متى ينطق الحجر؟
“إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد هرمجدون”
تصريح للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، خلال مقابلة تلفزيونية، عن معركة “هرمجدون” الكونية، استنادا إلى نبوءات توراتية، وهي المعركة التي تكون تقدمة لعودة المسيح المخلص وفق اعتقادهم.
لم يكن ريجان حالة فريدة تعبر عن توجه الصهيونية المسيحية بين الساسة الأمريكان، فقد تواتر الحديث عن إيمان العديد من القادة والرؤساء بالنبوءات التوراتية، وهو ما تناولته الكاتبة الأمريكية جريس هالسل باستفاضة في كتابها “النبوءة والسياسة”.
اللافت للانتباه، أن الليبراليين والعلمانيين والحداثيين في أمتنا، يكتفون إزاء كلام الغرب عن النبوءات بوصف أصحابها بأنهم متدينون، أو أصوليون، لكننا لم نسمع من يصفهم بالرجعية والتخلف.
وفي الوقت نفسه، تنبري تلك الفئة التي تتوارى بإسلامها وتراثها، لتصف حديث المسلمين عن نبوءات وردت على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم، بأنهم متخلفون ورجعيون.
مع الأسف الشديد، صرنا نتحاشى الحديث عن النبوءات الواردة في النصوص الصحيحة إذا ما تكلمنا عن الواقع السياسي وآفاق المستقبل، وكأنه لا ينبغي لغير علماء ودعاة الشريعة الحديث عن هذا الجانب.
عام 1998 أجرت مجلة تايم الأمريكية، استطلاعا أكد أن 51% يؤمنون بنبوءة عودة المسيح المخلص، وأن جورج بوش، وجيمي كارتر، ورونالد ريجان، كانوا من النخب الحاكمة التي تؤمن بها، وأن بعضهم بنى معظم قراراته السياسية خلال فترة توليه الرئاسة على النبوءات التوراتية.
فلماذا يصبح حديث المسلمين عن نبوءات صحيحة لا يتطرق إليها الشك، ضربا من الخيال والخبال وهروبا من ألم الواقع إلى حكايات أسطورية؟ هكذا يزعمون.
أحداث المستقبل لا يتم استشرافها عبر معطيات الواقع وقواعد السياسة وأحوال الدول والمجتمعات فحسب، بل ينبغي على السياسي المسلم أن يربطها بما لديه من نبوءات واردة في النصوص الصحيحة، وأن يطرح ثوب الاستخذاء والهزيمة النفسية أمام الغرب.
إننا كمسلمين نحتاج إلى تذاكر أحداث المستقبل التي تبشر بواقع أفضل، بحاجة إلى التعرف على انتصارات المسلمين اللاحقة، نحتاجها كباعث على التفاؤل ومجدد للأمل، نحتاجها كدافع للعمل الدؤوب طالما أن الربح المستقبلي مضمون وفق يقين المسلم بالقرآن والسنة النبوية.
يوم الأحزاب كان المسلمون يحفرون خندقهم في أجواء التعب والبرد والجوع والخوف من الأعداء المتربصين من الأمام والخلف، وقتها جاءتهم البشارة من نبيهم بأن لهم أرض الشام واليمن، وقصر المدائن الأبيض.
فآمن بها الصحابة بيقين جازم رغم التباين الواسع بين الواقع والمأمول، حتى تحققت النبوءات، وعاشها المسلمون واقعا.
من تلك النبوءات التي وردت في الأحاديث الصحيحة، انتصار المسلمين على بني صهيون الذين احتلوا الأرض، وأذلوا نواصي العباد عن طريق الحكام العملاء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).
الإسرائيليون يؤمنون بحتمية زوالهم أيضا، فقد التقى وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشي ديان، مجموعة من الشباب العربي المسلم، فمد يده ليصافحهم، فأبى أحد الشباب قائلا: “أنتم أعداء أمتنا، تحتلون أرضنا، وتسلبون حريتنا، ولكن يوم الخلاص منكم لا بد آت بإذن الله، فابتسم ديان وقال: “حقا سيأتي يوم نخرج فيه من هذه الأرض، وهذه نبوءة نجد لها في كتبنا أصلا، ولكن متى؟ إذا قام فيكم شعب يعتز بتراثه ويحترم دينه ويقدر قيمته الحضارية، وإذا قام فينا شعب يرفض تراثه ويتنكر لتاريخه، عندها تقوم لكم قائمة، وينتهي حكم إسرائيل”.
نحن نؤمن بأن الحجر والشجر سوف ينطق، مهما تندر العقلانيون، الذين تهكموا على حديث الذبابة زمنا، وألجمهم العلم الحديث عندما جاء مصدقا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء).
نؤمن بأن الحجر سوف ينطق، لكن متى؟
تأملت في الحديث على قلة فقهي وضعف مداركي، فرأيت الإجابة في كلمتين، هما ما نطق به الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله.
إن الجيل الذي سيدرك تلك المعركة ويعيش أجواء هذا النصر، هو الجيل الذي يلتف حول راية واضحة لا غبش فيها، راية الإسلام، هكذا سينطق الحجر “يا مسلم“، تلك هي الهوية، الراية العظمى، فهذا الجيل لا يعترف بمسمى آخر غير الإسلام، لا نعرات قومية ولا علمانية، ولا ليبرالية ولا اشتراكية.
إن المعضلة الكبرى التي نواجهها في الحالة الراهنة، هي الهوية التي تميعت، وتداخلت مع لفيف من الشعارات والانتماءات المناقضة للهوية الإسلامية، وأصبحت كل التوجهات مفتوحة على راية الإسلام، فإسلام ليبرالي، وعلمانية بصبغة إسلامية، وإسلام حضاري (بمفهوم مؤسسة راند)، واشتراكية إسلامية…
وضوح الراية هو أول خطوة على الطريق الصحيح، كانت هذه الصورة ماثلة أيام الرعيل الأول، ويوم أن مرت الكتيبة الخضراء بقيادة النبي في مكة عند الفتح، رآها أبو سفيان – وكان يومئذ مشركا- قال للعباس بن عبد المطلب: لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، فقال العباس: “يا أبا سفيان، إنها النبوة“.إنه وضوح الراية وصفاء الانتماء.
الكلمة الثانية التي سينطق بها الحجر الفصيح: “يا عبد الله“، وهو ما نشتم فيه التأكيد على وصف العبودية الذي أطلق على النبي صلى الله عليه وسلم في أشرف المواطن، في موطن الإسراء والمعراج {سبحان الذي أسرى بعبده}، وموطن تنزل القرآن {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده}، وموطن الدعوة إلى الله {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا}…..
العبودية التي مبناها التذلل والخضوع لله، وأفرادها كل حركة وسكنة تكون قربة لله..
العبودية التي يتخلص بها الإنسان من عبادة البشر والأهواء ومنازعة الله في حاكميته..
العبودية بمعناها الشامل الذي يتسع لكل مجالات الحياة، لا العبودية التي يتم اختزالها إلى بعض الشعائر الظاهرة.
العبودية التي يسير فيها العبد بمقتضى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.
العبودية التي تسير بالعبد في اتجاه إصلاح الكون وإعماره، وإلى صيانة الجنس البشري والحياة الإنسانية.
“يا مسلم، يا عبد الله“، هوية وعبودية، عندما نرى لهما ترجمة واقعية في حياتنا، حينها حتما، سينطق الحجر.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة