مستشار أسري تربوي
لا تخدش شرف العادات
لا تهمسْ عن حقوقِ الأبناءِ على آبائهم؛ لأنّ المجتمعَ ليس مستعدّاً، وهذه الحقوق تجعلُ الأبناءَ يفكّرون في حقوقهم ويدركون أن البِرَّ له حدودٌ؛ فاتْرك الأبناءَ عبيداً عند آبائهم تحتَ مُسمّى الْبر.. ولا تُخبر الْمقبلين على الزّواج عن ليلةِ البناء (الدّخلةِ) واترك المصائب اللي تصيرُ فيها، لأنّ المجتمعَ ليسَ مُستعدّاً، ومثل هذه القضايا تخدشُ الحياءَ. أما المصائبُ التي تَجيءُ إلى غُرَفِ الطّوارىء بكيفية مُتتالية فلا تخدش شَرف عادات المجتمع..
لا تَقلْ إنّ لحومَ العلماءِ ليست مسمومةً لأنَّ المجتمع لم يعرف في تاريخه سوى أن يقدِّسَ العلماءَ ولأنّ النّاس إذا تعوّدوا على نقد العلماء فإنّ هذا يجرِّئُهم على استخدام العقل، الذي هو بمثابة كلبٍ على حد تعبير أحد رموز المشايخ.. لا تصرّحْ عن قيمةِ الطّلاق والخُلُع في حلِّ المشكلات الزوجيّة، لأنّ المجتمعَ ليس مُستعدّاً، بل اتْرُكْ للمرأة والرجلِ قيمةَ الصّبرِ السّلبي والتّكتّم عن المشاكل متّكئين على الحديث الضّعيف إنَّ "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"؛ بل ويجتهدون -لو أنك لم تحرك راكد عقلهم- بإحدى عشرةَ آيةً تتحدّث عن الفرجِ بعدَ الشدّة في سورة اسمها الطّلاق كل آياتها اثنتا عشرة آية...
كثيرون في التاريخ كانوا عَوامّ في نظر بعض نُخَبِهم المفذلكة ولكن عندما حركت المفردات أرواحهم انتقلوا من كونهم مضافا إليه في جملة الحضارة إلى أن يكونوا في ابتداء الجملة الحضاريّة
ولا تتحدث عن الْكيفيّة الصّحيحة لتعليم الأبناء الشّعائرَ، لأنّ المجتمعَ ليسَ مُستعدّاً أن يتعلّمَ أنّ الشّعيرةَ إن لم تَكنْ "دينامو" فعّالا فلا قيمةَ لها، بل اتركها تكن طقوساً باردة، والأيامُ تعلمهم أن يكونوا مُهجّنين مدجّنين... وإيّاك أن تحكي عن أهميةِ أن تكونَ الخطوبة -وهو رأي الاسلام- بين الشّاب والفتاة بدون كتب كتاب فقط اتّفاق شفهيا بين الطّرفين حتّى يتمّ التّعارف بينهما، لأنَّ المجتمع ليس مستعداً ولأن الخطوبة بهذا المعنى من الممكن تفتح باباً من المصائب في خلوة الخاطبين؛ فلا تعمل على توعيتهم واترك نسب الطّلاق ترتفع في السنة الأولى من الزواج، لأن الزواج قسمة ونصيب والطلاق كذلك..
لا تتحدّث عن أن التّربية ليست تسمينا، لأن المجتمع ليس مستعداً، فالتّربية الحديثة القائمة على الحوار والنقاش تحتاج إلى وقتٍ وجهدٍ وصبرٍ، ولم يعتد الأهلُ بعدُ على هذا، فاتْرك فكرةَ تسمين العجول هي المسيطرة على عقول بعض الأهالي...
لا تحكِ عن التّربية الجنسيّة في السّنوات السّتة الأولى وأهميتها، لأنّ المجتمع ليس مستعداً، ولأن هذا يخدش الحياء، ولكن حالات التحرّش الكبيرة والكثيرة لا تخدش حياء الأهالي بأن ينجبوا أبناء لديهم القابلية لأن يتم التحرش بأبنائهم... لا تقل إنه فرق بين الذكر والأنثى، لأن المجتمع ليس مستعداً؛ فالفهم المسيطر أن الذكور أفضل من الإناث في كل شيء، ولكن كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟... لا تحكِ عن أنَّ البنت لا بد أن تعمل حتّى لو لم تكن تحتاج إلى المال، بل من أجلها ومن أجل أن تبنيَ عقلَها وكيانَها؛ فلا تقلْ هذا الكلامَ لأنَّ المجتمعَ ليس مستعدّاً، والعقد الذكوريّة لن تقبل هذه الحرية للفتاة...
لا تقل هذا الكلام لأنّهم عوامّ،
لا تطرح هذا الطرحَ لأنَّ النّاس عوام،
لا تخبر العوام بهذا الرأي،
لا تناقش العوام في هذه الأفكار.
ورب العالمين يقول لنبيه عليه السّلام "فاصدع بما تؤمر".. في ذلك المجتمع الذي لم يكن مستعداً ضمن تفاصيل جماعة #المجتمع_ليس_مستعداً. فنزّل النّبي عليه السلام الآية في الواقع ووقف بها يتمثلها على تلك الرَّبْوة ونادى على القبائل وكل العوام والخواص يستمعون إليه؛ نطق وقال جهراً وبوضوح ولم يذهب إلى غرفة مغلقة يخاطب النّاس، رغم أنّ العوام في تلك اللحظة هم الذين وقفوا معه بعد أن جادلوه في البدايات.. وما زال بعضُ فقهاء "الهريبة" وثلة من شيوخ الخوف يرددون على مسامعنا همزاً ولمزاً... قولاً منسوباً كذباً إلى ابن الخطّاب "احترسوا من النّاس بسوء الظنّ"..
ونقول لهم في هَدْأةِ الليل البهيم..
العوام هم الذين سيصنعون المستقبل، فيجب أن يكونوا على دراية بكل الأمور؛
العوام هم الذين يشكلون لك الجماهير والمتابعين، فلا حاجة إلى التّلفيق عليهم؛
العوام هم مادة التغيير في المجتمعات، فيجب أن يعرفوا أنَّ التخدير اللذيذ ليس حلّا؛
العوام هم أشخاص لهم عقول، فيجب أن تعطيَهم وتبين لهم وتترك لهم حرية الاختيار.
كثيرون في التاريخ كانوا عَوامّ في نظر بعض نُخَبِهم المفذلكة، ولكنْ عندما حركت المفردات أرواحهم انتقلوا من كونهم مضافا إليه في جملة الحضارة إلى أن يكونوا في ابتداء الجملة الحضاريّة. وعندما هزّت الكلمة الصارخة نخل قلوبهم تساقطتْ على مجتمعاتهم أفكارٌ نقلوا من خلالها الدّنيا إلى العربيّة، كما فعل حنين بن إسحاق ذات زمان كانت سنابلُ الأمّة فيها خضراء تنحني بتواضعٍ، وعندما أُلقي دلوُ الطّموح في جبّ نفوسِهم قال رائدُهم يا بشرى هذا من سينقل مصرنا من عجاف السنوات إلى سمانها في بضع سنين..
والقرآن يسطّر لنا قولَ بعضِ النّخبة المفذلكة في قصّة نوح عليه السلام عندما قالوا له "فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ"! فكانوا -أي هؤلاء العوام أي بادي الرأي- من يبنون سفينة النجاة المنجّية من الطوفان القريب..
وخلاصة القول إن شجاعةُ العقولِ التي تُبنى على القراءةِ النّاقدة وعرض الأفكار على أضدادها وفتح مساحة للحوار والخطأ كفيلة بأن تهيّئَ الجيل للإعداد ولن يكون هذا بلمسة ساحر ولا بنفثة كاهن، بل بمحاولة وخطأ وتجربة يشوبها خطأ أو تشوبها الصّحة... سلّحوا الشباب بالثّقة والمعرفة لكي يكونوا سلاحاً لكم لا عليكم، وإن لم تفعلوا فأذنوا بتهميش لكم من الشباب، بل وسيعبرون الزّمن نحو ذواتِهم ويتركونكم نكراتٍ مقصودةً في ذيلِ التاريخِ.
المصدر : مدونة الجزيرة
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة