فلنبدأ رحلة التغيير - حوار مع الأستاذة وفاء مصطفى
يقول الحق: )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(، وخصائص ومميزات شهر رمضان فرصة لا تعوّض للجادّين والرّاغبين حقاً بالتغيير.
وحول ملامح هذا التغيير الذي يجب أن يعكسه شهر رمضان في ذواتنا ومجتمعاتنا كان لنا حوار مع: الأستاذة وفاء مصطفى.
1. «منبر الداعيات»: هل اختلفت معاني شهر رمضان في عصر التكنولوجيا عمّا كانت عليه أيام زمان؟
- نعم اختلفت، وقد ساهم الإعلام في تشويه الوجه الحقيقي لشهر رمضان؛ فأصبحت الفضائيات تتنافس في عرض الدراما، والبرامج، والمسلسلات التي أغلبها لا تتناسب مع قيمنا ومبادئنا الإسلامية؛ ولا يخفى عليهم الجميع أسلوب التشويق والإثارة والعرض، وحشد هذا الكم الهائل من المسلسلات والأفلام الهدّامة التي تتسابق في العرض في رمضان، واستمرار الإعلان عنها لفترة طويلة قبله؛ فيتشوّق المشاهد العادي لمشاهدتها، مما يؤثر تأثيراً سلبياً على المجتمع، فبدلاً من توجيه الجهد والطاقة لإدارة عجلة الإنتاج والتوجه نحو التميز بمعدلات عالية الإنجاز، أصبح الفرد طاقة معطّلة كالمياه الراكدة لا حياة فيها ولا حركة.
أما الحاذق الفَطِن فلا ينفق وقته إلا فيما يُرضي ربه، ويظل بين الخوف والرجاء، والتوسل والدعاء، والتذلل لله حتى يقبله ربه ويفتح له أبوابه ويُدخله جَنّته، ويكون حريصاً على أداء الصلوات من فروض ونوافل، وتلاوة القرآن، والمداومة على ذكر الله، وحضور مجالس العلم، ومشاهدة البرامج الدينية والعلمية المفيدة.
إن الإعلام يحمل على عاتقه رسالة عظيمة للأمة يجب أن يؤديها، ويلعب دوراً هاماً في التوعية والتعليم والتثقيف والتنوير فضلاً عن غربلة البرامج والمسلسلات، واختيار الهادف منها بما يحفظ لهذا الشهر حرمته، ويتناسب مع حكمته التي شرعها الله تبارك وتعالى، وبما يتوافق مع ديننا الحنيف وقيمنا ومبادئنا.
2. «منبر الداعيات»: يقول بعض علماء النفس: «إنّ الشهوة هي المحرِّك الأساس للسلوك الإنساني...»، برأيك: هل الصيام وحده يضبط الشهوة ويكبح جماحها؟ أم هناك عوامل أخرى مؤثّرة؟
- إنّ الهدف الأساس من الصوم هو التقوى؛ أي أنْ يقي المؤمن نفسه وقلبه من الآثام، وأن يحفظ إيمانه ودينه من أيِّ شُبهة أو شائبة تشوبهما من معصية أو خطيئة؛ فالصيام يقوّي جهاز المناعة لدى الصائم، فيتحلّى بالفضائل، ويترك الهوى الفاسد، ويتعلّم الصبر الذي هو من أُسس الصيام. وليس الصبر معناه التكاسل، وإنّما هو الصبر على العمل والجِد والنشاط، والعمل مقرون بالتقوى، والإنسان لن يستطيع أن يصبر على قضاء الله، وأداء الصلاة، وإطاعة أوامر الله دون تقوى، ومن التقوى ضبط النفس والسيطرة على الجوارح والامتناع عن الشهوات المباحة في أوقات الصيام فضلاً عن الشهوات غير المباحة طوال أيام السنة، فتقوى الإرادة، وتتجلّى العزيمة في أرقى معانيها طاعةً لله، لذا فإنّ الصيام هو العامل الأساس في ضبط الشهوة وكبح جماحها.
3. «منبر الداعيات»: نعيش في زمن يُعطي معظمُ أفراده الأولويةَ للماديّ على الروحي، وللمتغيّر على الثابت، وهذا يعني أن الأجيال القادمة ستنظر بعين الاستخفاف إلى كثير مما نعدّه الآن شيئاً عزيزاً وعظيماً؛ فما هو الحل؟
- يجب علينا أن نُحيي ليالي رمضان كما أحياها الرسول صلى الله عليه وسلّم، وأن ننتهج منهجه، ونطبِّق سُنّته، ولا نُغفل دور الأسرة والمجتمع والإعلام لأن على عاتقهم رسالة عظيمة تكمن في تعريف الأجيال القادمة بمفاهيم دينهم، وعقيدتهـــم الدينية الراســخة وحقوقـهم وواجباتهم، وأن نهتم بجيل الشباب الذين هم جيل المستقبل الذي تعوِّل عليه الأمة في البناء والإصلاح، وأن ندعوَهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نتبنّى الحوار الهادئ والنقاش الهادف مع الشباب من منطلق الحب، والأخذ بأيديهم والحنو عليهم والنزول إلى مستواهم ومصادقتهم والتودّد إليهم والتبسُّط معهم، والتواضع لا التكبر عليهم.
4. «منبر الداعيات»: يُعدّ شهر رمضان المبارك أفضل مناسبة للتغيير الاجتماعي كما التغيير الذاتي؛ هل من خطة لتفعيل آثاره في النفوس حتى تدوم طوال العام؟
- التكرار أفضل السبل لبرمجة النفس على العادة الجديدة التي يريد الفرد أن يتبناها، وأي عادة يمكن أن تتغير بشرط اتخاذ القرار السليم ووضعها موضع الفعل والتطبيق والاستمرار حتى يصل الإنسان إلى النجاح، كما أن الاستعانة بالصحبة الصالحة تُعينه على تغيير عادته. يقول العلماء: إن مدة 21 يوماً كفيلة بأن تغيّر أي عادة مهما كانت حتى عادة تدخين السجائر، ومن حكمة رب العالمين أن جعل رمضان 30 يوماً فرصة للتغيير حتى يقطع خط العودة إلى العادة القديمة، وهي خطة مباركة تبدأ أول شهر رمضان وتمتدّ بالمداومة عليها والتمسّك بها طوال العام.
كما يجب علينا أن نستثمر شهر رمضان في التغيير التربوي والأخلاقي والاجتماعي والصحي والثقافي بما يساهم في تحسين الأوضاع كافة ويحقِّق للأمة أهدافها من تقدم وازدهار ونصر؛ لذا يجب أن نكتب خطتنا في رمضان، ونرسم لها خريطة ذهنية حتى ترسخ في أذهاننا، وربما من الأجدى أن نعلِّقها في أماكن جلوسنا حتى يتسنى للعقل تشرُّبها، وللقلب امتصاصها، وللِّسان تكرارها عن ظَهر قلب، والتوجّه بالتنفيذ مع دخول وقت أول صلاة في شهر رمضان.
5. «منبر الداعيات»: ختاما،ً ما هي المزايا التي تجعل من رمضان شهر التغيير؟
رمضان فرصة من الله للتغيير الجذري; )إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(. فرمضان يساعد على:
أ- برمجة الإنسان لنفسه ذاتياً باتباع النمط الجديد بالتكرار والمداومة وإصلاح الذات، وضبط النفس، والسيطرة على الأقوال والأفعال.
ب- اتخاذ القرار الحاسم باستغلال شهر رمضان في التخلّص من العادات السيئة كالتدخين، والشَّرَه مثلاً.
ج- الإنجاز في شهر واحد لِكَمٍّ هائلٍ؛ حيث الاستكثار من العبادات والأعمال الصالحة.
هـ- زيادة الثقة بالنفس والإحساس بالنشاط والحيوية بعد كسر الروتين والتغلب على الفتور والملل، وشحن الطاقة البدنية والذهنية والعقلية والروحية.
و- التشجيع بالمكافأة والثواب والأجر العظيم من الله بأن يُدخل الجنة من صام رمضان إيماناً واحتساباً.
ز- التفاؤل بعدم التركيز على الأحداث السلبية، والأفكار الهدّامة، ويتفاءل الصائم بأنّ الله يتقبل عمله ويستجيب دعاءه، فتزداد صلته بربِّه فإنه سميع مجيب الدعاء، ودعوة الله لعدم اليأس من رحمته تعالى.
ح- الشكر: يشعر الصائم بالشكر والامتنان والعرفان لله عند فِطره، كما أشار رسول الله _: «للصائم فرحتان: فرحة عند فِطره وفرحة عند لقاء ربه» رواه البخاري.
ط - العطاء بأشكاله كافة: من زكاة وصدقة، والجود بما لدى الصائم من خير للفقراء والمساكين.
ي - إدارة الوقت والذات: بتنظيم الوقت، واكتساب المهارات المختلفة من تربية النفس، وبناء الذات، وتعويدها على العادات الإيجابية.
ك - تقوية الإيمان: بالإكثار من الذكر، والصلوات في أوقاتها، وأداء النوافل كالتراويح والتهجد، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، وزيارة المرضى.
ل. تقوية الإرادة والعزيمة: والعمل الصادق المستمر لبلوغ أعلى درجات الجنان.
م. علوّ الهمة: يولِّد في النفس الهمة العالية والعزم الأكيد على التوبة والبكاء والندم على ما كان.
س. الثبات بعد رمضان على العادات الجديدة لما يتمتع به الإنسان من سموّ الغاية، وعلوّ الهمة، ورُقِيّ النفس.
ع. تحقيق التوازن وإثراء النفس في جميع جوانب الحياة؛ كالجانب الروحي والاجتماعي والصحي والعقلي.
ف. تعلُّم الكثير من المهارات; مثل جهاد النفس، وكبح الشهوات، وتربية النفس على الفضائل، والتحلي بالأخلاق الكريمة، والتخلُّص من العادات السيئة، وتبنّي أنماط التفكير الإيجابي، والتخلص من الشُّح والبخل، والجُود بما لدى الفرد من خير كثير.
ص. الالتزام بأحكام وحرمة هذا الشهر الفضيل.
ق. الانضباط بمواقيت أداء صلاة الجماعة في المساجد، والنوافل، كالتراويح والتهجد.
وفي الختام أشكر أسرة تحرير مجلة منبر الداعيات على جهودهن المخلصة، جعله الله في ميزان حسناتهن جميعاً، وأسأل الله العليّ القدير أن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وأن يُعتق رقابنا من النار، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يختم بالصالحات أعمالنا، وأن يقضيَ بالخيرات آجالنا، آمين.
***
منبر الداعيات»:
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة