رواية 'القوقعة'بين سجني تدمر وصيدنايا
كتب بواسطة د. أحمد موفق زيدان
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
4431 مشاهدة
لم أتمالك من مغالبة دموع الحزن والغضب ودموع الضحك حين كنت أقرأ كتاب "القوقعة" للمسرحي السوري مصطفى خليفة خلال عودتي في الطائرة من لندن إلى إسلام آباد، لا أدري شعور من كان يجلس بجانبي وهو يراني أجمع المفارقات في قراءة كتاب واحد، هذا الكتاب كان ينبغي على الرئيس الأميركي باراك أوباما قراءته قبل أن يلقي خطابه من قاهرة المعز ليتوجه منها إلى العالم الإسلامي، حينها سيدرك الرئيس الأميركي أي مجتمع عربي عاش فيه منفذو الحادي عشر من سبتمبر / أيلول، وسيدرك حينها أي مجتمع عربي يعيش فيه مسلحو أفغانستان والعراق والصومال، وسيعيش فيه ربما قريبا مسلحو سوريا وغيرها من الدول العربية...
"القوقعة"رواية لم يكتبها أصولي إسلامي، ولم يكتبها شخص مسلم، إنما كتبها أيها الرئيس أوباما شاب مسيحي سوري تخرج من جامعات فرنسا وليس من جامعات المملكة العربية السعودية أو من الأزهر أو من الحقانية والنظامية الباكستانيتين.. شاب عاد إلى بلاده مطلع الثمانينيات متخليًا عن صديقته التي أحبها، ظانا أنه سيخدم بلاده، فوجد عملاء المخابرات السورية بانتظاره في مطار دمشق ليقضي في سجونها الرهيبة التي لم ولن يشابهها سجون في التاريخ الإنساني.. ليكتشف بعد اثني عشر عاما أنه مسيحي لا علاقة له بالإخوان المسلمين، فكم من الأبرياء في سجون نظام دمشق...
القوقعة وما أدراك ما القوقعة... هل تجرأت صحيفة عربية على التطرق للحديث عنها، أو فضائية عربية أو دار انتاج عربية لتعيد انتاجها وتتحدث عن أدب السجون الرهيبة؟؟ هل سيصدق أبناؤنا وأحفادنا أننا نعيش في هكذا زمان؟؟!!!.. هل تجرأ علماء الاجتماع والنفس على البحث عن ظاهرة السادية الرهيبة التي انتعشت في ظل النظام الأسدي ولا تزال..
لا أدري كيف ألخص الكتاب وهو مليء بالمفارقات والقصص الرهيبة.. من قصة العميد المعتقل الذي كان يعذبه ضابط صف برتبة مساعد أول سعى إلى إجباره على الشرب من قاذورات بني آدم فرفض وقاوم فكان مصيره انقضاض الأشاوس المجرمين عليه ليقع بعد ساعات من المقاومة الخاسرة متلبطا في بركة من الدماء.. مرورا بإجبارهم السجناء على أكل والتهام الفئران والجرذان.. ورؤية السجناء لجرذان بحجم الخروف.. وتعذيب بأدوات كلها أوربية فالكلبشات من صنع اسبانيا وغيرها من صنع فرنسا وألمانيا هكذا تتجلى أشكال وإبداعات الحضارة الأوربية في تعذيب البشر، ويتحدثون بعد هذا عن ثقب الأوزون وكيوتو وغيرهما من الترف الانساني الذي يعيشه من هو خارج السجن...
القوقعة... تتحدث عن وجبات الإعدامات التي كانت تتم مرتين في الأسبوع وهما الاثنين والخميس.. يتحدث عن حادثة يرويها بشكل تقشعر لها الأبدان وتتفطر لها الأكبدة حين التقى ثلاثة شباب مع والدهم صدفة في سجن تدمر الصحراوي وما أدراك ما سجن تدمر؟؟!! وحين لاحظت المحكمة العسكرية أن الأسماء بينها رابط عائلي استدعت الوالد الذي تجاوز السبعين من عمره لتسأله عن صلة القرابة ليقول لهم إنهم أبنائي، فما كان من القاضي العسكري صاحب القلب الصخري إلا أن قال للوالد عليك أن تختار ثلاثة منكم للإعدام، فاقترح عليهم نفسه واثنان من الأولاد، والإبقاء على الصغير كونه غير متزوج، لعله يخلف فمن خلّف ما مات كما قال لهم، لكن القاضي المجرم طلب الأولاد الثلاثة والإبقاء على الوالد السبعيني وأعدم الثلاثة ولكم أن تتخيلوا رد فعل الرجل المسن !!!...
يتحدث الكاتب كيف تدخل خاله الوزير في الإفراج عنه، وكيف أن إدخال أي سجين في سوريا يتم بأمر أي رئيس فرع مخابرات لكن الإفراج عنه لا يتم إلا من خلال رئيس الدولة حافظ الأسد آنذاك دفعا للفساد والرشا، ويتحدث هنا كيف أن آمر السجن كان يقبض مقابل كل زيارة سجين كيلو ذهب بالتمام والكمال...
هل قرأ الرئيس الأميركي هذا الكتاب أشك، هل أتعب نفسه في سماع هكذا قصص... أشك... هل مستعد أن يصغي لهؤلاء، أشك؟؟؟... هل استمع لجريمة أبطال إعلان دمشق المعتقلين منذ سنوات، أشك؟؟ هل قارن بين هذا وبين ما جرى في دولة شاه إيران قبل انهيارها، أشك؟؟ وهنا يبرز كتاب إحسان يراغي من بلاط الشاه إلى سجون الثورة التي تتشابه كثيرا مع ما يجري في العالم العربي وسوريا تحديدا...ويسألون بعد كل هذا لماذا تكرهوننا؟؟؟ لأنكم ببساطة تدعمون وتساندون وتدافعون عن هذه الأنظمة المجرمة بحقنا وبحقكم وبحق الإنسانية فمتى تدركون أنكم أعداء أنفسكم؟؟؟
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة