رحمةٌ مهداة
أَظلَّنا شهر النور، ربيع الشهور، بل ربيع القلوب، شهر مولدٍ لا کالمولد؛ مولدٌ عمَّ نورُه الخافقَيْن، وصاحبُه – عليه أزكى صلاة وأتمُّ تسليم – شرَّف الثقلَيْن، مَن اتَّبعه نال كرامة الدارَين، ومَن دخل في عهده عاش مُظلَّلًا بأمانه، ومَن أظهر إسلامًا وحوى نفاقًا حُقِنَ دمُه وحُفظ مالُه وأهله، ومَن عاداه ثم قُتل كان مقتلُه خيرًا له؛ فزيادة حياته زيادة تعذيب له في آخرته، ومَن لم تبلغه دعوتُه رفع الله برسالته عذابًا عامًّا عنه !
أفرأيتَ كيف كان نبيُّنا صلّى الله عليه وسلّم رحمةً مُهداة للإنسانية جمعاء؟ نعم، إنَّه - بأبي هو وأمّي - رحمة لكل أحد، فمَن قَبِلَ هذه الرحمة انتفع بها، ومَن ردَّها كان كمريضٍ تالفٍ أُهدي إليه دواءٌ فيه شفاء له فاستنكف عن تناوله حتى مات!
مولدٌ تزهو به أُمَّة الإسلام في شهر الرحمة، فمن المسلمين مُحْتَفُون به يستذكرون نبيَّهم مَجْمَعَ العظمة البشرية، تدمع لذِكره أعينُهم، وتهفو لحبِّه أفئدتهم؛ يتمثَّلون: رحمته، صبره، شجاعته، عدله، تواضعه، حِلْمَه... وقد وقر في قلوبهم قولُ الله تعالى: (وإنك لعلى خُلُقٍ عظيم)، ومنهم مَن يغمره عَبَقُ الذكرى العطرة في حينها، حتى إذا جاوزها عاد سيرته الأولى؛ منغمسًا في مشاغل دنياه، لا يرى لازمةً للعيش في ظلال النبوَّة عامًا بأكمله، وترى أحدهم قد حقَّق كفايته في تلك اللحظات الإيمانية الغامرة التي عاشها في الذكرى !
لهؤلاء نقول: أفلا ذکرتم قولَ نبيِّكم صلّى الله علیه وسلَّم: "لقد أُخِفْتُ في الله وما يخاف أحد، ولقد أُوذِيتُ في الله وما يؤذَى أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاثونَ ما بين يومٍ وليلةٍ وما لي ولبلالٍ طعام يأكله ذو كَبِدٍ إلّا شيءٌ يُوارِيه إِبْطُ بلال" [أحمد والترمذي]، هو قوت تمْرٍ يسعه إبط بلال رضي الله عنه! فما بال بعضنا يتقلَّب في نِعَمِ الله تعالى يبيت تَخِمًا ويغدو تَرِفًا، ثم هو يَمْنُنُ ويستكثر لقمةً يسدُّ بها رمق جائع، أو نزرًا يسيرًا من مال يأوي مشرَّدًا، أو يكسو عُريانًا، أو يداوي مريضًا، أو يكفل يتيمًا...
فيا مَن فرحت بمولد - وحُقَّ لك ذلك الفرح - ويا من افتخرت بنبيِّك - ولا يُفتخَر إلّا به - أما آن لك أن تتمثَّل بسيرته، وتتخلَّق بخُلُقِه، وتنشر دعوته، وتتحمَّل أذى في سبیل دینه، أم تُراه يكفي - في عُرفك - : مدائحُ، وخُطب، وزينة، وحلوى؟!
نحن لا نفهم الذكرى إلّا تجديد إيمان، وتواصٍ بثبات، ومنطلق متجدِّد لمعرفة نبيِّنا صلَّى الله عليه وسلَّم، وتمثُّل سيرته، وتعريف البشرية بعظمته، وأنَّ خلاصها لن يكون إلّا باتباع تعاليمه؛ فإنْ فعلنا ذلك كنَّا محتفين - حقًّا - بذكرى المولد النبويِّ.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة