المسلسلات المدبلجة وأثرها على المراهقين والأسرة
إذ تلعب هذه المسلسلات دوراً فعالاً من حيث التأثير في الثقافات والسلوكيات العامة، حيث يعيش بعض الشباب في حالة من التوحّد بين الشخصية الدرامية الافتراضية والواقع ما يثير حالة من السخط وعدم الرضا نتيجة المقارنة في بعض الأحيان بين التخيل والحقيقة، والانجراف للعيش في واقع افتراضي، يستمد قيمه وتفاصيله من الدراما.
يقول الباحث النفسي د. خالد المهندي أنّ الدراما المدبلجة كالمسلسلات التركية والمكسيكية..وغيرها، تحمل ضمن طياتها مضامين وإسقاطات نفسية تؤثر على ثقافةالمجتمع،وسيكولوجية الفرد، وتؤثر أيضاً في نمط الشخصية بما تبثه من مفاهيم غريبة على ثقافتنا وعاداتنا وتعاليم ديننا الإسلامي، مشيرا إلى أنّ هذه المسلسلات من خلال ما تعرضه من مشاهد عاطفية مبالغ فيها تؤثر على سيكولوجية ونمط سلوك مجتمعنا العربي والإسلامي، وذلك التأثير يؤدي إلى انجراف عاطفي مبالغ فيه أو غير مبرر، وهو ما يولد نوعا من الاستراتيجية الخاطئة في تركيبة النفس البشرية، وفي سلوك الفرد.
وأضاف المهندي مؤكداً أنّ من أساسيات برامج العلاج النفسي، هو إقناع الفرد أنه لا توجد حياة بدون مشاكل أو عقبات وصراعات، وأن تلك الحياة المثالية لا توجد على أرض الواقع.
و أنّ كمية المشاعر والعواطف التي تبثها تلك المسلسلات، أحدثت خللاً في التركيبة الأسرية لمجتمعنا، فأصبحت كل امرأة تنتظر من زوجها أن يكون مثل "مهند" بطل الدراما التركية، ومن هنا يحدث الصراع بين الرجل والمرأة، بين التعايش في الواقع والخيال، ومن ثم تحدث المشاكل التي قد تؤدي للطلاق الوجداني أو الطلاق الفعلي في بعض الأحيان، موضحاً أن تلك المسلسلات تؤثر سلبياً أيضا على سلوكيات الأطفال بتقديم قيم متناقضة تماما للقيم السائدة في مجتمعنا، وذلك من خلال ما تعرضه من مشاهد جنس، وعنف، وقتل الوازع الديني لدى الأطفال من خلال تصوير الحياة بدون أي قيود دينية تمنع أبطال تلك المسلسلات من ارتكاب الأخطاء.
من جانبه يقول الدكتور ماجد العبدالله استشاري في الطب النفسي والإدمان بموسسة حمد الطبية أن المسلسلات المدبلجة استطاعت أن تجذب عدداً كبيراً من المشاهدين وبالأخص المراهقات الإناث، مؤكداً أنه من أهم أسباب مشاهدة المراهقين للمسلسلات المدبلجة أنها تتناول موضوعات رومانسية، لذلك استطاعت تلك المسلسلات أن تستحوذ على مساحة كبيرة من وقت الأسرة، ما كان له تأثير كبير على سلوك الفرد ونمط المجتمع، لافتا إلى أنها لها تأثير على الحالة النفسية والاجتماعية.
مؤكداً أنّ بعض الدول التي تنتج تلك المسلسلات كتركيا استنكرت عرض هذا النمط الحياتي الذي تعرضه مسلسلاتهم، لأنه يتنافى مع حقيقة وعادات ذلك المجتمع القريب من ثقافتنا الشرقية.
ثم إن تلك المسلسلات تساهم في إهدار الوقت فمعظم حلقات هذه المسلسلات غالباً ما يتجاوز المائة حلقة، ومدة كل حلقة لا تقل عن الساعة، ما يكون له تأثير سلبي على التركيبة الفيزيائية لجسم الإنسان ويتعود الجسم على الخمول والكسل، وبالتالي مدخل لمرض الاكتئاب في بعض الأحيان والقلق، نتيجة التعايش مع أحداث هذه المسلسلات والانغماس في أحداثها التي تكون في الغالب مختلفة تماماً عن الواقع الذي نعيش فيه، وعند الأطفال والمراهقين، تتأثر فيه المهارات الاجتماعية المكتسبة ..
وأثبتت الدراسات أنّ المشاهدة طويلة الأمد لهذه المسلسلات تشابه سلوك الإدمان ، فكلما زادت المشاهدة زاد "الدوبامين" (المادة الاساسية في آلية الإدمان) وصعب عليه التوقف وتظهر عليه أعراض انسحابية مما يدخله في دائرة مغلقة من توتر وقلق،
أيضاً لوحظ زيادة محاولات الانتحار خاصة بين المراهقين بسبب التقليد الأعمى لبعض نجوم هذه المسلسلات والفراغ العاطفي وعدم وجود المثل الأعلى في حياتهم.
انعكاسات سلبية:
بدورها تقول د. أمينة الهيل
وتطالب أن تكون هناك حملات توعوية في المدارس، ومن جانب وزارة الأوقاف، للتنبيه بمخاطر تلك المسلسلات، كما أن للأسرة دوراً كبيراً من خلال ممارسة دور رقابي على الأطفال لضمان عدم تأثرهم بأي عادات تخالف معتقداتنا الدينية.
بطالة فكرية:
إلى ذلك يقول الاستشاري النفسي طارق السويد أن هناك أبعاداً أخرى لإقبال المشاهد العربي على هذا النوع من الدراما، كالظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية التي تمر بها المجتمعات العربية بشكل عام، فالخواء الفكري والتوترات السياسية والاجتماعية ساهمت بشكل كبير في قتل الإبداع في مجتمعاتنا، فأصبحنا عرضة للتأثر بأي ثقافة دخيلة علينا، وظهر جيل من الشباب بلا هوية، يقلد الغرب تقليداً أعمى.
وأضاف قائلاً: البطالة الفكرية لعبت أيضا دوراً كبيراً في إقبال المشاهدين على هذه الدراما، لافتاً إلى أنه قديماً كان المجتمع على درجة كبيرة من الوعي لأن يلفظ ويرفض تلك الأعمال، أما الآن فأصبح الوازع المجتمعي غائباً، وأصبحنا لا نهتم إذا ما كانت القيم والمفاهيم التي تبثها هذه المسلسلات مقبولة أو متوافقة مع قيمنا وهويتنا العربية أم تتناقض معها.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن