كاتب صحفي ومحلل سياسي يعيش في لندن. حائز على دبلوم الدراسات العليا في الإعلام من جامعة باريس. عمل محرراً في جريدة النهار من 1974-1979، ثم انتقل إلى جريدة الحياة منذ إعادة صدورها من لندن 1988، ثم عمل مديرا لتحريرها ونائباً لرئيس التحرير. له أبحاث جامعية متخصصة في تحليل أوضاع الصحافة العربية
الصليبيون الجدد يسعون لإسقاط حلب وإخماد الثورة
أكثر من مرّة تعرّضت حلب خلال خمسة آلاف عام من وجودها للتدمير، غُزيت وارتُكبت مذابح عديدة ضد أهلها على أيدي حضارات قديمة متوالية، من الحيثيين في القرن الـ16 قبل الميلاد إلى المغول في القرن الـ11 الميلادي وصولاً للمغول الجدد (عصابات النظام السوري الحالي وميليشيات إيران) مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، الحالي، من تاريخ البشرية، تفاعلت مع كل الغزاة، قاتلت مَن أساؤوا معاملتها وتعايشت مع مَن جاؤوا بتراث حضاري، تأثرت بهم وأثّرت فيهم، وقد زالوا جميعاً وبقيت مدينة قادرة على الانبعاث والتفوّق. ورغم تنوّع تجاربها، وتعدّد الديانات والأقوام التي تعاقبت على ترك آثار فيها، بدت حلب كأنها عرفت مع الفتح الإسلامي أولى حقب استقرارها وتبلور هويتها، حتى أنها استطاعت صدّ الصليبيين ومنعهم من احتلالها، لكن «الصليبيين» الجدد يسعون الآن إلى غزوها وإسقاطها، لإخماد ثورة الشعب السوري ضد نظام استمر استبداده لأربع عقود ونيّف.
منذ بداية هذه الثورة كانت حلب قبلة أنظار النظام والثوار على السواء، فحيثما تميل ترجّح الكفّة؛ لأنها كبرى المدن السورية، وبعدها تأتي حمص. راهن النظام على جملة عناصر، منها ارتباطه مع الأقليات العرقية والدينية في المدينة، وبالأخص على كونها مركز ثقل الاقتصاد وعدم انزلاق أرباب العمل إلى التعاطف مع الثورة؛ لذلك تأخرت نحو العام قبل أن تحسم أمرها، وما أن فعلت منتصف 2012 حتى صار النظام يتحسّس خطراً حقيقياً على وجوده، وكانت الثورة قد تعسكرت، ومع وجود «الجيش الحرّ» أمكن طرد قوات النظام من معظم المدينة والاستعداد للزحف نحو دمشق، وكانت تلك المرّة الأولى التي صار فيها «إسقاط النظام» هدفاً ممكناً، لكنها المرّة الأولى أيضاً التي يختبر فيها الشعب السوري حجب الدعم والذخائر عن «الجيش الحرّ»، فضلاً عن اختباره انعدام الإرادة الدولية، وتحديداً الأميركية، للتخلّص من نظام يمارس الإجرام العاري ضد شعبه، رغم أنه كان قد مضى أكثر من عام آنذاك على أول تصريح لباراك أوباما يدعو فيه بشار الأسد إلى التنحّي.
فشل نظام الأسد في استعادة حلب فاستقدم الإيرانيين، الذين استقدموا ميليشيات شتّى من لبنان «حزب الله» ومن العراق «أبوالفضل العباس» و»عصائب الحق» وغيرهما بالإضافة إلى أفغان وباكستانيين، وحاولوا محاصرة المدينة تمهيداً للانقضاض عليها، ولما فشلوا أيضاً استقدم الروس أخيراً ليحسم طيرانهم المعركة، لكنه لم يُبلِ سوى في قصف المدنيين، واقتصرت «إنجازاته» على قصف المستشفيات والمساجد والمدارس. فالمراد هو إنهاك حلب وإضعافها لتسقط بيسرٍ في أيديهم، ليسهل عندئذ تحقيق الربط مع قوات الأكراد وبالتالي قطع أي دعم ممكن للثوار بإغلاق كل المنافذ مع تركيا، من دون أن يعني ذلك نهاية الصراع في سوريا، بل بداية مرحلة جديدة فيه.
لا حديث الآن إلا عن معركة حلب، لم يسبق للإيرانيين أن زجّوا بقوات خاصة من «الحرس الثوري» خارج الحدود كما يفعلون حالياً، أما الروس الذين أكّدوا للأميركيين عدم المشاركة في هذه المعركة فإنهم منخرطون فيها ويمدّونها بالآليات والتسهيلات اللوجستية، ولا يعني اجتماع هذه القوى والصمت الدولي والـ»فيتو» الأميركي على تسليح المعارضة سوى التخلّي عن شعب سوريا وقضيّته؛ لذا فلا تعويل إلا على حلب نفسها بكل ما عنته سابقاً وما تعنيه اليوم.
المصدر : شؤون خليجية
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة