من يتورطون في دعم خطة ترامب
بعيدا عن التسريبات الخاصة بخطة ترامب التي سمّاها ذات يوم “صفقة القرن” والتي تتباين في بعض التفاصيل، فإن ما هو ثابت بشأنها هو ما تحدثنا عنه مرارا هنا، ولا يعدو أن يكون حكما ذاتيا على أجزاء من الضفة الغربية دون القدس، ودون السيادة، وطبعا دون عودة اللاجئين (ولا حتى تعويضهم)، فيما يتم الحديث عن ربطه (أي الحكم الذاتي بالأردن)، وفي الأثناء يتم تطبيع العلاقات العربية الصهيونية.
ما سيتم الحديث عنه في معرض التسويق بالطبع هو أن هذا الحل ليس نهائيا، وأن قضايا ما يسمى الحل النهائي (بخاصة القدس التي أفشلت كل محاولات التسوية السابقة) ستترك لزمن آخر بعد أن يطمئن “الجيران” لنوايا بعضهم البعض!! فيما يعرف الجميع أن البرنامج يقوم على تحويل المؤقت إلى دائم بمرور الوقت، لأن أحدا في الكيان ليس في وارد التنازل عن القدس، فضلا عن السماح بعودة أي لاجئ. ونتذكر هنا للمفارقة رد تسيبي ليفني على صائب عريقات في المفاوضات الشهيرة التي كُشفت وثائقها، حين قال لها إن أولمرت وافق على إعادة 10 آلاف لاجئ فيما يُعرف بعمليات لمّ الشمل، فكان ردها: “هذا رأي أولمرت الشخصي، أما الرقم الذي سيعود إلى “إسرائيل” فهو صفر”!!
ليست تفاصيل التسوية هي ما يعنينا هنا، فقد تحدثنا عنها مرارا من قبل، وما يعنينا هو من يتورطون في تسويقها ودعمها، بل والضغط من أجل قبولها فلسطينيا وعربيا، وهؤلاء يستحقون النصيحة أكثر من غيرهم، لاعتبارين؛ الأول هو استحالة تمريرها واقعيا لاعتبارات كثيرة، حتى لو مرّت في بعض خطواتها الأولى، وثانيا لما سيترتب على موقفهم من أضرار عليهم.
في السياق الأول، نتذكر بالطبع ما قاله نتنياهو قبل أيام بحديثه عن أن مسؤولية رفض التطبيع تعود للشعوب العربية، وليس للأنظمة، وهذا صحيح إلى حد كبير، فالكيان الصهيوني بالنسبة لجماهير الأمة مرفوض من حيث المبدأ، حتى لو وافق على المبادرة العربية التي منحته 78 في المئة من فلسطين، فكيف حين يكون المطروح أسوأ من ذلك بكثير، وينطوي على التخلي العملي عن القدس والمسجد الأقصى؟!
هذا الموقف يعني أن اللعبة الجديدة لن تمر، أعني التطبيع، وموقف الشعب المصري بعد ما يقرب من خمسة عقود على كامب ديفيد خير دليل، وكذلك موقف الشعب الأردني بعد ما يقرب من ربع قرن على وادي عربة. لكن ذلك ليس كل شيء، فالشعب الفلسطيني لن يسكت على تصفية قضيته على هذا النحو البائس، وسينتفض من جديد، كما أن الشعب الأردني لن يقبل أيضا بالفيدرالية التي يتحدثون عنها. هذا كله طبعا بفرض أن القوى الفلسطينية ستوافق، وهي لن تفعل، أو غالبيتها في أقل تقدير.
الجانب الآخر يتعلق بمن ذكرناهم، وهنا يمكن القول إن هؤلاء سيصطدمون بغالبية جماهير الأمة حين يدعمون حلا من هذا النوع، يصفّي قضية فلسطين، كما سيصطدمون بمزاج شعوبهم الذي لا يختلف عن مواقف جماهير الأمة.إن أمريكا والصهاينة سيظلون حريصين على استمرار الصراعات في المنطقة، كي يكون الكيان هو الدولة الوحيدة القوية والمتماسكة، والتي يطلب الجميع ودها.
هل يعيد أولئك الذين يتورطون بدعم خطة ترامب النظر في مواقفهم تبعا لذلك كله؟ نأمل ذلك من كل قلوبنا.
المصدر : صحيفة الدستور
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن