مقابلة مع الداعية البريطاني المهتدي عبد الله الأندلسي
لطالما كان الإسلام منارة الحق والنور للباحثين عن الحقيقة والهدى، يجدون ما يصبون إليه من راحة الروح وسلامة الفطرة، فإذا ما اتخذوه منهجاً وحياةً عملوا على نشر خيره وانطلقوا دعاة في مشارق الأرض ومغاربها....
ضيفنا في هذا العدد الداعية المهتدي: عبد الله الأندلسي (فيليب سانتوس سابقاً):
• هو داعية بريطاني وناشط إسلامي عالمي من جذور برتغالية.
• اعتنق الإسلام وهو في سن الرابعة عشرة بعد أن تعرف عليه وهو في العاشرة من عمره.
• تفرغ الداعية الأندلسي لدراسة الإسلام في العمق من لحظة اعتناقه له ولم ينقطع يوماً عن تحصيل علومه، وهو يتمتع بخبرة معتبرة بالعمل مع المجتمع المسلم داخل بريطانيا وخارجها، ولديه أبحاث وكتابات ومحاضرات ومناظرات حول النهضة الإسلامية واللاهوت والفلسفة والعلوم العصرية والفلسفة وعلم النفس والأنثروبولوجيا أي علم الإنسان والفلسفة السياسية.
• في العام 2009 شارك الداعية الأندلسي في تأسيس منتدى «مبادرة الحوار الإسلامية»، المتخصص بالحوار المفتوح والمناظرات النقدية مع المفكرين والأكاديميين والسياسيين وذوي المشارب المختلفة الأخرى.
فإلى الحوار:
1. «منبر الداعيات»: ما نمط التربية التي تلقيتها عند أهلك في بُعدها الديني؟
لقد نشأت في عائلة علمانيّة التوجّه، فلم أتلقَّ من والديَّ تربية دينية حقيقية، ولم يتجاوز فهمي الديني إلا المعاني العامة لمصطلحات الجنة والنار، والخطيئة والإله والشيطان. وكان معظم تحصيلي الديني من مدرستي الأنجليكانية، ومن الكتب والبرامج التلفزيونية التعليمية.
2. «منبر الداعيات»: إلى أيِّ مدى تؤدي القراءة دورها في إزالة الشبهات وإبعاد المرء عن سبل الغواية والضلال؟ وكيف نجعل القراءة أساسية في حياة الشباب المسلم؟
كان والداي من الطبقة العاملة، ولم يكن لهما اهتمام كافٍ أو مقدرة على شراء الكتب الجديدة. ولكنني كنت أحصل أحياناً على بعض الكتب بأسعار زهيدة وأقرأها، وعلى مرّ السنين، فإن المعلومات الوفيرة في هذه الكتب أطلقت العنان لفُضُوليَّتي للتعرف على أشياء كثيرة، وهي عزّزت لدي الرغبة في قراءة المزيد.
إن القراءة مهمة جداً، كونها تتيح لنا الوصول عموماً إلى الكثير من المعلومات الصحيحة، وأحياناً الدقيقة، التي تكشف لنا الكثير من المفاهيم الخاطئة التي يؤمن بها سواد البشر. ولكي تجعل طفلك يقبل على القراءة ضعه في غرفة مليئة بالكتب، وذلك لإثارة الفضول لديه للتعرف عليها.
3. «منبر الداعيات»: كيف كانت ردّة فعل أهلك وأصدقائك بعد إعلان إسلامك؟ وكيف تعاطيت مع هذا التحدّي؟ وهل كانت لديهم محاولات لثنيك عمّا أقدمت عليه؟
لم يكن لوالديّ أية ردة فعل تذكر لدى تصريحي لهما باعتناقي للإسلام. فأمي كانت تعتقد، بسبب صغر سني حينئذ (14 سنة)، أن قناعاتي مؤقتة وسرعان ما ستتغيّر، أما أبي فكان علمانياً فأقلقه إمكانية تحولي إلى متطرف أو إرهابي. ولكنهما عندما رأياني أصبحت أكثر صلاحاً واحتراماً بدأا يتقبلاني ويناقشاني للتعرف العملي إلى الإسلام.
4. «منبر الداعيات»: هل عملت على دعوة والدَيْك للإسلام؟ وكيف كان موقفهما؟
حاولت أن أدعو والديّ إلى الإسلام، ولكني وجدت ذلك صعباً، على الرغم من قناعة والدتي أن عيسى عليه السلام ليس إلهاً. والملفت أن عامة المسيحيين الكاثوليك لا يؤمنون بأن يسوع عليه السلام هو الله، أو حتى أن الله جزء من عقيدة التثليث. لكنهم في المقابل يعتقدون أن يسوع هو رجل استثنائي، وأن لقب ابن الله إنما هو مجرد وصف معنوي.
أما أبي فقد كان من الناشطين العلمانيين. وكان يعتقد بعدم تقبّل أي دين له لشدة شعوره بالذنب من كثرة آثامه السابقة، إضافة إلى خوفه عليّ من التطرف. لكن، والحمد لله، إن أبي وأمي أصبحا مسلمين بالاسم وبالصلاة حالياً، وسأسعى إلى اكتمال تحولهما إلى الإسلام.
5. «منبر الداعيات»: ما أبرز ما أثّر فيك في الإسلام؟ ومن له الأثر الأكبر على قرارك المصيري؟
المفهوم الأساسي الذي تأثرت به في الإسلام كان المفهوم المبسّط والمباشر لمعنى الإله، واعتبار أن الهدف من حياتنا يدور حوله، وأن الله يهدينا بالقوانين التي يرسلها إلينا عبر الرسل الكرام.
ولكن مفهوم الحجاب بالإسلام كان بالتأكيد السبب المباشر لاعتناقي للإسلام والمضي قدماً لمعرفة المزيد عنه.
6. «منبر الداعيات»: يتعرض المسلم لفتن كثيرة، تبث شبهاتها وسائل الإعلام... المناهج التربوية... أنظمة الحكم الفاسدة...؛ كيف يتعامل المسلمون وشبابهم خاصة مع هذه التحديات؟
يواجه المسلمون تحديات كبيرة لأن التأثيرات الغربية المباشرة في مجتمعهم بدأت منذ أكثر من 100 عام، وقد صُمّمت كي تؤثر بطريقة فعّالة على نفسية المتلقي، ولاحقاً تم تعزيزها من قبل المجتمع نفسه من خلال تكرار مفرداتها الأيديولوجية في الأماكن العامة.
يجب أن يكون فهم الإسلام سليماً في أذهان المسلمين، وأن يعرفوا لماذا هم مسلمون، وماذا يعني الإسلام، ولماذا هو الأمثل بين جميع الأديان؟ وفي الوقت عينه، عليهم أن يشنوا هجوماً سلمياً معاكساً وعلنياً ضد الفكر أو الثقافة الغربية، وأن ينشروا الثقافة الإسلامية الحقّة لدى الأجيال الصاعدة جنباً إلى جنب مع العلوم الدنيوية. ويجب علينا مواجهة وسائل الإعلام المروّجة للثقافة الغربية بابتكار أفكارنا الإسلامية الخاصة، بأساليب تقنية معاصرة من فيديو وصور وصوتيات وإنترنت بغية توصيل رسالة الإسلام للآخرين. وحين نقوم بنقد إحدى المشاكل التي نعاني منها باعتبارنا مسلمين، علينا توضيح أن الإسلام لديه القدرة على إيجاد الحلول لها، وحينئذ فقط يمكننا قيادة مجتمعاتنا من الظلمات إلى النور.
7. «منبر الداعيات»: من خلال تجربتك (عندما اعتنقت الإسلام) ما هي النصائح والإرشادات التي باستطاعتك تقديمها للمهتدين الجُدُد للوقوف والثبات أمام صدّ الأهل – أو البيئة – وسخطهم، مع العمل على طاعتهم وكسب رضاهم؟ وماذا تقول للأهل أيضاً؟
إن الإسلام يأمر الأبناء بالطاعة لأهاليهم، ما لم يأمروهم بما لا يرضي الله. وإن المهتدي الجديد للإسلام سوف يواجهه أهله بعراقيل ومصاعب وعدم تفهّم لفكرة تحوله للإسلام. لكن أفضل الطرق لتخطي تلك العقبات هي أن يبرهن لهم أن أخلاقه وسلوكه قد تحسنا عن ذي قبل، وأن يوصل رسالة الإسلام إليهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبشكل غير مباشر، وأن يأتيَ الشيء متأخراً لهو أفضل من أن لا يأتي أبداً.
وأنصح أهالي المسلمين الجدد أن يجلسوا مع أبنائهم ويحاوروهم، وذلك باعتماد الحجج المنطقية واللاعاطفية بالحوار، بعيداً عن أسلوب التقليد الأعمى لما توارثوه.
وأيضاً أنصحهم بإعطاء فرصة لأبنائهم ليعبروا عن أفكارهم، ولا يدمروا علاقتهم بهم لاختيارهم ما يرضي ضمائرهم.
8. «منبر الداعيات»: ما سرّ سرعة استجابة المسلم الجديد لأوامر الإسلام ونواهيه، ما لا نلمسه عند بعض المسلمين أنفسهم الذين ولدوا من أبوين مسلمين وتربوا على الإسلام؟
يُقال: «إن من يتعب ويجهد في الحصول على شيء ما سوف يقدّره ويحافظ عليه أكثر ممن يحصل عليه مجاناً». إن المهتدى الجديد يفهم الإسلام على أنه هدف وخط سير وأسلوب حياة، وأما مَن يولد مسلماً فينظر إلى دينه على أنه جزء من حياته وواقعه وهويته وثقافته، لا أسلوب حياة وخط سير باتجاه هدف، ولذلك يتعين علينا تشجيع هذا الأخير على التعرف إلى الإسلام الحق واعتناقه مجدداً لكن كهدف للحياة وليس كنكهة خارجية.
9. «منبر الداعيات»: اهتمامكم بما يجري في العالم الإسلامي يبدو جلياً؛ كيف نعمّق اهتمام الشباب بحال الأمة؟ وكيف نزيد من تفاعلهم ووعيهم بما يجري حولهم وما يحاك لهم وللمسلمين عامّة في الخفاء والعلن؟
بداية الطريق أن يتعلم المسلم التفكير بطريقة صحيحة، ولذا عليه أن يسائل نفسه حول كل ما يعرف من أمور، وهل يعرفها بالشكل الصحيح؟ لماذا تحدث الأشياء؟ وما أسباب حدوثها؟ ولماذا يختلف بعضها عن البعض الآخر؟
بهذا النهج، يتأصّل الإسلام في نفوس المسلمين. فإن كان أحدنا لا يملك القدرة على الفهم السايكولوجي والفكري - وليس الروحاني الغامض- لمعاني الإيمان والكفر والتقوى، فكيف يمكنه التبشير ببعضها وانتقاد بعضها الآخر؟
لذا، علينا باعتبارنا مسلمين توسيع نطاق تفكيرنا ودراسة الإسلام جنباً إلى جنب مع غيره من العلوم (مثل الهندسة، والفيزياء، والبيولوجيا...). عندها فقط نعي الواقع والهدف ونستطيع التغيير.
10. «منبر الداعيات»: برأيك، ماذا يُريد الغرب من الإسلام؟ ولماذا يحاربه بمختلف الوسائل؟
إن الغرب يحارب الإسلام ويخشاه ليس فقط لأنه المنافس الأوحد لحضارته، وإنما لأنه دحضٌ حيّ لقيمة أساسية يؤمن بها الغرب، ألا وهي تبجيل الفرد ورفعه فوق أي شيء، في حين أن الإسلام يرى أن الله تعالى هو الموجود الحقيقي والأوحد، الذي له الملك والحكم، وهو على كل شيء قدير. ولذلك نرى حتمية محاربة الغرب لنا.
وفي المقابل يعلم الغرب علم اليقين أنه عاجز عن القضاء على مصادر الإسلام، القرآن والسنة، أو المسلمين لكثرة عددهم، لذا فهو يهاجمه بشكل غير مباشر، ليعيد صياغة فهم المسلمين للإسلام على طريقته، فيصبحون فكرياً أسرى الروحانيات الصرفة التي لا يمكن تطبيقها على الساحة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي ليس لها أي تأثير يذكر على حياة البشر؛ وهذا عن طريق أداتهم البغيضة: العلمانية. فكون الإسلام عصيّاً على الارتشاء والمساومات والتسويات في مقابل مكاسب دنيوية مادية، وكونه حضارة قائمة وأمة ذات مبادئ وتتمتع بشريعة منظمة لكل أمور الحياة والمجتمعات، فإنها يوماً ما ستمنع الهيمنة الغربية على العالم والجور الاجتماعي المكرّس في قوانين حكومات الدول العلمانية.
11. «منبر الداعيات»: بماذا تنصح المسلمين في مخاطبتهم للغرب وتعاملهم معه؟
إن معظم الشعوب الغربية لا تدري أنّ حكوماتها تتعمد التشهير أمامهم بالمسلمين والإسلام، وتقنعهم بأن المسلمين همجيون وأنهم الأعداء الحقيقيون للإنسانية. وفي الوقت عينه يُفهِمونهم بأن المسلمين «المعتدلين»، أي العلمانيين منهم والليبراليين والمتهاونين بدينهم، هم الصالحون والصائبو التوجه، الممكن التعامل معهم. لذا فأفضل وسيلة لتعرفهم بالإسلام هي إصلاح الصورة عنه في أذهانهم وإثبات شموليته وصفائه وتحضّره.
وإنني أشدّد على مبادرة المسلمين إلى إعلام المواطن الغربي بصلاحية الشريعة الإسلامية في إصلاح ما هدمه الغرب.
وتبقى المعضلة الأهم هي حمل شعوب تلك الدول على الولاء الحقيقي للإسلام.
* * *
في ختام الحوار نشكر ضيفنا على هذا الحوار القيّم سائلين المولى أن ينفع به ويسدد خطاه.. اللهم آمين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة