الأمين العام لحزب الأمة - الكويت
التحالف الخليجي الإيراني…. لمواجهة الربيع العربي
يسود انطباع عام بأن دول الخليج العربي وإيران في حالة عداء منذ عقود، ويعززه التصريحات العدائية المتبادلة بين الطرفين، لكن أحداث الربيع العربي وموقفهم منها يقود للتساؤل عن حقيقة هذا العداء على أرض الواقع هل هو حقيقي؟ أم هو صراع اعلامي يخفي وراءه حاجة كل طرف للآخر؟
ما قبل الربيع العربي…
بدأ التعاون االخليجي الإيراني منذ عام 1953م عندما اطاحت أمريكا بحكومة محمد مصدق المنتخبة عبر انقلاب عسكري لإعادة الشاه والملكية إلى السلطة في إيران https://goo.gl/hqWub5 ليستمر الشاه بدوره الوظيفي في المحافظة على النفوذ الغربي في الخليج، وفي عام 1957م أعلن الرئيس الأمريكي أيزنهاور مبدأه الشهير والذي أصبح بموجبه الشرق الأوسط منطقة نفوذ أمريكية لملء الفراغ مع انسحاب بريطانيا وفرنسا، وبهذا المبدأ أصبح الخليج العربي ضمن النفوذ والحماية الأمريكية.
ووفق مبدأ أيزنهاور بدأت العلاقات الخليجية الإيرانية تنتظم في إطار السياسة الأمريكية في حماية الخليج العربي من المد السوفيتي الشيوعي والقومي الناصري في فترة الخمسينات والستينات من القرن 20، والذي واجهت فيها دول الخليج العربي تحديات كبرى، كحرب اليمن بين الجمهوريين المدعومين من نظام جمال عبدالناصر والملكيين المدعومين من دول الخليج وإيران وانسحب عبدالناصر من اليمن وعده الشاه انتصار للملكيات في المنطقة، وكان من التحديات آنذاك ثورة ظفار في سلطنة عمان ودعم نظام الشاه لعمان لمواجهة حركات التحرر ضد النفوذ الغربي في المنطقة…
ومع انسحاب بريطانيا من الخليج وانشغال أمريكا بالحرب في فيتنام في الستينات، تبنت أمريكا سياسة الدعامة المزدوجة في منطقة الخليج والتي قامت على التعاون بين إيران والسعودية لحماية منطقة الخليج وفقا لمبدأ نيكسون، وتوج هذا التعاون بالبيان المشترك في الرياض بين الشاه والملك فيصل في نوفمبر عام 1968م أثناء زيارة الشاه للسعودية أكدا فيه على التعاون العربي الإيراني في الخليج…
واستمر التعاون الخليجي الإيراني في الخليج العربي وفق مبدأ نيكسون والبيان المشترك بين الشاه والملك فيصل لحماية الخليج من الأخطار المهددة للأنظمة الملكية والنفوذ الأمريكي ، حتى قامت الثورة في إيران عام 1979م وأسقطت الشاه وسقطت معه سياسة الدعامة المزدوجة الأمريكية، حينها اضطرت أمريكا إلى تعزيز وجودها العسكري المباشر في الخليج العربي وفق مبدأ كارتر 1980 بعد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان وتهديده للخليج العربي ومصادر النفط بشكل مباشر…
وعملت أمريكا على احتواء تأثير الثورة الإيرانية على المنطقة سواء من خلال العقوبات والحصار أو من خلال الحرب العراقية الإيرانية وإذكاءها، فزودت إيران بالسلاح سرا بالتعاون مع السعودية فيما يعرف إيران كونترا غيت (كتاب الأمير بندر بن سلطان 143-150)
وامتد التعاون الخليجي الإيراني إلى لبنان والتي دعمت فيها دول الخليج وإيران العملية السياسية والمحاصصة الطائفية في لبنان بعد اتفاق الطائف عام 1989، ولازالت دول الخليج وإيران هم الداعمون الرئيسيون للحكومة اللبنانية إلى يومنا هذا وفق تفاهمات دولية وإقليمية، والذي اتاح لحزب الله السيطرة السياسة والعسكرية في ظل الدعم الخليجي المالي والإيراني العسكري.
وفي عام 2003م ومع احتلال أمريكا للعراق عاد للظهور من جديد التعاون والتفاهم الخليجي الإيراني في دعم الاحتلال الأمريكي للعراق والعملية السياسية التي هندسها الحاكم الأمريكي بريمر على أسس طائفية، ودعمت دول الخليج وإيران الأحزاب العراقية الطائفية والمشاركة في النظام السياسي الطائفي الجديد في العراق بعد الاحتلال حيث أن كلا الطرفين السعودي والإيراني يستثمر الطائفية في العراق لمصلحته(ضمن مشروع بوش لإعادة تقسيم المنطقة على أسس طائفية)…
وفي عام 2006م برزت أزمة البرنامج النووي الإيراني وظهرت بوادر توجيه ضربة عسكرية أمريكية للمنشآت النووية الإيرانية، حينها طلبت السعودية من روسيا في اجتماع للأمير بندر بن سلطان بوزير خارجية روسيا لافروف في 4 أبريل 2006م للعمل على منع اعتماد مجلس الأمن الدولي قرارا يمكن أن تستخدمه أمريكا لضرب المنشآت النووية الإيرانية (كتاب الأمير بندر بن سلطان 481-482) (AFP- khleej times UAE April 11.2006) وذلك في إطار التعاون الخليجي الإيراني.
ما بعد الربيع العربي…
مع قيام ثورة الربيع العربي عام 2010م واهتزاز المنظومة الدولية والإقليمية التي تحكم العالم العربي تطور التعاون الخليجي الإيراني ليصبح تحالفا في ساحات ثورة الربيع العربي وخاصة في سوريا والعراق واليمن…
وهذا التعاون والتحالف جاء في نفس السياق التاريخي من التعاون المشترك بين الطرفين وبرعاية وتنسيق أمريكي لمواجهة الثورة التي أصبحت أخطر ما يواجهه النفوذ الأمريكي والغربي في العالم العربي منذ قرن…
وقامت أمريكا بإعادة إحياء سياسة الدعامة المزدوجة (دول الخليج وإيران) وإنما بشكل أوسع لتشمل سوريا والعراق واليمن تحت مظلة التحالف الدولي الذي أنشيء لمواجهة الثورة في هذه البلدان..
ففي سوريا أخذت الترتيبات الدولية لمواجهة الثورة مسارين الأول: دعم نظام الأسد والمنع من سقوطه وهذا الدور قامت به إيران ومليشياتها والمسار الثاني: ضبط أداء فصائل الثورة السورية وهذا الدور قامت به دول الخليج من خلال الحصار والتحكم بالدعم والتمويل، وهدفت هذه الترتيبات الدولية إلى ضبط مسار الثورة السورية لتصل إلى حل سياسي يحافظ على النفوذ الغربي والروسي في سوريا وإخراج الثورة وقواها من المشهد تماما.
وفي العراق دعمت إيران ودول الخليج النظام الطائفي في بغداد تحت مظلة التحالف الدولي بقيادة المحتل الأمريكي وشارك الطيران الخليجي ومليشيات إيران في مواجهة الثورة العراقية التي كادت أن تسقط المالكي وأصبحت على مشارف بغداد لتظهر فجأة داعش وبترتيب أمريكي خليجي بعثي لقطع الطريق على الثورة العراقية وضربها من الداخل…
وفي اليمن بعد فشل المبادرة الدولية والخليجية في إنهاء الثورة اليمنية سياسيا، برز التعاون الخليجي الإيراني وفق سياسة الدعامة المزدوجة الأمريكية لإنقاذ نظام علي صالح، فتشكل تحالف سياسي وعسكري بين نظام علي صالح المدعوم خليجيا وبين جماعة الحوثي الشيعية المدعومة إيرانيا لمواجهة الثورة وإنهائها، وقد ظهرت نتائج هذا التحالف بين نظام صالح وجماعة الحوثي على الأرض بمحاصرة تعز وتقسيم اليمن في ظل الحملة العسكرية للتحالف العربي برعاية أمريكية ودولية…
إن إدراك هذه الحقائق على الأرض في غاية الأهمية لفهم طبيعة التعاون التاريخي بين دول الخليج وإيران والذي ضبطت إيقاعه ومساره أمريكا ضمن سياستها لحماية نفوذها وسيطرها على الخليج العربي، فالتعاون الخليجي الإيراني لم يخرج عن دوره الوظيفي الإقليمي وهذا ظهر جليا في مواجهة ثورة الربيع العربي…
وأما الخطاب العدائي بين دول الخليج وإيران فهو مما يحتاجه الطرفان لتهيئة الرأي العام الداخلي، فدول الخليج بحاجة لخطر خارجي لاشغال الشعوب عن قضايا الحريات والإصلاح السياسي ومنع وصول الربيع العربي لها، والنظام الإيراني بحاجة لمثل هذا الخطاب العدائي أمام الشعب الإيراني لحشده خلف النظام ولتبرير وقوفه ضد ثورة الشعوب العربية والتدخل المباشر في العراق وسوريا واليمن والذي يتعارض مع مبادئ ثورة الشعب الإيراني على الشاه.
فدول الخليج العربي وإيران بينهما إلتزام وتعاون تاريخي اتجاه حماية الأنظمة ومنطقة الخليج العربي من أية تغيرات شعبية داخلية أو أخطار خارجية تؤدي بالتغيير الجذري للمنظومة الإقليمية وفق سياسة الدعامة المزدوجة الأمريكية التي ترعي هذا التعاون منذ عهد الرئيس الأمريكي أيزنهاور، ومقابلة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني علي شمخاني مع فصلية دراسات السياسة الخارجية في طهران والذي تحدث فيها عن السياسة الخارجية الإيرانية تؤكد هذا التعاون الخليجي الإيراني حيث قال (خلافا لكافة التصورات فان الجمهورية الاسلامية لا تسعي لاسقاط النظام في السعودية، بل تحرص علي منع محاولات اسقاطهم) وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء-ارنا
16 / 1 / 2017م http://www.irna.ir/ar/News/82388958/
ولعل آخرها التهنئة الخليجية بسقوط مدينة الموصل التي أهم المدن السنية في العراق بيد المليشيات الشيعية الإيرانية يؤكد طبيعة التعاون الخليجي الإيراني ضمن المشروع الأمريكي.
وقد جاء حصار قطر ليؤكد أن منطقة الخليج العربي تمر بمرحلة تغيير كبرى أخلت بمنظومة التعاون بين دول الخليج وإيران وهو ما دفع وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف إلى التصريح من منتدى أوسلو للأمن بأنه (وفي الظروف الحالية فانه مهم جدا لايران، تسوية التوتر بين قطر والسعودية عن طريق الحوار) http://www.irna.ir/ar/News/82563913 ، فهذا التعاون الخليجي الإيراني الذي حرص خلال السنوات السبع الماضية على مواجهة الثورة والتغيير في بلدان الربيع العربي ومنعه من الدخول إلي منطقة الخليج العربي فإذا هو اليوم يتفاجأ بأن منظومة التعاون نفسها تنهار من الداخل…
إن المنظومة الوظيفية التي بنتها أمريكا في منطقة الخليج العربي ورعايتها للتعاون بين دول الخليج وإيران لحماية نفوذها ووجودها، لم تعد تشكل دعامة لحماية الخليج العربي بل أصبحت تشكل خطرا عليه وعلى مستقبل شعوبه، خاصة بعد دخول دول الخليج وإيران في صراع مع شعوب الربيع العربي بدعمها للثورة المضادة والأنظمة العربية المستبدة، فالدور الوظيفي لدول الخليج وإيران هو المحرك الأساسي وليس إرادة الشعوب ووصل هذا الدور إلى نهايته مع الربيع العربي ، فالخليج العربي بجانبيه العربي والفارسي أصبح اليوم على أبواب المستقبل والتغيير ولم يعد ينطلي على شعوبه خطاب الأنظمة والحكومات المزيف بالعداء المتبادل على ضوء الحقائق والمواقف في ساحات الربيع العربي الذي كشف أكذوبة العداء الخليجي الإيراني…
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن