متخصّصة في مناهج تعليم اللغة العربية، كاتبة في مجال التربية | باريس
منع البوركيني في فرنسا
أهي دعوة إلى التَّقهقر إلى عصور ما قبل التَّاريخ، أم هو بثٌّ للفرقة بين مواطني المجتمع الواحد..؟
عمد بعض رؤساء البلديَّات في فرنسا أخيراً إلى منع المرأة المسلمة من السِّباحة في البحر والوقوف على شاطئه بحجَّة أنَّ غطاء الجسم مناقض لحرِّية المرأة، و رمز دينيٌّ مضرٌّ بالمجتمع؟ أغاب عن هؤلاء أنَّ الحرِّية حرِّية الفكر والشُّعور والرَّأي، طالما لم يمسَّ الفرد حرّيات الآخرين، و لم يتعدَّ على مصالحهم المشروعة؟
أفي بلد ترتفع فيه الأصوات عالية تنادي "بتحرير المرأة" تُنتهك فيه حرِّيتها.. حرِّية اختيار دينها ولباسها؟ أين الإنسانيَّة؟ وأين العدالة والحرّية والمساواة؟ أتُرفع شعارات ولا تُحترم؟
في الحضارات المتعدِّدة الَّتي عرفها التَّاريخ تنوَّعت عبر العصور أشكال الثِّياب وألوانها عند الرِّجال و النِّساء، ولم يكن شكل لباس المرأة أو طوله أو قصره ليوجِّه عقلها أو نشاطها الإنسانيَّ..
وأوَّل المحجَّبات مريم العذراء عليها السَّلام الَّتي تُرسم صورتها محجَّبة في مكاتب مدراء المدارس الفرنسيَّة إلى الآن.. هذه المدارس الَّتي تُمنع فيها الفتاة المسلمة من طلب العلم، وتُقصى من المجتمع بسبب لباسها..
في الواقع لا علاقة بين الدَّعوة إلى التَّخلِّي عن قيود الحشمة و بين ما أسمَوه حفاظاً على مصالح المجتمع أو سعياً إلى تحرير المرأة.. الدَّارس للتَّاريخ يعرف أنَّ المجتمع المسلم على مدى خمسة عشر قرناً لم يعرف ظاهرة الصِّراع بين الرَّجل والمرأة الَّتي تعيشها المجتمعات الأوروبيَّة اليوم، بل سادت عند المسلمين روح التَّراحم و التَّكافل و التَّعاون على البرِّ وكان المجتمع نسيجاً متماسكاً متكاملاً لا يُمكن نقضه. أمَّا المرأة الأوروبيَّة فقد واجهت ظروفـاً تاريخـــيَّة و اجتماعــيــــة دفعتها إلى الثَّورة ضدَّ مجتمع عَلمانيٍّ و مُشرِّع بشريٍّ، وتطوَّر الأمر إلى اختلاق صراع مرير بين المرأة والرَّجل، ونشأت جمعيَّات نسائيَّة لقيادة هذا الصِّراع.. وانتهى الحال إلى تقييد التَّعلُّم بالاختلاط الفاحش
والتَّعرِّي الذي أصبح عندهم عنواناً لعلم المرأة وفهمها.. واعتبروا أنَّ رفض بعض المسلمين لمسلكهم المنحرف هو عداء للحرِّية وروَّجوا لذلك،
واتَّبعتهم في ذلك العديد من الدُّول العربيَّة المنحنية لهم.. واعتقدوا أنَّ وضع المرأة الأوروبيَّة وقيمها وسلوكيَّاتها هو المثال الَّذي يجب أن يُحتذى.. فكان التَّغريب، وبعدت المرأة العربيَّة عن جذورها..
ونسي الجميع أنَّ التَّفاوت سنَّة الله في خلقه، فالرِّجال فيما بينهم متفاوتون والنِّساء متفاوتات فيما بينهنَّ، وليس التَّفاوت بين الرِّجال والنِّساء فقط.. تشترك المرأة مع الرَّجل في سائر المعاني الإنسانيَّة ومقوِّمات الأنشطة الاجتماعــــيَّة والفــكـــريَّــة. وتمتاز عن الرَّجل بأنوثتها وعوامل الإغراء التي أرادها الله لتكون طريقاً إلى المتعة بينهما. و قمَّة النَّجاح والعلوِّ في الحياة الإنسانيَّة ألَّا يقع الخلط بين هذين الجانبين من جهة، وألَّا يطغى أحدهما على الآخر من جهة ثانية، بحيث يُعتَبر علم المرأة وتُحتَرم أنوثتها...
والحجاب ترسيخ لمشاركتها للرَّجل في الأعمال الإنسانيَّة والعلميَّة والاجتماعيَّة، وحفظ لتوازنه حين تجذبه غريزياً أنوثة المرأة التي قد تعمي بصيرته عن عقلانيتها وما تبذله من علم. وهو أيضاً حفاظ على مساواتها له، وكلُّ ما يهدِّد هذه المساواة. وليس كما يعتقد البعض هو أداة لغرس الفضيلة في كيان المرأة. فالتَّربية أمر حتميٌّ للارتقاء لا يغني عنها الغطاء..
كثيرون هم الذين يثيرون موضوع المرأة ويدَّعون الدِّفاع عن حقوقها في حين أنَّهم يستخدمون قضيَّتها من أجل حسابات شخصيَّة ضيِّقة لا علاقة لها بإكرامها، وكثيراً ما تُختَزل حريتها لتصبح مجرَّد سلعة رخيصة يُستمتَع بها ويُتاجَر بجسدها في الإشهارات..
ويزايــــد بــــهـــا في الأحزَاب السِّياسيَّة طمعـــاً في كـــــسب الأصوات.
المرأة اليوم، في الشَّرق والغرب، تحتاج أن يكفَّ كلُّ هؤلاء عن الحديث عنها بمعزل عن الرَّجل، وتحتاج أن يتربَّى هؤلاء مع غيرهم، فيتعلَّمون كيف يحترمون المرأة عند تعايشهم معها وتعاملهم اليوميِّ فيطبِّقون ما سُنَّ من قوانين عادلة، ويبعدون ما هو باطل ومتعارض مع إنسانيَّتهم..
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة