغيرهم احترامك، فاستأذنوا قبل الدخول للمنزل، ووقفوا عند حدّهم في الحديث معك، واحترموا ما تؤمنين به عن قناعة منهم أو دون قناعة، لكنهم فعلوا! الأمر الذي جعلني أعقد مقارنة بينك وبيني، فلا يأبه أحد من الداخلين والخارجين للمنزل لوجودي، ولا يلزَم أحد من العائلة ومن غيرهم حدوده في حديث أو حوار معي، وكل من رآني ورأيتُه يمدّ يده ليصافحني ومنهم من يتجاوز ذلك... أنت محترمة جداً وأنا مبتذلة، أنت غالية وأنا رخيصة، يعملون لك ألف حساب ورصيدي دون الألف بكثير.
- رسمتُ لها: !!!!
كتبت: لا تتعجبي يا آية، لقد نُحت ذلك اليوم في ذاكرتي بكل تفاصيله.. وكثيراً ما تساءلت، أأُسافر إلى بلادي لألتقي بآية، ويدور بيننا نقاش مهم، ثم أعود إلى حيث أعيش، لأفكر وأفكر في يقظتي ونومي؟
- قلت لها: وبعد التفكير، ماذا حصل؟
قالت: قررتُ ارتداء الحجاب.
- فرحتُ غاية الفرح، وأرسلتُ لها وجوهاً مبتسمة كثيرة، وكتبتُ لها: لن أقول غير معقول، لأنه معقول ومقبول ممن تحمل قلباً دافئاً حسّاساً وفطرة سليمة مثلك... و..... لا أدري ما أقول! فسعادتي بك لا تُكتب ولا تُقال! أيّ حروف ستُسعفني وأية كلمات ستجاري مشاعري! و...
كتبتْ مقاطِعة سيل المشاعر هذا: لكني أواجه مشكلة يا صديقتي، فوالدي لا يريدني أن أتحجب! ولا أدري ما أفعل.
- كتبتُ بحماسٍ عالٍ وكأنني أخشى أن تغيِّر رأيها أو كأنني أخاف ضَعفها وتراجعها: إذا كنتِ صادقة مع الله، فالله سيكون معك مُعِيناً وناصراً. اسألي الله أن ييسِّر أمرك وأن يشرح صدرك ثم تحدثي مع والدك في لطف واحترام.
كتبت: أستأذنك الآن، ولا تنسيني من دعائك.
شحنات من الشجاعة جرت في شرايين زينب بعد حديثها مع آية، فقررتْ أن تحسم الأمر وتوجهت في رهبة نحو والدها وهي ترتدي حجاباً.
- بدا على وجه الوالد الانزعاج، وقال مهاجماً: ما هذا الشيء الذي تضعين على رأسك? وما هذا اللباس الغريب؟! لعلك تمزحين أو تمثلين؟
قالت زينب: بل أنا جادة يا أبي.. لقد قررتُ أن ألبس الحجاب. ما رأيك؟ ألا أبدو أجمل؟
- قال غاضباً: أي جمال هذا؟ من أين أتيت بهذه الأفكار؟
قالت في استعطاف: من شريعة الله يا أبي.. من سُنة نبينا صلى الله عليه وسلّم يا أبي.. من نساء وأمهات المؤمنين يا أبي!
وقبل أن يعصف غضبه بزينب وبما يحيط بها، دخل الأخ الأصغر يخبر والده بقدوم الضيف. وقبل أن يذهب لاستقباله، هدد ابنته بعقوبة شديدة إن لم تنزع هذه الملاءة عن رأسها كما قال.
نادى الوالد زينباً، فدخلت تحمل العصير بين يديها، وحجاباً يزيِّن رأسها ولباساً ساتراً أضفى عليها وَقاراً ورزانة وحشمة وأدباً ونوراً..
صلى الله عليه وسلّم وقف الشاب لما رآها، اندهش، وسريعاً ابتسم: ما شاء الله تبارك الله! لم يخبرني أحد أن ابنتكم محجبة يا عم! ما شاء الله! حجاب وحسَب ونسَب وعلم وجمال! أحب جداً أن أناسبكم يا عمي وليتكم تقبلون!
كتبت زينب: فعلاً، يا صديقتي، منَ يَصْدقُ مع الله يسهِّل الله له.. الأمر كان أيسر مما تخيلت.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن