الدعوة الإسلامية النسائية بين التجارب والنتائج
الدعوة الإسلامية النسائية بين التجارب والنتائج
أجرت مجلة البيان - التي يُصدرها المنتدى الإسلامي- في عددها 248 حواراً مع مسؤولة القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي الأخت الداعية أم علاء قاطرجي بالاشتراك مع داعيات أخريات من عدة بلدان إسلامية حول الدعوة النسائية الإسلامية في العالم العربي تحت عنوان «المرأة... ريادة دعوية»، وتُفرد مجلة منبر الداعيات الحوار مع الأخت أم علاء الذي سلّطت فيه الضوء على تجارب الدعوة الإسلامية في الأوساط النسائية والنتائج التي حققتها والتحدّيات التي تواجهها.
1. أخت أم علاء – بعد الترحيب والدعاء لكِ ولكل أخواتنا وسائر الداعيات بالسداد والتوفيق: حفَل العمل النسائي الدعوي بظهور واضح في العقود الثلاثة الأولى من القرن الخامس عشر الهجري، فما عوامل نجاحه؟
- من الملاحظ في هذا العصر امتداد الصحوة الإسلامية والإنابة إلى الله تعالى خاصة في صفوف النساء، والسبب في ذلك يرجع:
أولاً: إلى الحاجة الماسّة إلى راحة النفس وطمأنينة القلب بعد الضياع والشتات الذي أثمره أتِّباع سُبُل الشياطين: شياطين الإنس والجن.
ثانياً: الانفتاح الكبير والوعي والثقافة وحب المعرفة الذي أحدثه الانفجار المعرفي في هذا العصر. وكما هو معلوم في كل زمان ومكان أن الله تعالى يغرس لهذا الدين غرساً يستعمله في طاعته.
لذا نهضت المرأة المسلمة مستشعرة ضخامة المسؤولية حاملة إرث النبوة الشريف مع صِنْوها الرجل، فطلبت العلم الشرعي فتعلمته وعلّمته بنات جنسها لكي يطبّقنه واقعاً في حياتهن مقتدية بأمها عائشة وأختها رُفَيدة والصحابية المجاهدة أم شريك رضي الله عنهن. تدعو وترشد النساء وتوقظ الغافلات، مدركةٍ قول الداعية الدكتور مصطفى السباعي: لا يزال المجتمع أعرج يسير على قدم واحدة ما لم تشارك المرأة في الدعوة الإسلامية.
2. ما السلبيات التي تَرَيْن أنها مُخلّة بالعمل النسائي الطوعي والدعوي؟
- يتعرّض العمل الدعوي النسائي لبعض الفجوات مثل أي عمل دعوي آخر، كونَه جهداً بشرياً غير معصوم ولعل أبرز هذه السلبيات:
- إشراك النية في بعض الأحيان وعدم خلوص الأعمال والأنشطة لله رب العالمين وحب الظهور عند البعض.
- التنافس على المناصب، مع العلم أن المنصب أمانة وعاقبته - إن لم يُؤدَّ بحقه - خِزْيٌ وندامة يوم القيامة.
- الاكتفاء بالعلم القليل وإقصــــــاء الكتـــــاب والبعــــد عن مجالس العلماء والاقتصار على الفضائيات والسمعيات.
- ترقيع الدين بحُجّة ضرورة قَبول الآخرين لنا!!
- إلغاء بعض الرجال لدور المرأة النشيطة أنانيةً أو للجهل بأهمية هذا الدور، وقَصْرُه على كنس البيوت وملء البطون!!
3. هل ترَيْن تأثير الداعيات على النساء أكثر من جهود المشايخ المختصين بالقضايا النسائية؟ ولماذا؟
- الحق يقال: كلا، فما زال دور الشيخ وتأثيره على النساء أقوى إلا في بعض الحالات النادرة، والسبب في ذلك يرجع إلى قلة ثقة النساء بالنساء في هذا المجال، وإلى عدم وجود امرأة عالمة بكل معنى الكلمة. فإلى الآن لم نجد أي امرأة وصلت إلى ما وصل إليه العلماء الأفذاذ الذين نستمع إليهم ونتلقى عليهم العلم. فالشيخ متفرغ أما المرأة فعندها مسؤولية البيت والزوج والأولاد، إضافة إلى عملها الدعوي، لذا نتاجها أقل. والله أعلم. ونلمَس ذلك بشكل واضح من خلال ما نراه على الفضائيات من نساء داعيات ومشايخ دعاة؛ حيث يظهر الفرق الشاسع بين الجنسين في المستوى.
4. للإنترنت أثر واضح في التأثير على النساء: إلى أي مدى أثّرت المواقع النسائية على النساء سلبياً؟ وهل لها تأثير إيجابي؟
- لا شك أن الإنترنت سلاحٌ ذو حدَّيْن، فكم من الأوقات هُدرت وكم من المآسي وقعت بسببه!! فدُمّرت بيوت وهُتكت أعراض بعلاقات مشبوهة تمت عبره بحجة التواصل وتبادل المعلومات! ثم أتى إبليس ووضع بصماته ولمساته الأثيمة فكانت الجريمة.
أما الجانب الإيجابي فقد فتحت المواقعٍ الإسلامية أبواباً جديدة مفيدة فزادت ثقافة الداعية من خلالها وأصبحت تميِّزُ ما بين السُّم والدسم والغَثّ والسمين، كما أنها تستطيع استخدام الإنترنت لتبلِّغ دعوتها وتوصل فكرتها إلى أكبر شريحة ممكنة.
5. كيف ترَيْن واقع الدعوة في الوسط النسائي في البلاد الإسلامية عموماً؟
- الوضع يختلف من بيئة لأخرى، فأحياناً نجد إقبالاً شديداً من المثقفات والمتعلمات يرغبن في إعداد أنفسهن ليكُنّ داعيات يخدمن هذا الدين العظيم، وهذا نلاحظه عادة بنسبة أكبر في غير العاصمة، وأحياناً نجد المتعالمات المرقِّعات اللواتي يَضللن ويُضِللن. وأودّ أن أوضح هنا أن أيَّ دعوة نسائية مستقلة عن دعوة الرجال مهما نجحت وتقدمت يبقى فيها خللٌ ونقصٌ واضحان يَبْرزان مع تقادم الزمن والتوسُّع في العمل.
6. ما أهمية الدعوة في الوسط النسائي وخصوصاً مع ظهور تيارات التغريب؟ وهل من مظاهر تجديد في ذلك؟
- إن دعوة النساء - والله أعلم - واجب شرعي وفرض كفائي خاصة في عصرنا حيث ضُيِّعت فيه الهُوية الإسلامية وأُقصيت فيه المرأة عن دينها وقدسية منهجه، ودُعِيَت للتفلت منه باسم الفن والحرية والعلم وإثبات الشخصية وأُشربت أفكاراً غربية لا تصلح لعابدة تقية.
من هنا كان من الواجب تحذيرُ المرأة من فتنة التغريب والتضييع المنبثقة من مؤتمرات متآمرة وإعلام ماجن وتوجيهٍ فاسد من دَعيٍّ فاجر... وردُّها إلى أصالتها وعزّتها وطُهرها وشرفها عبر المؤتمرات الإسلامية النسائية والإعلام الإسلامي الراقي والإرشاد الديني السامي. أما التجديد في أساليب الدعوة فيتم الآن عبر استخدام التقنيات الحديثة والمنتديات وجلسات الحوار ودراسة المذاهب المعاصرة للرد عليها وكشف ضلالها بعلم ووعي.
7. نرغب منكِ في التعريف بالأهداف العامة للدعوة في الوسط النسائي؟
أهم هذه الأهداف:
- ربطها بدينها وتوثيق صلتها بكتاب ربها وسُنّة نبيّها صلى الله عليه وسلّم.
- الوقوف في وجه المد التغريبي الهدّام وصَدّه.
- تريبة الأم المسلمة التي إن هزّت المهد بيمينها هزت العالم بشمالها.
- بناء المجتمع المسلم الذي دعامته المرأة في أي موقع كانت.
8. ما آليات العمل المقترحة للدعوة النسائية؟
أ - التنويع في أساليب الدعوة وعدم الجمود.
ب - التركيز على الطالبات والاهتمام بالناشئات.
ج - محاضرات للأمهات.
د - دورات لأمهات الأيتام.
هـ - تقديم الخدمات ما أمكن لكل هؤلاء ومشاركتهن في مناسباتهن الاجتماعية والعيش معهن في أفراحهن وأتراحهن.
و - إقامة المنتديات الإسلامية التي تعرّف بالإسلام وتدعو إليه.
ز - عِمارة دُور القرآن لتخريج الحافظات والتاليات.
ح - توظيف الطاقات واستثمارها دعوياً.
9. نُريد أن نرصد تجربة دُور تحفيظ القرآن الكريم في لبنان: ما دورها وأثرها؟ وهل كوَّنت داعيات عالمات؟
- لدُور تحفيظ القرآن دَور مُرضٍٍ والحمد لله في استقطاب الفتيات والنساء؛ فقد حَبّبت إليهن القرآن لدرجة تعبير إحداهن: «صار عندي إدمان على كتاب الله» فحلّت هذه الدُّور محل الصُّبحيات الفارغة والاستقبالات التافهة، وأقبلت النسوة على القرآن الكريم تلاوة وحفظاً، تعلماً وتعليماً، ومنهن من تجاوَزْنَ الستين من العمر أتممن حفظ القرآن أو أوشكن على إتمامه.
أما عن تكوين هذه الدُّور لداعيات عالمات فهذا تعبير فضفاض، لكن أستطيع القول: إن هذه الدور تخرِّج حافظات لكتاب الله من الداعيات أو المتخصصات وتهيئ لتخريج العالمات إن شاء الله.
10. ما هي العوائق المانعة من المشاركة في العمل الدعوي النسائي؟
- لا شيء يعيق الداعية عن دعوتها إن صمَّمت وأرادت: مستعينةً بالله عز وجل ملتمسةً رضاه وتوفيقه مستخدمةً أذكى الأساليب لاسترضاء من يمنعها من أهلها أو تذليل المصاعب التي تواجهها حتى ولو كانت على فراش الموت، وأعرف أختاً في أيامها الأخيرة على سريرها في المستشفى كانت ترسل عبر جوالها رسائل دعوية لمن تعرف ومن لا تعرف وبعد أيام أسلمت الروح لله. رحمها الله.
11. هناك عالمات ومتخصصات في الشريعة الإسلامية هل أدَّين واجباتهن الدعوية وبخاصة في الرد على الاتجاهات الانهزامية أمام ضغط الواقع؟
- هناك متخصصات في الشريعة الإسلامية ولكن لم تبرز في عصرنا العالمة والمفكِّرة - ليس تشاؤماً - كما هو الحال عند الكثير من العلماء والمفكرين، وأولئك المتخصصات يقمن بدور كبير في مواجهة الانهزاميين وتياراتهم المضلِّلة، ولكن جهد الدعاة أكبر بكثير إذا ما قورن بجهدهن.
12. كيف تجمع الداعية إلى الله بين دعوتها وبين تربيتها لأبنائها والمحافظة على ذلك؟
- بالتنظيم وترتيب الأولويات وَفْقَ سُلَّم منظّم واتباع الحكمة وقبل ذلك الاستعانة بالله عز وجل ثم بزوجها وأهلها وأخواتها في الله لتوزيع الأدوار وحمل الأعباء.
13. هناك مَن يقول بأن هناك فجوة موجودة عند الداعيات والمشتغلات بالدعوة وأن الداعيات مُهْملات لبيوتهن وأولادهن فهل هذا صحيح؟
- قد يحصل هذا عند بعض الداعيات وكثيرات ينتفي هذا عنهن. والأَوْلى للداعية البدء ببيتها أولاً وممارسة دعوتها فيه ثم الانتقال للآخرين «الأقربون أولى بالمعروف»، وليس هناك أغلى عندها من أولادها لتُرشدهم وتربِّيَهم وتنقذَهم من النار. فإنْ أدت واجبها وشذّ أبناؤها أو أحدهم عند كِبَره فليس هذا دليلاً على إهمالها وتفريطها طالما أنها استنفدت جهدها معهم، ولنا في سيدنا نوح عليه السلام عبرة؛ حيث إن ضلال ابنه وزوجتِهِ لم يمنعه من دعوة الناس وإرشادهم إلى الخير.
14. يُلاَحظ ضعف التخطيط الدعوي للعمل النسائي وغياب النظرة الاستشرافية للمستقبل، ثم ضعف تنسيق الجهود الدعوية النسائية. فما قولكِ؟
- يرجع ذلك إلى قلة الطاقات النسوية القيادية، أما ضعف التنسيق فمردُّه إلى التباين في الفكر وأسلوب الدعوة وأحياناً يرجع الأمر إلى أمراض دعوية.
ولكن لا يخلو الأمر من التنسيق بين الدعوات المتقاربة في الفكر والمنهج، وهنا أود لفت النظر إلى ضرورة أن تتواصل الدعوات النسائية عبر الحدود وتتخطى التقوقع داخل الجغرافيا المصطنعة.
15. ما الجهود الدعوية التي تقمن بها في الجامعات؟
- يشرف القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي على قسم الطالبات في المنتدى الطلابي الذي يتابع شؤون الطالبات في الجامعات وخارجها، وهذه الجهود تشمل:
أ - البناء الفردي.
ب - الإعلام (نشرة – مجلة – مطوية – شريط كاسيت – CD).
ج - المحاضرات والندوات واللقاءات الحوارية.
د - مؤتمر الطالبات السنوي؛ الذي أشرفت إدارته على خمس مؤتمرات طلابية.
هـ - الرحلات الهادفة.
و - اللقاءات الإيمانية والتوجيهية الأسبوعية في المناطق والأحياء.
ز - مخيم الطالبات (مخيم الرائدات).
ح - اكتشاف الطاقات واستثمارها من خلال اللجان المتعددة الاختصاصات.
16. ما هي طموحاتكن في مجال الدعوة النسائية؟
- طموحات كثيرة، منها:
أ - بناء المرأة المسلمة وفق منهج الكتاب والسنة.
ب - تفقيه النساء وربطُهن بالعلم الشرعي والتلقي عن العلماء الثقات فِقْهَ الأئمة الربانيين كالشافعي وأبي حنيفة وعن العلماء العاملين المعاصرين في المسائل المستجدة المعاصرة.
ج - دعوة غير المسلمات للإسلام والتركيز على ذلك.
د - إقامة مدرسة إسلامية (المدرسة الدولية – آفاق) للمراحل التعليمية كلها من الروضات إلى آخر المرحلة الثانوية، ونطمح أن تحقق تفوّقاً في مستواها التعليمي وتوجُّهها الإسلامي، وقد انطلق مشروعها ونتوقع إنجازه في حدود سنتين أو ثلاث سنوات بإذن الله عزّ وجلّ.
هـ - المساهمة ووضع كل الجهود الجادة والمكثفة على الطريق الطويل لعودة استئناف حياة إسلامية بإذن الله.
و - تخريج داعيات ناجحات في التأثير الدعوي والتغلغل في الوسط النسائي.
ونستعين في ذلك كلّه بالله عزّ وجل فهو حَسْبُنا ونعم الوكيل، وإياه نعبد وإياه نستعين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة