لا حلول وسط.. أسباب التباين في عقلية الرجال والنساء
في حوار تخيّلي يرسمه عالم النفس الأميركي، ريتشارد دريسكول، بين زوجين تقليديين(1)، تجلس إحدى الزوجات مع زوجها في البيت ثمّ تعبر عن ضيقها وتتّهم زوجها قائلة: "كل ما تهتمّ به هو العمل والرياضة، أنت لا ترغب أبدًا في الذهاب إلى أي مكان بصحبتي فحسب بدون الأولاد". وبعد تنهيدة قصيرة تشتكي إليه قائلة: "أنا مجرّد وسيلة راحة بالنسبة لك! أنا أطبخ الطعام، أنا أنظف البيت، أنا هنا من أجل الجنس، أنت تعتبرني أمرًا مفروغًا منه!".
وبعد شكوى كثيرة من المرأة، وفي المقابل، يصمت الزوج، ولا يردّ بشيء! وهي تنتظر، وبعد انتظار طويل يتمتم الرجل في النهاية قائلًا: "ماذا تريدين مني أن أقوله؟". يتساءل دريسكول: ما الذي يحدث هنا؟ لماذا تقوم المرأة بالحوار كلّه والرجل لا يقوم بالردّ عليها؟ هل هذا نمط متكرر بين الرجال والنساء أم أنه حالة خاصة؟ ثمّة اختلاف لا يمكن إنكاره بين سلوك المرأة والرجل، لكن لماذا هذا الاختلاف ابتداءً؟ ولماذا يجد الرجال صعوبة في فهم النساء؟ ولماذا تشتكي النساء دومًا من الرجال؟
مخ الرجل والمرأة: سوق العمل نموذجا
قدّمت الأكاديمية الأمريكية للعلوم العصبية -أكثر جهات العالم تخصصًا في علوم المخ والأعصاب- بعض الإجابات حول سبب اختلاف منطق تفكير وسلوك المرأة عن منطق تفكير وسلوك الرجل، وصرّحت في بيان أذاعته في ختام مؤتمرها السنوي الحادي والخمسين أنه: "لا شكّ أن هناك فوارق بين مخ الذكر ومخ الأنثى، والتعرّف على هذه الفوارق يفسّر لنا الاختلاف في طريقة التفكير والسلوك بين الرجال والنساء، ومن ثمّ فإن إدراك هذا الاختلاف يفيد في تحقيق تعامل أفضل بين الأشخاص من الجنسين".
ثم يضيف التقرير: "وليس معنى وجود هذه الفوارق أن أحد الجنسين أفضل من الآخر، بل إن الخسارة ستكون كبيرة لو حاول البعض أن يستغل إقرار العلماء بهذه الفوارق ليدّعي تفوقاً لجنس على الجنس الآخر"(2). ويؤكد سيمون كوهين، أستاذ علم النفس بجامعة كامبردج، في كتابه "الحقيقة حول مخ الذكر والأنثى: الفروق الجوهرية" على هذه الحقيقة، قائلًا إن المخ الأنثوي "قد تم تشكيله وإعداده سلفاً ليقوم بالمشاركة والتعاطف، بينما تم تشكيل المخ الذكوري ليقوم بالوظائف التحليلية والتنظيمية، ولا شكّ أن إنكار هذه الفوارق الجنوسية* يُعدّ من أكبر محاولات التدليس في تاريخ العلم"(3).
هذه الفوارق في بنى ووظائف المخ الذكوري والمخ الأنثوي تتجلّى في سوق العمل، فطبقاً لدراسة أجرتها الهيئة القومية للعلوم بالولايات المتحدة(4)، فإن 23% من علماء البيولوجيا من النساء، بينما تكون النسبة 5% في الفيزياء، و3% في الهندسة، ومن بين 170 عالمًا حائزين على جائزة نوبل في العلوم، فهناك ثلاثة سيدات فقط.
وفي المقابل، فإن النساء يبرعن في المهام التي تتطلب اقترابًا حميمًا وتواصلًا نفسيًا مع الآخرين، مثل مهنة الطب بشكل عام، والطب النفسي بشكل خاص، والتمريض، والخدمة الاجتماعية، وكذلك مهنة السكرتارية والعلاقات العامة(5)، وعن المهنتين الأخيرتين خصوصًا يقول عالِم الاجتماع جيمس بارون: "إن المرأة تُبدع في الأعمال التي تتطلب تعاملًا مع الناس، وكذا الأعمال التي تتطلب ذاكرة قوية واهتمامًا بالتفاصيل، كأعمال السكرتارية التي تكون المرأة فيها عونًا لرئيس رجل، فهي تقوم بالاتصالات وتجميع البيانات وترتيب المواعيد وتُزيل العقبات حتى يتفرغ للأمور الاستراتيجية والقرارات الحاسمة ولا ينشغل بالتفاصيل المعوّقة عن الرؤية الكلية"(6).
كيف يفكّر الرجال والنساء؟
يرى المؤلف الأميركي الشهير مارك جانجور صاحب كتاب "Laugh your way through Marriage" أن مخ الرجال يحتوي على صناديق، وكلّ صندوق يحتوي على موضوع واحد فقط، وعندما يركّز الرجال في موضوع ما، فإنهم يفتحون صندوقاً واحدًا فقط ويركّزون على هذا الموضوع فحسب، ولا يستطيعون في الغالب ممارسة مهمة أخرى أو الانشغال بموضوع آخر في نفس الوقت. أمّا النساء فإن مخهن لا يحتوي على صناديق وإنما هو كالدائرة الكهربائية التي تتصل فيها كل الأسلاك ببعضها البعض، مما يعني أن عقولهن لا تكفّ عن الحركة وعن ربط المواضيع ببعضها البعض.
ويوضح جانجور أن الرجل كلما سنحت له الفرصة فإنه يذهب إلى صندوق اللاشيء هذا الذي يترك فيه الرجل دفة عقله في ملكوت اللاشيء، ولكن لا تفهم النساء حالة الفراغ هذه، بل تظنها تجاهلا أو خيانة، مما يؤدي إلى شعورهن بالغضب والجنون إذا رأين الرجل في حالة اللا شيء.
ويؤكد الدكتور عمرو شريف، أستاذ الجراحة بجامعة عين شمس، هذا الكلام قائلًا إن "النشاط الكهربائي لمخ الرجل ينخفض أثناء الراحة إلى 30% من إجمالي نشاطه، بينما ترتفع النسبة إلى 90% في مخ المرأة"، ممّا يعني أن مخ المرأة، وفقاً لشريف، "حتى في أوقات الراحة فهو مشغول دائمًا وبصورة آلية بمعالجة ما به من معلومات ومراجعة ما مرّ به من مواقف، ولا شكّ أن هذه المعالجة تكون ذات توجهات عاطفية وانفعالية"(7).
لماذا لا يفهم الرجال كلام النساء؟!
في دراسة أجراها فريق بحثي بجامعة واشنطن، رصد الباحثون تفاصيل الجدالات الزوجية، وظهر أن النساء خلال الجدالات الزوجية هن أكثر ميلًا للجدل وأكثر عرضاً للشكاوى، بينما يحاول الرجال في الغالب احتواء الموقف وإنهاء الجدل والانسحاب(8). وفي إشارة غريبة، تشير الأبحاث إلى أن الرجل يشعر بضغط أكبر من المرأة أثناء الجدل، ممّا يعني أن الرجل العادي يكون مضغوطًا أكثر من المرأة حتى أثناء غضب المرأة نفسها(9). فإذا كان الحوار متأزمًا في العادة بهذا الشكل، فكيف نفهم طبيعة الحوار لدى كلا الطرفين؟
يخبرنا جون جراي في كتابه ذائع الصيت: الرجال من المريخ، النساء من الزهرة"(10) أن الرجال يمجدون القوة والكفاءة والإنجاز والفاعلية ويركزون على النتائج بشكل رئيسي، لذلك يميل الرجال إذا صادفتهم أزمة ما إلى البحث عن الحلول العملية والنتائج الواقعية، أما النساء فيقدّرن الحب والاتصال والجمال، ويستجبن لمعاناة الآخرين عن طريق التعاطف وإظهار المشاركة.
لذلك يشير جراي أن الزوجات عندما تتحدث مع أزواجهن، فإنهن لا يردن حلولًا عملية وإنما يردن من أزواجهن أن ينصتوا إليهن وأن يُبدوا مشاعر الاهتمام والرعاية بهن لا أكثر، الأمر الذي يؤكده عمرو شريف قائلًا: "الحوار المستمر يُعتبر إحدى الآليات التي تستخدمها المرأة للتنفيس عما بداخلها من توتر أولًا بأول. وفي المقابل، تمثل ممارسة الرجل للجنس أسلوب التهدئة المثالي للتوترات المتراكمة ولا يمثل الحوار المتنفس الأساسي عنده"(11).
بيد أن محاور الاهتمام ابتداءً تختلف عند كلا الطرفين، الذكر والأنثى، يذكر شريف: "تدور حوارات الرجال عادة حول الأمور العامة، كالرياضة والسيارات والكمبيوتر والسياسة والاقتصاد، بينما يتركز حوار النساء حول العلاقات الإنسانية والشخصية والنفسية والموضة والأطفال". ثم يخبرنا شريف أن هذا التباين في الاهتمامات يرجع إلى طبيعة الذكر والأنثى منذ صغرهم، فيستطرد قائلًا: "يرجع هذا الاختلاف إلى الطفولة، فكثيرًا ما تجد حكايات البنات (من 2-4 سنوات) تدور حول الأشخاص بينما تدور حكايات الأولاد حول الأشياء"(12).
كيف يفكّر الرجال والنساء في الجنس؟!
في دراسة أُجريت في جامعة هاواي الأميركية، أجرت فتاة جذابة مقابلات لمجموعة من الشباب، وأجرى شابٌ وسيم مقابلات مع مجموعة من الفتيات، وعند سؤالهم: هل أنتم مستعدون لممارسة الجنس مع من أجرى معك المقابلة؟ أجاب 75% من الشباب بالموافقة واستعدادهم لذلك، بينما كانت نسبة الفتيات التي وددن ممارسة ذلك 0% من إجمالي العينة(13)! وهو ما مثل صدمة كبيرة للباحثين، إذ تبيّن أن منطق تفكير الرجال مختلف كلّ الاختلاف عن منطق النساء فيما يتعلق بالجنس والعلاقة مع الطرف الآخر.
طبقاً للدراسات فإن الشعور بالرغبة الجنسية يظهر في الأولاد قبل البنات، ويمثل لديهم أهمية أكبر، وفي دراسة أجراها عالم النفس الأمريكي ألان بل وطرح فيها سؤال: كم مرة تفكر في الجنس يوميًا؟ أجاب الرجال بمعدّل 3-5 مرات يوميًا، بينما رأت النساء أن السؤال يجب أن يكون؛ كم مرة في الأسبوع أو حتى في الشهر؟(14). فإذا كانت هذه هي الفروق الكمّية، فما هي الفروق النوعية بين نظرة الرجال للجنس ونظرة النساء له؟!
يقول عمرو شريف: "إن المثيرات الجنسية الحسّية تأتي في المقام الأول بالنسبة للرجال، أمّا بالنسبة للنساء فإن مناظر العري لا تثيرهن غالبًا، وإنما تثيرهن المناظر الرومانسية لما فيها من كلمات ناعمة ومشاعر مشاركة، لذلك فإن مجلة بلاي بوي -وغالب المواقع والمجلات الإباحية- تستهدف الرجال في المقام الأول"(15).
بالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات(16) إلى أن التخيلات الجنسية للرجال تتضمن الأفعال الجنسية نفسها بشكل مباشر، أما عند النساء فإن التخيلات ذاتها تتضمن الشعور بالاهتمام والصحبة والحميمية والأمان ومقدّمات العملية الجنسية لا العملية بذاتها. لذلك تستمتع المرأة كثيرًا عند ممارسة الجنس في إطار الزواج الناجح، بينما قد يجد الرجل نفس المتعة في علاقات عابرة متجددة. "فإذا كان الرجل يريد المزيد من الجنس، فإن المرأة تريد المزيد من الجنس مع رجل بعينه، وعادة ما يكون زوجها"(17).
بؤس إنكار الفروقات
يبدو إذن أن بنية المخ الأنثوي تختلف بشكل كبير عن بنية المخ الذكوري، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور هذه الاختلافات على المستوى النفسي والسلوكي والعقلي، ولا تظهر هذه الفروقات في ميدان العمل فقط، وإنما بداخل البيت وداخل أسوار المدارس والجامعات ومنذ الصغر وحتى في الكهولة، إن هذه الفروق تعبّر عن ثنائية لا يمكن تجاوزها علميًا، فما الضرر مما تنادي بعض الأصوات النسوية بالمساواة بين الذكور والإناث بدعوى التماثل والتشابه؟
ترى عالمة الاجتماع الأمريكية آليس روزي أن إنكار الفروق الفطرية بين تفكير وسلوك كل من الرجال والنساء هو تحدي لعلوم الأحياء وعلوم المخ والأعصاب، وترى أن إنكار هذه الفروقات والدعوة إلى المساواة الكاملة بين الجنسين يُعتبر كالوقوف في وجه تغيرات الطقس أو إنكار وجود جبال الهيمالايا(18). وتذكر د. روزي: "إن أي محاولة لأن تكون المرأة أكثر شبهًا بالرجل تعني أنها ستكون أقل سعادة كامرأة"(19).
أمّا سيمون كوهين فيذكر أن "الكثير من الحقائق التي تم التوصل إليها في مجال الفوارق الجنوسية بين الرجال والنساء قد تم إخفاؤها لما لها من انعكاسات اجتماعية وسياسية. وبدلًا من الإقرار بالحقيقة والتصرّف في ضوئها وقف ردّ فعل الكثيرين عند مجرّد الاندهاش والقول بأن ذلك ما ينبغي أن يكون كذلك". ثمّ يختم كلامه قائلًا: "لقد آن الأوان لنسف الفكرة القائلة بأن الجنسين متماثلان وأن كلّا منهما يمكن أن يقوم بدور الآخر"(20).
___________________________________________________
(*): الفوارق الجنسية Sex Differences بين الذكر والأنثى هي المتعلقة بالأجهزة التناسلية، أما الفوارق الجنوسية Gender Differences فهي الفوارق على المستويات النفسية والسلوكية والعقلية
المصدر : الجزيرة - ميدان
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة