إذا أردت أن تعرف أمة .. إذا أردت أن تسهم في صناعة أمة
يشيع هذه الأيام إيراد مقولات فكرية مبهرة لمفكرين وأدباء من مختلف المشارب والأهواء ، ويكثر تداولها على نطاق واسع لا سيما في شبكات التواصل الاجتماعي على أساس أن الحكمة ضالّة المؤمن ، وإنها لكذلك، لكن مع بعض التأمل وإعمال الفكر على ضوء مبادئنا وثوابتنا، وعلى سبيل المثال قرأت ما يلي:
· قال تولستوي: "إذا أردت أن تعرف أمة أنظر إلى مدارسهم، قبورهم، سجونهم" !!
هذه المقولة استوقفتني لتجاهلها المعادلة الحقيقية التي لا تكتمل المنظومة التربوية الثلاثية – البيت والمدرسة والمجتمع- (1) بدونها! فلقد خلقنا الله تعالى في أحسن تقويم، وأوجد انسجاماً تاماً بين نفوسنا وأجسامنا سبحانه؛ وجعل الروح التي هي "من أمر ربي"(الاسراء: 85) ، الموجِه الحكيم لهذه الثنائية المتناغمة والقاسم المشترك بينها، وكلما أهملنا الروح اشتد التنافر بين النفس والجسم.. ، ومن رحمة الخالق الخبير وعلمه بنا جاء التشريع الرباني متوازناً وشاملاً لكل التفاصيل بحيث لا يطغى جانب على آخر، ولتنظيم العلاقة بين الانسان والانسان ، وبين الانسان والكون .. ، ليكتمل التسخير الرحيم بحيث يتمكن الانسان من تحقيق هدف وجوده ومن حمل الأمانة بحقها..... !!
إذا أردت أن تعرف أمة:
ولذلك وجدتني أقول فور قراءتي لتلك المقولة : بل أنظر إلى بيوتهم.. ؛ إلى دور عبادتهم :مساجدهم ؛ إلى محاكمهم وقضاتهم..؛ إلى مجتمعاتهم و"ناس "هذه المجتمعات (2) ..وكذلك إلى مدارسهم ، ثم.. .. .. ثم أنظر إلى سجونهم إن وجدت ......
بصراحة أحسست بالشفقة على تولستوي ,.. لأنه ومن مثله- وهم ليسوا قلّة بيننا- لا يتخيلون أمة بلا سجون .. أمة تربط أسراها في طرف حجرة شخص مؤتمن أو خيمته ريثما يقضى فيهم القضاء العادل، أو تضعه في مكان عام.. وليس أعم من إيثاقه لسارية المسجد ... ، أمة يتحقق وجودها عالمياً وتصلح مجتمعاتها وتؤدي دورها من خلال إدراك كل إنسان فيها أنه راع وأنه مسؤول عن رعيته في بيوتها ومساجدها ومدارسها ومحاكمها.. وسجونها إن وجدت..
ولكن ما لبث أن تملكني الرثاء الجارح - ليس مجرد الشفقة- لأنفسنا!! .. لبقايا أمتنا.. !ما أكثر السجون في بلادنا وما أقبحها.. وما أفظع الشر والظلم الذي يرتع فيها ! أما مدارسنا- تربوياً وأخلاقياً وعلمياً- فحدِّث ولا حرج..: ففيها الثرى .. ، وفيها الثريا: حيث غالباً الكلفة المادية الباهظة، تلك الكلفة التي لا يطيقها الفقراء، فيسعى الواعون منهم لتعويض النقص ببذل الجهد في بيوتهم تعليما وتربية ..مستعينين بالمساجد والجمعيات التربوية الخيرية-في حال توفرها- (والتي قد يضطر الأثرياء للاستعانة بها بدورهم فكثيراً ما يكون الثراء مفسداً).
إذا أردت أن تسهم بصناعة أمة:
يا له من شعور خانق بالألم والمرارة .. أننا لا نملك لأنفسنا ما هو منوط بنا تقديمه للأمم الأخرى من أسباب النجاة والسعادة في الدارين.. من الإيمان والعمل الصالح .. واليقين باليوم الآخر !! لذلك .. لا وقت نضيعه..: بناءالأسرة يبدأ بتربية وبناء الأبوين..، وإصلاح المدارس يبدأ من المربين والمعلمين.. ، والمجتمع هو امتداد واتساع للبيت والمدرسة من جهة ، وهو مرتبط بشدة بمرافق ومؤسسات الدولة صالحها وفاسدها من جهة أخرى......... !! وهنا أحب أن أضرب مثلاً من إحدى الأمم الحية التي يستفاد من خبراتها، فقد سئل رئيس الوزراء في اليابان عن سر التطور التكنولوجي في اليابان فأجاب: " لقد أعطينا المعلم راتب وزير وحصانة دبلوماسي وإجلال الامبراطور".
لا شك أن أكثرنا سيعلّق على كلام المسؤول الياباني كما حدثتني نفسي من واقعنا المؤلم: " فماذا أعطيناهم نحن اليوم؟! كما أن هذا الذي قاله الياباني يجب أن ينطبق على القضاة أولاً "..!!..ثم ان التأملات قادتني لما هو أبعد !..ذكرتني - فمن المهم ألا ننسى- أن كلا من هؤلاء وأولئك(القضاة والمعلمين)، عندما سدنا العالم، كانوا يملكون فوق ما ذكره الياباني: الهدف الواضح، وتقوى الله، واليقين باليوم الآخر .. حيث تنتظرنا بيوتنا الحقيقية.. {فنعم عقبى الدار} (الرعد:24) .... في صدر الاسلام – كما نعلم- لعل المعلم والقاضي كان أغنى من الخليفة ومن "الوالي" الذي يقابل عامة الناس يوماً ويحتجب يوماً لسر لم يُعلم إلا عندما اشتكاه الناس للخليفة (وهو أنه يغسل ثوبه الوحيد يوم يحتجب عنهم ...) !!
خطوات في الطريق :
إن الجيل الناشئ اليوم.. أطفالاً وشباناً سيعبّر عنها ثلاثتها : *الأسرة *والمدرسة *والمجتمع .. في انطلاقته للنهوض بالأمة ولإعمار الكون :إن خيراً فخير أو شراً فشر… ذلك أنها تشكل مجتمعة مجال التكوين والنضج الذي سينطلق منه المنتوج البشري الأثمن لخير أمة أخرجت للناس... ! وتحضرني بعض الخطوات في هذه العجالة :
1* الصداقة مع الأبناء : الحب والنديّة :
مع أهمية المدرسة والمجتمع، تبقى
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة