داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
محمد الزواري رحلة إعداد واستشهاد
لم يكن يخطر ببال الاحتلال الصهيوني حين أحكموا السيطرة على القدس وفلسطين سنة ١٩٦٧م أن تونس الخضراء أنجبت أحد ألدّ أعدائها، وأنهم سيسعون لاغتياله بعد ٤٩ سنة!
سأعرض في هذا المقال محطات من حياته، ثم أعلق على جوانب إشراق الأمل فيها:
• إنه محمد الزواري:
وُلد عام ١٩٦٧ في صفاقس جنوب تونس. وفيها أكمل دراسته الثانوية متميزاً بين أقرانه.
كان له نشاط إسلامي مبكر، فالتحق في شبابه في حركة الاتجاه الإسلامي التونسية (التي سميت لاحقاً حركة النهضة) وكان أحد نشطاء عملها الطلابي "الاتحاد العام التونسي للطلبة"، وتعرّض خلال دراسته الجامعية للمضايقات الأمنية من نظام المخلوع زين العابدين بن علي.
واعتقِل سنة ١٩٩١م بعد الأحداث الدامية التي ارتكبتها السلطات الأمنية في عدة جامعات تونسية، وصدور قرار تجميد أنشطة "الاتحاد العام التونسي للطلبة".
وبعد خروجه من السجن غادر تونس فتنقل بين ليبيا والسودان وسوريا حيث استقر وتزوج بسيدة سورية عام ٢٠٠٨م، وعمل هناك قرابة ٢٠ عاماً قبل أن يعود إلى تونس إثر اندلاع ثورتها وإسقاط نظام (بن علي) في ١٤ كانون الثاني ٢٠١١م.
وأثناء إقامته في سوريا؛ ربط الزواري علاقات مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وانتمى إليها حين قارب سن الأربعين، وتعاون مع جناحها العسكري: كتائب عز الدين القسام، فسَخَّر عِلْمَه واختصاصه لتصنيع وتطوير طائرات "أبابيل" المسيَّرة بدون طيار التي حققت للمجاهدين نقلة نوعية في الرصد والتجسس كما في إمكانية الهجوم الجوي.
وبعد عودته سَجّل للدكتوراه في المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، وكان مشروع أطروحته صناعة "غواصة دون غواص" تعمل عن بُعد، إكمالاً للماجستير "طائرة دون طيار".
وخلال وجوده في بلده اشتغل مديراً فنياً في إحدى شركات الهندسة الميكانيكية، وأستاذاً جامعياً في المدرسة الوطنية للمهندسين...
كما أسس وترأس "نادي الطيران النموذجي بصفاقس" الذي يدرِّب الشباب التونسي على تصنيع الطائرات من دون طيار.
ورغم إقامة المهندس الزواري مع زوجته في بلده، إلا أنه لم يقطع أسفاره، فقد مرَّ مِن لبنان في تشرين الأول، ثم عاد إلى تونس فرصده الموساد الصهيوني واغتاله بثماني رصاصات أمام منزله الخميس ١٥ كانون الأول ٢٠١٦م! تقبله الله شهيداً.
وقد أصدرتْ كتائب القسام بعد اغتياله بياناً نعته فيه، وأكدت انتماءه إلى صفوف قياداتها.
ونَقَلَ معلِّق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة أورن هيلر عن مصادر أمنية صهيونية قولها: إن الزواري هو المسؤول عن تمكين كتائب القسام من استخدام الطائرات بدون طيار لأول مرة خلال حرب ٢٠١٤م.
معتبرين أن خطورة الزواري "لا تتمثل فقط في الأفعال التي قام بها في الماضي، بل في الأفعال التي يمكن أن يفعلها في المستقبل".
• "إشراقات أمل" من حياة الزواري واستشهاده:
- حسن الخلق: فقد وصفه عارفوه بالدماثة وحسن المعاملة، وهذا من خير صفات المسلم.
- اختيار الزوجة: فالمسلم الداعية المجاهد أَحْوَج ما يكون إلى مَن يُعينه على الخير، لا مَن يشغله بالسَّفَاسِف، وقد ظهر من كلام زوجته المنتقبة السورية تفهُّمها للتضحية للدين إلى حد بذل الدم، وثقتُها بزوجها الكتوم، واحترامُها لحَماتها.
- التفوّق الدراسي: وصولاً إلى التميز العلمي الذي يليق ويُعِينُ المسلمين، ويرضي رب العالمين.
- العمل والأمل: فقد تخطّى الزواري شبهات العاجزين الذين يعتذرون لكسلهم بانتظار حاكمٍ مثل صلاح الدين المشرقي، أو مُجَمِّعٍ للكلمة مثل يوسف بن تاشُفين المغربي! بل عرف أن الله سائل كلًّا مِنا عن أقصى طاقته: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف: ٤٢].
- العمل في جماعة: فقد فَهِم أيضاً سنة الله؛ فالتَّكتُّلات تواجه بالتكتلات، لا بالفردية ولا بالأُمنيَّات: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة: ٢٥١].
- فَهْم سُنن الحياة: فعندما لم تُلَبِّ طُموحَه حركةُ النهضة التي ضحى للإسلام عبرها سنين: حافظ على أخوَّتهم لكنه بحث عن بديل يحسبه أرضى لربه، وأليق باختصاصه، ولم يركن إلى اليأس ولا اعتَبرَها نهايةَ المطاف؛ مثل أي تجربة حياتية يخوضها العقلاء تزيدهم خبرة ووعياً وإيجابية، بخلاف السلبيِّين والبسطاء.
- طُوْلُ النَّفَس: والصبر على ثمن الجنة؛ من السجن إلى النفي والغُربة ومَشقّاتها التي خَبِرها الشعب التونسي إبان حُكم الطاغية (ورُبَّ ضارّةٍ نافعة: فقد تلاقحت الخبرات الإسلامية بالسفر القسري)... وصولاً إلى شَرف الاستشهاد.
- إعداد البدائل: فقد ورَّث خِبراتِه للجيل التالي في جمعيته في تونس كما في صفوف القََسّام.
- الانتماء للأُمّة: وللوطن الإسلامي؛ فلم تَحجزه حدود كونتونات وطن (سايكس - بيكو) عن هموم فلسطين وهكذا يجب أن يتعاون كل المسلمين.
- علنية الفكر وسرية التنظيم: فمنذ شبابه تحرك لنشر الدعوة ومبادئ الإسلام في مدرسته، لكنه لم يطنطن بجهوده الأمنية الكبيرة ولا بانتمائه الجهادي.
- حِرْصه الأكاديمي: فلم يُعِقْه العَملُ عن التحصيل واقتحام الجامعات التي تَعجّ بالنُّخب والطاقات لاستثمارها للإسلام.
- تَسخِير الاختصاصات: فهذا الدين ليس مسؤولية علماء الشرع فحسْب، بل تتكامل فيه جهود الجميع وعلى رأسهم المتخصصون، بخلاف المهندس المصري أحمد زويل الذي نال جائزة نوبل في الكيمياء والسلام! وأسدى خدمات عسكرية للصهاينة فترحَّموا عليه!
- إغاظة العدو: فقد حضر مراسل القناة العاشرة الصهيونية إلى صفاقس مُخفياً صفته لينقل بشارة تصفية خَصمه.
- تحريك الجماهير: فقد اكتظت الشوارع بالمظاهرات في تونس وغزة؛ ففي صفاقس خرج أهلها عن بكرة أبيهم يهتفون: "بالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين" مما يعكس أثر جهوده وتضحياته في إحياء روح الجهاد والأخوّة الإسلامية، وفي غزة خرجوا وفاءً لأخوّة ودماء الشهيد، ثم خلعوا عليه وساماً في حفل تكريمي.
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة