دور الإعلام في الثورة.. في حوار مع إعلامي مصري
بطاقة تعريفية:
الأستاذ داود حسن: صحفي ومخرج أفلام وثائقية مستقل، عمل في قناة الجزيرة منتجاً في غرفة الأخبار وكان من مؤسسي موقع الجزيرة نت عام 2000, وعمل فيها حتى عام 2008. كما عمل في صحف «الحياة اللندنية» من القاهرة و«العالـم اليــوم» و«Cairo Times » و«السياسي المصري» وشارك بكتابات في صحيفة «القدس العربي». له أكثر من ١٢ فيلماً وثائقياً منها: "تسونامي على ضفاف الخليج" عن العمال الأجانب في الخليج، و«أمازيغ مصر». ولديه حالياً شركة إنتاج متخصصة في إنتاج الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية بالقاهرة. أثبتت الثورات التي قامت في بعض البلدان بأنّ سلاح الإعلام أكثر فتكاً من أي سلاح، وقوّته تفوق قوة أكبر الجيوش، فنَقْل صور الاحتجاجات وخاصة صور ضحايا القمع والتقتيل ووقائع المجازر التي تم عرضها عبر الفضائيات أسهم بشكل كبير في إسقاط أنظمة الاستبداد في تونس ومصر وتحريك المجتمع الدولي.
كيف عاش الإعلام تلك التجربة الفريدة؟ منبر الداعيات التقت الإعلامي المصري المستقل داود حسن الذي غطى أخبارياً تلك الثورة من القاهرة، وكان لنا معه هذا اللقاء:
1. منبر الداعيات: ما أبرز ما استوقفك في هذه الثورة؟
في الحقيقة تعتبر ثورة الخامس والعشرين من يناير ثورة مختلفة بكل المقاييس عن ثورات العالم كله؛ فلم تكن ثورة ضد رئيس مستبد، أو ضد رموز للفساد فحسب، إنما كانت ثورة على نظام متعدد الأوجه اختلط فيه السياسي بالأخلاقي بالاقتصادي، حتى السلوك البشري نفسه، لقد كانت الثورة إيذاناً بميلاد مصري جديد في كل المجالات؛ فلأول مرة في التاريخ المصري الحديث والمعاصر وربما في التاريخ المصري كله، تخرج ثورة بدون برنامج وبدون قائد من رحم الضياع، ضياع عدة أجيال، لم يرَوْا لهم حاضراً أو مستقبلاً، فالبطالة متفشية، والتعليم في أسوأ أحواله، والحالة السياسية تعاني الجمود والتشرذم، ومنافذ التغيير السلمي كافة مغلقة على حفنة من الفاسدين، والمجتمع تقطعه أمراض الفقر والعوز والفتن الطائفية والجريمة، والفساد وصل إلى الحلقوم، وضرب مفاصل الدولة كافة، ولم يكن أمام الناس ملجأ إلا ترك البلد والمغامرة بالهروب في مراكب الموت إلى أوروبا، أو الاستسلام للوضع السائد وانتظار الموت، والإصابة بحالة من البلادة الفكرية وفقدان الأمل في أي شيء، لا بديل غير ذلك. فجاءت الثورة وكأنها البلسم الذي أزاح عن صدور المصريين أدران الحياة...
2. منبر الداعيات: كيف يوازن الصحفي بين مبادئه وقناعاته التي يؤمن بها أثناء تغطيته للحدث وبين الموضوعية والحيادية التي يتطلبها العمل الصحفي؟
الصحفي في الأصل إنسان، يؤمن بمبادئ وقيم وله موقف سياسي وإنساني، وأعتقد أنه من الصعوبة أن ينجح الصحفي في أن يكون محايداً، ويفصل ما بين موقفه الإنساني والسياسي ومبادئ مهنته التي تتطلب منه أن يكون بين طرفي نقيض. فمثلاً خلال تغطيتي للثورة، كان موقفي الصحفي يحتم عليّ أن أكون متجرداً من موقفي السياسي، لكن في قرارة نفسي كنت منحازاً للثورة، وكنت أود لو أستطيع حمل السلاح وأكون فــــــي الصــــف الأول بين الشهداء، لكن طبيعة العمل اضطرتني أن أكون في أماكن محددة في أوقات محددة لأتمكن من القيام بمهمتي التي كنت أعتبرها من أسلحة الثورة.
لقد كان ضميري المهني مستريحاً وأنا أنقل ما يجري بكل صدق، لكن المشاعر والأحاسيس خلال العمل الصحفي لا يستطيع الإنسان أن يتجرد منها وهو يمارس عمله الذي هو مساهمة بسيطة في نجاح الثورة.
3. منبر الداعيات: ما تقويمكم لتغطية التلفزيون الرسمي بمصر للثورة؟
كانت تغطية التلفزيون الرسمي المصري للثورة بائسةً للغاية، فقد أظهرت الثوار على أنهم مجموعة من الخارجين على القانون؛ فأُطلقَ عليهم اسم الفئة المندسّة ووُصفوا بألفاظ سيئة للغاية، ويمكن القول: كانت هناك مرحلتان للتغطية؛ الأولى قبل إقالة وزير الإعلام أنس الفقي وتحويله للقضاء وسجنه بتهم فساد، والثانية بعد نجاح الثورة وإقالة النظام. في المرحلة الثانية لم يختلف التلفزيون المصري الرسمي عن الجزيرة في تغطيته للأحداث وتسمية الأشياء بمسمياتها والاعتراف بالثورة والحديث عن فساد النظام السابق، وكذلك استضافة أقطاب المعارضة من قيادات من الإخوان المسلمين والشخصيات المستقلة المعارضة، وكذلك الاعتذار عن جرائم النظام السابق.
4. منبر الداعيات: ما الإضافات التي أضافتها الثورة للإعلام العربي؟
في الحقيقة، الثورة أضافت الكثير للإعلام العربي؛ فقد أطلقت المزيد من الحريات والحراك السياسي المطالب بالتغيير، ويمكن القول: إن الطرفين استفادا من بعضهما البعض، الثورة استفادت من تطور وسائل الإعلام في توسيع رقعتها جغرافيّاً وعددياً، والإعلام اكتشف موضوعاً جديداً جديراً بالبحث والتناول الإعلامي. كذلك قضت الثورة - من ضمن ما قضت عليه - على جانب كبير من الإعلام الهابط، ظهر ذلك في برامج (التوك شو) وأغاني (الفيديو كليب) على سبيل المثال.
***
ولا يبقى لنا في الختام سوى التأكيد على أن نُقلات التغيير الاجتماعي تتسلَّم دوماً بقوة الإعلام التي أصبحت اليوم السلاح الجماهيري الفعّال، الذي تَفُوق أفتك أنواع الأسلحة، شاكرين لضيفنا الصحفي داود حسن تلبيته دعوتنا على صفحات منبر الداعيات لإجراء هذا الحوار.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة