الدولة اللبنانية من الديمقراطية التعددية إلى اللادينية الجبرية
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)[النور: 19]
1- لا يكاد عام يمضي إلا ويتم الترويج لقانون نسوي جديد من خلال حملات إعلامية مموّلة خارجياً. يتطوع إثرها أحد الوزراء أو النواب بتقديم مشروع كقانون أو كاقتراح قانون، يتصف غالباً باللاواقعية واللادستورية واللادينية يؤدي إلى استثارة أطياف كثيرة من اللبنانيين، وخاصة بسبب المس بل القضم من حقوقهم التي يكفلها لهم الدستور، حتى إذا هدأ الضجيج قامت جمعية أخرى بطرح قانون جديد مثير للجدل إلخ.. والهدف المعلن هو الوصول إلى قانون لا ديني علماني إلزامي. أما الهدف الحقيقي فهو تطبيق المخططات الدولية التي يحاول الغرب فرضها على دول العالم الثالث وأهمها: منع الزواج المبكر وتجريم زواج من هو دون الثامنة عشرة، إطلاق الحرية الجنسية، إباحة الشذوذ الجنسي، إباحة زواج الجنس الواحد، إباحة الإجهاض، إلغاء ومحاربة قوانين الأحوال الشخصية المستندة إلى مرجعية دينية، ومنها إلغاء أحكام الميراث والطلاق والحضانة.
2- وقد حدثت فضيحة مؤخراً من خلال توقيع الحكومة اللبنانية على مشروع قانون لتعديل قانون ا لعنف الأسري تضمن إلغاء عقوبة الزنا من قانون العقوبات، في الوقت نفسه الذي تمّ تقديم اقتراح قانون لدى مجلس النواب لتحريم الزواج المبكر. والأنكى أن الوزراء المسلمين الذي وقعوا مشروع القانون لم يعلموا بما يتضمنه من مخالفات قانونية أو تنازلات أخلاقية.
{ الملاحظات: أ- مشروع تعديل قانون العنف الأسري: أما هذا المشروع فقد ضم شوائب قانونية، فضلاً عن مخالفات دستورية، وميثاقية أهمها:
3- إباحة الزنا وإلغاء عقوبته المقرّرة في المواد 487/488/489 من قانون العقوبات.
4- توسيع نطاق ومفهوم العنف الأسري في حين انه قانون خاص، فينبغي تقيده وضبط تعريفاته.
5- القضم من صلا حيات القضاء الشرعي بجعل أمر أولاد المعنفة القاصرين غير المعرضين للخطر مشمولين بقرار الحماية، مع ما يستتبع ذلك من فرض نفقات وقرارات حضانة ومشاهدة وإبقائها في سلطة القضاء المدني.
6- إعادة طرح العنف الاقتصادي بعبارات غير منضبطة، مثل الحرمان من المواد الأولية أو الاحتياجات الأساسية للأسرة: وهو لفظ يشمل نفقة الزوجة و نفقة الأولاد فيصبح من جهة جرماً قبل الحكم فيه، ويصبح من اختصاص القاضي المدني الناظر في العنف الأسري، علماً إن الامتناع عن النفقة أو المهر المحكوم به يرجع تنفيذ الأحكام الصادرة فيها من المحاكم المختصة إلى رئيس دائرة التنفيذ سنداً للمادتين 997/999 من أ.م.م.
7- اشتراط رضى المعنف حضور المساعد الاجتماعي خلال التحقيق معه، وإن من شأن هذا الأمر منع القاضي من التحقق بجدية في الشكاوى ومتابعة حالة المعنف و كشف وجود تعسف فيها، وترك المجال واسعاً للجمعيات الممولة من الدول الأجنبية بمتابعة الأسر المعنية بدلاً من وزارة الشؤون الاجتماعية.
8- التوسع في العقوبات وتشديدها، ومن ذلك إلزام المشكو منه كتابة تعهد تحت طائلة الاحتجاز، وذلك قبل التثبت من صحة الواقعة.
9- التوسع في تفسير مصطلح « الأسرة» و«العنف» يهدف حقيقة إلى إخضاع الزوج لأحكام قانون العنف الأسري ومنعه من اللجوء الى القضاء الشرعي للبت في خلافاته الأسرية، مع تكرر حوادث موثقة لامتناع القضاة المدنيين عن رفع يدهم عن ملفات النفقات بعد صدور أحكام من القضاء الشرعي.
10- تعمد تخصيص القانون بحماية النساء من العنف لا حماية العائلة، مراعاة لشروط المؤسسات الدولية التي تمول هذه الجمعيات.
{ الخلاصة: زيادات غير مبررة في العقوبات أو تشديدها (كتشديد العقوبة على من حرم الزوجة من النفقة إذا امتنعت عن متابعته في الفراش الزوجي)، وتهريب مفاهيم وتعريفات سبق أن تمّ الاعتراض عليها، واباحة الزنا، والفوضى القانونية.
حول زواج القاصرات:
ب- اقتراح قانون يُحدّد زواج القاصرات:
11- ان الدستور اللبناني يضمن للأهلين احترام نظام الأحوال الشخصية الخاص بهم في المادة التاسعة. والمس بنظام الزواج يعتبر مساً بنظام الأحوال الشخصية، وبالتالي مخالفة دستورية.
12- إن سن الزواج لا يعتبر من النظام العام، لتفاوته حسب نوعية الالتزامات في القانون اللبناني. والقول بذلك يصطدم بالتمييز القانوني بين سن الانتخاب وسن الزواج وسن الرشد (حسب قانون تنظيم القضاء الشرعي). فضلاً عن أن أصول المحاكمات الشرعية والمدنية قد أرجعت سن التقاضي إلى نظام الأحوال الشخصية الخاص بالمتقاضين. وأن المادة 30 من تنظيم القضاء الشرعي قد جعلت للقاضي إعطاء الإذن للقاصر للمثول والتقاضي.
قد أباحت بعض الدول الزواج لمن هو في سن السادسة عشرة كالولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ويبقى قرار حقوق العائلة المعمول به شرعاً هو الأنسب للقاصرين وللمجتمع.
13- إن المادة 389 بند(أ) من قانون تنظيم القضاء الشرعي قد جعلت للقاضي إثبات رشد من لم يبلغ الثامنة عشرة من العمر، وأن نظام الولاية والوصاية واثبات الرشد قد جعل للقاضي أن يأذن للقاصر بالتجارة وانشاء العقود، وأن قانون الموجبات والعقود (المادة 217) قد اعترف للقاصر المميز المأذون بحق ممارسة التجارة والصناعة على أن يعامل معاملة الراشد في دائرة تجارته. كما اعتبر القانون (م ع 273) تصرفات الصبي المميز – البالغ السابعة من العمر – الدائرة بين النفع والضرر إذا حصلت بإذن وليه.
فكيف يقال إن سن الاختيار والتعاقد في الزواج تتعلق بالإنتظام العام. وهي في الحقيقة متفاوتة وفي نفس الوقت معتبرة.
14- إن الاختصاص الوظيفي في تحديد أهلية الخاطبين دون سن الرشد يرجع إلى قوانين الأحوال الشخصية لا للقضاء المدني حسب ما نص عليه الدستور وأصول المحاكمات المدنية والشرعية، وجعل الأمر من صلاحيات قاضي الأحداث يُشكّل اعتداء على اختصاص المحاكم.
15- إن تحديد الاستعداد النفسي أو الاحتمال الجسدي لأحد الخاطبين للزواج في حال كان هو الغاية من اقتراح القانون لا يرجع إلى قاضي الأحداث أو أي قاضٍ بل إلى الخبرة الطبية، ولا يخفى انه لا يحتاج إليه إذا كان الخاطبان بين السادسة عشرة والثامنة عشرة وإنما محله ما إذا كانت الفتاة المخطوبة دون هذه السن، وهذا الأمر يستوي فيه القاضي الشرعي والروحي والمدني على حدّ سواء، فلا حاجة لمخالفة الدستور ومصادرة اختصاص محاكم الأحوال الشخصية لذلك.
16- يبقى السبب الرئيس لتقديم اقتراح القانون هذا، هو منع الفتاة القاصر من الارتباط بعقد زواج يلزمها بالتزامات اجتماعية ونفسية دائمة، ولا يخفى أن هذا الأمر إذا قصد به عدم قدرة أحد الزوجين على فك الإلتزام ، فهو غير واقع لدى الطوائف الاسلامية التي تثبت للزوجين حق طلب الفرق، فضلاً عن حق طلب فسخ العقد عند البلوغ، أما إذا كانت الغاية المنع من وقوع تبعات مادية على العقد كا لأولاد، فـإن النظام اللبناني المعمول به، يحصر الزنا بالمتزوجين فلا يرتب تبعات على علاقة القاصرين الجنسية وما ينبثق عنها من أولاد زنا، فلا الزاني يعاقب ولا الزانية إن كانا دون الثامنة عشرة، فبأي حق تتم المعاقبة على العقد الشرعي، الا إذا كان القصد إشاعة الفاحشة.
17- إن القضاء الشرعي يُشكّل جزءاً من تنظيمات الدولة القضائية، وهو يتولى في اختصاصه الوظيفي مسائل البلوغ والرشد والولاية والأهلية، فبأي حق يولى قاضي الأحداث الإشراف على زواج القاصر، إذا لم يكن الحدث مهدداً أو مستغلاً أو معتدى عليه؟
18- إن دور المحاكم في عقد الزواج هو إعلاني وليس انشائياً، وبالتالي فإن المحكمة تلعب دوراً تنظيمياً للعقد لا أكثر، والعقلية التي يتعامل النظام العالمي وبعض المشرعين التابعين له ليس لديها خلفية ثقا فية عن الإسلام، لذا تظن ان الإذن بالعقد ومعاقبة المأذون ستؤدي إلى منع اجراء العقد. ومعلوم في مذهب السادة الأحناف إن الفتاة قادرة على إجراء عقد زواجها بدون إذن وليها، وللولي ان يعترض ويطالب بفسخ العقد إن كان الزوج غير كفء، فتكون هذه الإجراءات المقترحة لا قيمة لها في منع الزواج.
19- في مقاصد الزواج: ان المقصد الشرعي من الزواج في حده الأدنى هو تنظيم العلاقة الجسدية بين الزوجين وفي حده الأكمل إيجاد السكينة والرحمة. وأن المنع من زواج من هو دون الثامنة عشرة أو تقييده بقناعة قاضي الأحداث، سيتسبب إما باجرائه خارج الاطار النظامي – أي دون تسجيله – أو بالتشجيع على العلاقة الجنسية خارج إطار منظومة الزواج نفسها، وهو ما يسعى العلمانيون لاشاعته بتسهيل الزنا وتجريم الزواج.
20- إن زواج القاصرة الراشدة ثابت بالنص الشرعي القطعي وقد أجمعت الأمة عليه وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم المراهقة البالغة شرعاً، وأن انكار هذا الزواج يُشكّل مخالفة لعقيدة المسلمين ومساً بمسلماتهم الفقهية، وقد ثبت قرار حقوق العائلة سن زواج الذكر بالثامنة عشرة و الأنثى بالسابعة عشرة، محتجاً بأن البيئة العربية التي نشأ فيها الإسلام كانت تؤهل الفتيان إلى النضوج الجنسي والفكري المبكر. واستناداً إلى هذا التعليل فقط يجوز فقط تقييد زواج المراهقين. وما يذهب إليه اقتراح القانون من فرض قيود أخرى لا تتعلق بالقدرة الجسدية أو النضوج العقلي يعتبر تحريماً لما هو مباح شرعاً، خاصة وأن من يروّج لتحديد سن الزواج لا يشترط إخضاع المراهقين لتحليل نفسي قبل ممارسة العلاقات الجنسية المحرمة، بل انه يشجعهم علي استخدام وسائل منع الحمل ويوزعها عليهم.
21- ان التشدّد في إجراءات الزواج الشرعي النظامي سيدفع النا س إلى البديل وهو الزواج العرفي أو المؤقت الذي لا يستدعي مأذوناً، مع ما يترتب على ذلك من تعريض القاصر لضياع الحقوق بسبب عدم التوثيق، وواقع الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية يشهد لذلك.
22- ان الأولاد الذين سينتجون من خلال عقد الزواج غير النظامي الذي سيحصل بسبب هذا القانون سيشكلون مشكلة عند السعي إلى إثبات نسبهم، بعد بلوغ الزوجين سن الثامنة عشرة، نظراً لتعنت وتشدد القضاء في فرض الملاحقات الجزائية.
خاتمة
23- إن ما حدث من تمرير مواد تلغي عقوبة الزنا دون تنبه من الموقعين، يقابله تجريم الزواج المبكر: يستدعي تغييرات جذرية في منظومة التشريع والترويج لمشاريع القوانين.
أولاً: تعيين مستشار قانوني لرؤساء الطوائف الكبرى لدى مجلس الوزراء والمجلس النيابي يطلع على مشاريع القوانين واقتراحات القوانين ويبلغ المرجعيات بأي نصوص تتعلق بصلاحيات الطوائف.
ثانياً: إصدار قانون ينظم مصادر تمويل الجمعيات الأهلية التي تسعى لتغيير القوانين، بحيث تودع التبرعات في حساب بإشراف الدولة يقتطع منه قسم لاجراء دراسات ميدانية من قبل الوزارات المتخصصة، وتجمد هذه الأموال في حال تبين انها لمشاريع تمس بميثاقية الدولة.
ثالثاً: إعادة تعديل قانون العنف الأسري لتجنب التجاوزات التي قام بها بعض القضاة العدليين في التوسع في مفهوم العنف أو في امتناعهم عن تنفيذ البند الأخير من المادة 14 من قانون حماية الأسرة من العنف.
والله من وراء القصد.
المصدر : موقع إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة