المرأة والنارجيلة: جرأة أم... ؟!
"رَيْتني تنباك معسّل... وتحرقيني بأركيلة... ومهما عندك أتوسل... عني الجمرة ما تشيلي... ومين قَلِّك من الحَرْق بْخاف... خَلِّي النَفَس ما يوقف... "!!!
هذه كلمات أغنية من (إفرازات ثقافة النارجيلة)... حقّقت رواجاً كبيراً دفعت بعض النقّاد والجمعيات والمؤسسات إلى النظر في كلماتها واعتبارها محرّضة على تدخين النارجيلة. وحديثنا ليس عنها وإنما عن ظاهرة شعبية متفشية ورائجة في مجتمعنا العربي على نحوٍ واسع سلّطت تلك الأغنية الضوء عليها؛ فمنظر تحلّق مجموعات النسوة أمهات ومراهقات وطالبات وموظفات حول النارجيلة في الجلسات العائلية وفي المطاعم الراقية والشعبية والمنتزهات لم يعد بالأمر المستهجن، فقد أضحت (النارجيلة) عادة ترسّخت دعائمها بين أوساط النساء بعد أن كانت حِكْراً على العنصر الذكوري.
20 سنة هي عمر تدخين الحاجّة سعاد للنارجيلة، ومع ذلك لم تأخذ قرارها بالإقلاع عنها إلا حينما رأت حفيدتها التي لا يتجاوز عمرها 3 سنوات تبصق بلغماً كثيفاً، ولا يفارقها السُّعال (وما أعزّ من الولد إلا ولد الولد) كما قالت.
أما رفيفة فرغم إصابتها بالسرطان نتيجة تعاطيها النارجيلة منذ وقت طويل إلا أنها لا تستطيع الإقلاع عنها وحُجّتها: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)!!
وجمال (أم لأربعة أطفال)؛ فتحدثت عن تجربتها قائلة: بدأت التدخين في سن مبكرة وخُفية عن أهلي.. الحمد لله لقد توقفتُ عن التدخين وأمنع عائلتي بشدة من مجرد إدخال النارجيلة إلى منزلنا ولا نقدّمها للضيوف، ولقد تضررتْ أسناني ولثتي بشدّة، ولكن أحمد الله أنّ الأضرار اقتصرت عند هذا الحدّ».
المخاطر الصحيةوحول المخاطر الصحية التي قد تتعرّض لها المرأة من جرّاء تدخينها للنارجيلة والآثار الناجمة عنها قالت الدكتورة زينة صدقي (خرّيجة كلية الطب والصيدلة من جامعة الحسن الثاني، ومستشارة في مكتب جمعية لمساندة مرضى الدم، وأمينة مال في صندوق للمتبرعين بالدم):
إن النارجيلة تؤثر سلباً على أكثر ما تحرص علـيه النساء عادة ألا وهو جـمالـهن، فـتصاب المدمنة بالشحوب وتعلو شفاهها الزُّرقة وتصفرّ أسنانها وتخطّ التجاعيد معالمها باكراً على مُحيّاها، وتُصاب أظافرها بالتقصّف والهشاشة، كما تضطرب دورتها الشهرية، وقد تُصاب بالعقم وتحرم من نعمة الأمومة أو على الأقلّ تقِلّ نسبة الإخصاب عندها، وقد تتفاجأ بقدوم سن اليأس مبكراً دون سابق إنذار... بالإضافة إلى مضاعفات التدخين المعروفة والخطيرة، التي تسبب أنواعاً مختلفة من السرطانات والأمراض التجلُّطية للقلب والشرايين.
كما أنّ إدمانها يؤثِّر سلباً على من حولها بدءً بأغلى مخلوق لديها: جنينها؛ حيث يتأثر بسموم هذه النارجيلة التي قد تتسبب بإجهاضه أو ولادته قبل الأوان، أو تأخر نموه داخل الرحم، أو إصابته بتشوهات خِلْقية، كما قد يتعرض مولودها في أية لحظة لموت الفجأة; وإذا كتب الله له الحياة فسيكون أكثر عُرضة للإصابة بمختلف أمراض الجهاز التنفسي.. ومن ناحية أخرى أثبتت الدّراسات أن دخان النارجيلة قد يعرّض المتلقّين للمضاعفات نفسها التي يتعرّض لها المدخنون.
أما بخصوص المواد التي يشتمل عليها التنباك، وما يُعرف بالمعسّل، وما يوضع في لفائف السجائر، قالت: أهمّها: النيكوتين الذي يسبِّب الإدمان لدى المدخنين، وأحادي أكسيد الكربون، والمواد المهيِّجة، ثم المواد المسبِّبة للسرطان وعلى رأسها القطران. بالإضافة لكل هذه المكوِّنات. يحتوي المعسل المصنوع من التبغ والعسل ونكهات الفواكه التي قد تخفِّف من حدّة السُّعال فتعطي انطباعاً خاطئاً للمدخِّن أنْ لا خطر من تدخينه للنارجيلة، على كميات كبيرة من المعادن الثقيلة المضِرّة بصحة الإنسان كالكوبالت والنَّيكل وغيرها، ويعتبر تركيز أحادي أكسيد الكربون أقوى عند تدخين النارجيلة، والكل يعرف أنه يتسبب في تسمم الجسم ونقص الأوكسجين في الأنسجة، كما تدخل في محتوى المعسّل مواد كيماوية أخرى، منها - على سبيل المثال لا الحصر - بعض مبيدات الحشرات....
أبو مصطفى عنده من الأولاد خمسة وهو مدخن «عريق» كما يصف نفسه، ولكنه لا يحب تدخين النارجيلة لأنه يعتبر السيجارة عملية أكثر، ولقد أبدى انزعاجه كون بناته من مدخنات النارجيلة وبدأن تعاطيها مبكراً تأسيّاً بأمهن وخالاتهن، ولكنه يعتبر أن تدخين بناته النارجيلة أمامه أفضل من فعله من وراء ظهره!
أم عثمان (أم لطفلة وهي حامل) تحدثت عن معاناتها مع زوجها المدمن على تدخين النارجيلة: «أنا لدي حساسيّة من رائحتها لذا لا أستطيع أن أمضي وقتاً طويلاً معه، كما أنها تحدّ من زياراتنا لأنه لا يحبّ زيارة الأشخاص الذين لا يقدمونها له، وحتى أنه لا يحب تدخينها مع أيٍّ كان. وإن كان لا بدّ من القيام ببعض الزيارات الضرورية فلا بدّ من أن تكون قصيرة ليتسنى له تدخينها في مكان آخر».
النارجيلة وآثارها على الأسرة والمجتمعإن ازدياد تدخين المرأة للنارجيلة أصبح ظاهرة لها أبعاد اجتماعية خطيرة... ولمعرفة انعكاسات وأخطار انتشار هذه الظاهرة على أسرنا ومجتمعنا بشكل عام، كان لنا الحوار التالي مع المتخصصة في الإرشاد الصحي والاجتماعي ناهد إبراهيم حيث بيّنت لنا أسباب انتشار ظاهرة تعاطي النارجيلة:
أبرز العوامل التي تشجِّع النساء على تدخين النارجيلة: الجهل بأضرار تدخينها واعتبارها أخف ضرراً من السيجارة، الإعلام الذي يصوّر الأمر وكأنه عادة جميلة وموضة جديدة، الصاحبات وكثرة أوقات الفراغ، الرغبة بالتقليد الأعمى ولفت نظر الشبان، إضافة إلى الهرب من المشاكل العائلية ومشاعر القلق والضغوط الاجتماعية.
وطالما أنه ليس هناك أي قانون يمنع التدخين في الأماكن العامة، فضلاً عن التسهيلات المقدمة من المقاهي والمطاعم وتوفير خدمة توصيلها إلى المنازل، ووجودها على نكهات محبّبة، وغياب سلطة الأهل وعدم الخوف من تدخينها علناً... كل ذلك زاد من إقبال الشباب عليها.
أما عن آثار التدخين على العلاقات الأسرية؛ فإنه يؤدي إلى نفور بين الزوجين كما يؤدي إلى تفكك العلاقات، وبالنسبة لتأثيرها على الأبناء ذكوراً وإناثاُ فحدّث ولا حرج؛ فهي ستدفعهم إلى تقليد أهلهم، كما أن إدمانها يَحرِم أفراد الأسرة فرصة الاجتماع في جلسات مفيدة.
وعليه، فإن للأم الدور الأكبر في مكافحة هذه الظاهرة; إذ يجب أن تكون أولاً خير قدوة بأن لا تدخن ولا تسمح بوجود هذه الآفة في منزلها، ولو من أجل الضيوف. وعليها الجهد الأكبر أيضاً في تربية أولادها على أنماط سلوكية وعادات صحية تحمي عافيتهم، وتنبيههم إلى حرمة هذه العادة، وتبيان أضرارها الجسدية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية... إضافة إلى ربط الأبناء بأنشطة جادة هادفة لملء أوقات فراغهم بكل ما هو مفيد، وتذكيرهم بأهمية اختيار الرفيق الصالح وجميل أثره.
تالا عمرها 17 سنة وتحب تدخين النارجيلة كثيراً... لم تجد ممانعة من أهلها كون عائلتها بأغلبها مدخنة، ولكنّ خطاً أحمر كان يفصلها عن تدخين النارجيلة علناً أمام جدّها.. فانكسر هذا الحاجز يوم ذهبوا إلى أحد المقاهي; تقول تالا: «لا يعقل أن أجلس والجميع يدخن النارجيلة من حولي! كان لا بدّ من خطوة أولى تهدم الحاجز، فتناولتها من يد أمي بشكل طبيعي ولم يقل جديّ شيء، ومرّ الموقف بسلام»!
ندى زهوي عزَت أسباب تدخينها النارجيلة لطرد الملل وللتسلية وتمضية الوقت، كما أن انتشار هذه الظاهرة وجَمْعة الأهل والأصحاب شجعتها على تجربتها. وبيّنتْ أن أهلها لا يُعارضون تدخينها، ولو وجدت من البداية معارضة لما أقدمت على هذا الفعل.
الأبعاد النفسيةمن الناحية النفسية لفتت المتخصصة في علم النفس آيات فتح الله إلى الأبعاد النفسية لهذه الظاهرة؛ فقالت:
تعتبر الفتاة التي تُقدم على التدخين - سواء النارجيلة أو السيجارة - من الشخصيات العُصابيّة. ومنذ البداية تُقْدِم الفتاة على تدخين النارجيلة نتيجة مجموعة من الضغوط البيئية التي لا تستطيع مواجهتها والتخلّص منها إلا عن طريق سلوك معين يريحها. وهذا النوع من الشخصيات يعبّر عن عدم قدرة الفتاة على التوافق مع محيطها إلاّ بطريقة غير سوية في الحياة العامة، فضلاً عن اتصافها بعدم الثبات (الاتزان الانفعالي). وبالنسبة للفتاة فإن تركيبتها العصبية والبيولوجية تختلف إلى حد كبير عن تركيبة الشاب، وبالتالي فإن التأثيرات والتكوينات النفسية ستكون بطبيعة الحال مختلفة. فالدورة الشهرية للفتاة تزيد من توترها ومن درجة غضبها وعصبيّتها، هذا في الحالة الطبيعية، ولو تدخّلت هنا عوامل التدخين سواء النارجيلة أو السيجارة فهذا يزيد من قلقها وتوترها وعصبيتها ويقلّل إلى حد كبير من قدرتها على تحمّل الضغوط، وتنعدم لديها القدرة على تقييم الأمور بطريقة واعية فضلاً عن زيادة الشعور بالذنب لديها; حيث إن التدخين يؤثّر سلباً على نشاطها العصبي.
وعن الآثار النفسية الناجمة عن تدخين النارجيلة، أجابت: بالرغم من أن تدخين النارجيلة يـــؤدي إلـــى عمليات الإشباع الفسيولوجي والنفسي التي يسعى إليها الفرد، لكنها تؤدي تدريجياً إلى: التوتر والقلق لدى الفرد، وبالتالي عدم القدرة على اتخاذ القرارات وإصدار السلوكيات المناسبة; وهذا بالنسبة للفرد، فما بالنا بالنسبة للعائلة ككل؟ فإن انعكاسات ذلك تصبح تردداتها على أفراد الأسرة عامة وتزداد مشاكلها بداية بين الزوجين ثم تنعكس بعد ذلك على الأبناء من حيث: عدم إيجاد وقت خاص لمناقشة شؤون الأبناء وكذلك الأمور الزوجية - الشعور بعدم الثقة بالطرف الآخر - إهمال الواجبات المنزلية - اهتزاز صورة الأهل في نظر أبنائهم من حيث السلوك السويّ واللاسويّ. إنّ هذه الآثار السلبية وغيرها لا تعدّ أساساً فعّالاً لبناء أجيال واعية لأنّ السلوكيات غير السوية تؤدي إلى تشكيل شخصية غير سوية والعكس صحيح.
ماذا عن رأي الجنس الآخر؟ولدى محاولتنا معرفة رأي الشباب بالفتاة التي تدخن النارجيلة اعتبر نادر الأبيض (سنة ثالثة هندسة كيمياء - جامعة البلمند) أن تدخين الفتاة للنارجيلة وقاحة. أما عيسى الغاوي (إدارة أعمال) فرغم اعترافه ببُغضه للنارجيلة إلا أنه لا يجد حرجاً من التقدّم لفتاة تدخنها في حال أعجبته ورأى فيها المواصفات التي يرغب بها، وأكّد أنه في المستقبل سيجعلها تتخلص من هذه العادة السيئة. في حين اعتبر مصطفى حموي (مبرمج ومطوِّر كمبيوتر) أن هذه العادة مقرفة وليست من أخلاق الفتيات!
نظرة دعويةوعلّقت الداعية روعة النابلسي (دراسات إسلامية وعاملة في الحقل الدعوي) على هذه الظاهرة قائلة:
تعود ظاهرة تدخين هذا السُّم بين الفتيات إلى سببين:
- الأول: ضَعـف الـتديُّن الشخصي عند الفتاة المسلمة وفصلها بين الوقوع في المعصية والتقليد الجارف للهوية الذاتية.
- والثاني: انعدام الحياء باعتباره فضيلة وقيمة أصيلة في خُلُق الفتيات حيث استبدلت به فتيات اليوم جرأة مخيفة وصلت حد الوقاحة واستسهال الوقوع في الحرام.
فلكل أمّ نقول: اتقي الله في الأمانة التي بين يديكِ، وكذلك لكل أب نقول: اتقِ الله في اللواتي جعلك الله قوّاماً عليهن، ومارس دورك كاملاً، فلا ترضَ برؤية زوجتك وبنتك وابنك يُهلكون أنفسهم ثم تقف متفرجاً! ساعد ابنتك على التحلّي بالتقوى وبالحياء والخَفَر وبالاحترام والأدب في حضورك وغيابك، وباشر أنت بالإقلاع فوراً عن هذه المعصية وسيلحقك أهلك بإذن الله.
ويا أيتها الفتاة الحَييّة الطيبة؛ فليكن حديث نبيّك صلى الله عليه وسلم: «الـحياء كلّه خير» وقــوله صلى الله عليه وسلم: «الحياء شُعبة من الإيمان»، و«الحــياء لا يـــأتي إلا بخير» شعارك في الحياة، وارفعي مستوى أجهزة الإنذار التحسّسي لديك لكل ما يمكن أن يخدش حياءك ومظهرك، لأن شهق الدخان السامّ ثم زفره وطريقة تعاطي النارجيلة تُسيء إلى مظهرك أيّما إساءة، وإنّ الناظر إليكِ وأنت مُغلّفة بأدخنة صاعدة وتلوّث ضبابي ورائحة مثيرة للغثيان يرى فيكِ صورة بشعة لفتاة ندية عطرة مثلك، ولو شئتِ صوّري نفسك بالجوال وشاهدي نفسكِ، ولن تصدقي!! كما أن مشهد الفتاة وهي تدخّن يخدش الحجاب وآدابه وضوابطه.
ونختم بما تفضلّت به الدكتورة زينة صدقي: «تعاطي التدخين بواسطة النارجيلة يشكّل آفة خطيرة، يستغل تجّارها المفاهيم المغلوطة بشأن أمانها وانعدام أضرارها ليروِّجوا لها ويزرعوها في صفوف شبابنا وفتياتنا.
وأمتنا الإسلامية في أَمسِّ الحاجة لشبابها; فهم ركيزتها وبناة مستقبلها.. والمسلم القويّ خير من المسلم الضعيف، بل إن ديننا الحنيف يحثّ على الحفاظ على النفس: (لا تقْتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً)، (ويُحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث).
أخيراً، أظن أن هذه المجلةَ خيرُ منبر يمكن بواسطته توعية أولياء الفتيات بخطورة الإدمان على النارجيلة، وبالتالي يكون الانتباه لبناتهم والحرص على تنبيههن أكبر».
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن