كيف تتصالح مع كتاب ربِّك في رمضان؟
كتب بواسطة أحمد التلاوي
التاريخ:
فى : المقالات العامة
1635 مشاهدة
من نافل القول التأكيد على مركزية القرآن الكريم في حياة كل مسلم، وأن علاقة المسلم بكتاب الله تعالى، هي من صميم عقيدته، مع كون قراءة القرآن الكريم –مجرَّد قراءته– واحدة من صور العبادات المفروضة على الإنسان.
والآيات الدالة على ذلك كثيرة، ومنها في سُورة "المُزمِّل"، قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [من الآية:4]، وفي نفس السورة، قوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20)}.
والآية الأخيرة من الأهمية بمكان؛ لكي ندرك أن هناك عبادات الكثيرُ من المسلمين لا يعلمون عنها أي شيء، ويظنونها من النوافل أو فضائل الأعمال، مثل قيام الليل وقراءة القرآن الكريم .
بل إن الآية تحدثت عن أن قراءة ما تيسر من القرآن الكريم بصيغة تشير إلى أن هذا هو أقل القليل المطلوب، وقدمت هذه العبادات حتى على الصلاة المفروضة وعلى الزكاة.
بل إن الله عز وجل قال في محكم التنزيل إن الاستماع -مجرد الاستماع إلى القرآن الكريم وهو يُتلى- إنما هو فريضة مكتوبة على المسلمين فحتى إن كان المسلم مخيَّرًا في وقت ما في مسألة قراءة القرآن الكريم، إلا أنه مأمور بسماعه والإنصات له إذا ما رأى أحدًا يتلو كلام الله عز وجل. يقول سبحانه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [سورة "الأعراف"، الآية: 204].
وفي سُورة "القصص"، هناك حديث أوضح في شأن فريضة القرآن الكريم على المسلم، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [من الآية 85].
والأمر جليٌّ في هذه الآيات، وفي غيرها من النصوص القرآنية والنبوية، حيث القرآن الكريم هو المعين الأول والأساسي للشريعة الإسلامية وتعاليمها، ومصدر التشريع الرئيس للمسلم، وإن كان للسُّنَّة النبوية من حُجَّة كمصدر رئيس ثانٍ للتشريع الإسلامي، فإن هذا المصدر أخذ حُجِّيَّتَه هذه من القرآن الكريم من خلال آيات عديدة أكدت ذلك، منها قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [سُورة "الحشر"، من الآية:7].
القرآن الكريم هو المعين الأول والأساسي للشريعة الإسلامية وتعاليمها، ومصدر التشريع الرئيس للمسلم، وإن كان للسُّنَّة النبوية من حُجَّة كمصدر رئيس ثانٍ للتشريع الإسلامي، فإن هذا المصدر أخذ حُجِّيَّتَه هذه من القرآن الكريم من خلال آيات عديدة أكدت ذلك
وبالتالي، فإن الأمر محسوم في مسألة ارتباط المسلم بكتاب الله عز وجل.
السياق الآخر المهم للتعامل مع القرآن الكريم، هو التدبُّر والفهم.
وهو أمر شديد الأهمية؛ وذلك أن علماء التفسير يؤكدون على حقيقة لها أصل شرعي من الحديث النبوي، وهي أن استخلاص أحكام القرآن الكريم، وما تحتويه آياته من تعاليم وغير ذلك، لن يتم إلا من خلال التفكُّر والتدبُّر في الآيات، ومعرفة ما تدعو إليه وتنهى عنه من قيم وفروض وأفكار وغير هذا من أمور.
يقول تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [سُورة "مُحَمَّد"، الآية:24]، وفي سُورة "النساء"، يقول تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (82)}.
وهكذا في آية "مُحَمَّد"، فإن الله تعالى جعل إتقان تدبُّر القرآن الكريم وفهمه، علامة إيمان، ونعمة منه عز وجل، حيث إن القرآن الكريم يفسِّر نفسه، وفي أكثر من موضع آخر، وَصَفَ الله عز وجل الكافرين به، والجاحدين بآياته، والرافضين للإيمان والتسليم له، بأن قلوبهم مغلقة، وعليها الكثير من الصدأ!
ففي قوله تعالى، في سُورة "البقرة": {وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ (88)}، علامة مهمة على كفر بني إسرائيل، بأنْ جعل الله تعالى قلوبهم مقفلة عن تلقي رحمات الله تعالى في الإيمان به.
وفي سُورة "المُطَّفِّفين"، يقول عز وجل: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}، وهو معنىً واضح، بأن هؤلاء ضلُّوا بما كسبت أيديهم من العمل غير الصالح.
إذًا، نحن هنا أمام قضية خطيرة، وربما هي واحدة من أهم الأمور المتعلقة ليس بعبادة المسلم، وإنما بإيمانه ذاته.
في المقابل، فإن هذه الصورة –لشديد الأسف– غائبة عن ذهنية الغالبية من المسلمين، وربما لدى البعض تُعتبر من تَرَف الأمور والمظاهر الفلكلورية للشهر الفضيل، تمامًا كما حوَّل البعض صلاة التراويح إلى مناسبة اجتماعية، بينما الهدف الأصلي لها، من خلال الممارسة النبوية، هو تحقيق المزيد من الصِّلَة بين العبد وربه، في إطار عبادات الخلوات.
فلقد تحولت مسألة قراءة القرآن الكريم في رمضان إلى مظهر حمل المصحف الشريف فقط، مثل المسبحة وسجادة الصلاة، وربما لا يقرأ منه إلا النزر اليسير، أو قد يتحول الأمر إلى مجرد سباق على الختمة أكثر من مرة من دون حتى فهم الإنسان لمعاني ما يقرأ.
تحولت مسألة قراءة القرآن الكريم في رمضان إلى مظهر حمل المصحف الشريف فقط، مثل المسبحة وسجادة الصلاة، وربما لا يقرأ منه إلا النزر اليسير، أو قد يتحول الأمر إلى مجرد سباق على الختمة أكثر من مرة من دون حتى فهم الإنسان لمعاني ما يقرأ
وهنا نشير إلى نقطة مهمة، وهي أن بعض الفقهاء رأوا أن الله تعالى قد ذكر ترتيل القرآن الكريم في سُورة "المُزمِّل"، ضمن صلاة الليل، وعبادات شامخات هي الأساس في حياة المسلم، مثل الصلاة والزكاة، فإنه تنطبق عليه قواعد العبادات الأخرى، وعلى رأسها تحقيق المعنى والمغزى منها.
فالبعض يرى أنه كما أن ليس للإنسان من صلاته إلا ما عَقل منها كما عن النبي "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، فإن القرآن الكريم كذلك، ليس للإنسان من ثواب تلاوته إلا ما عَقل وتدبَّر منه .
فعن رسول الله "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أنه قال: "إن العبد لَيصلِّي الصلاة لا يُكتب له نصفها ولا ثُلُثَها ولا ربعها ولا خُمُسها ولا سُدُسها ولا عُشْرها"(رواه أبو داود والنسائي وابن حبان)، وكان النبي الكريم "عليه الصلاة والسلام"، يقول: "إنما يُكتب للعبد من صلاته ما عَقل منها" (أخرجه أحمد بإسناد صحيح، وهو عند أبي داود والنسائي).
وكذلك بعض الفقهاء ذكروا أن تلاوة القرآن الكريم وترتيله ينطبق عليه معنى "الإحصاء" في حديث النبي "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم": (إن لله تسعًا وتسعين اسمًا مَن أحصاها دخل الجنة" (أخرجه البُخاري ومسلم)، حيث الإحصاء هنا، قالوا بأنه يكون بالحفظ، أو يكون بالتدبُّر والتعقُّل لمعانيها.
وهذا في صفات الخالق عز وجل، وفي الصلاة التي أمر بها، فأولى أن يكون في قرآنه العزيز كذلك.
الواجب الأهم أمام المسلم في شهر رمضان، هو إجراء ما يمكن تسميته بـ"مصالحة حقيقية" مع كتاب الله، بالعودة إليه، والارتباط به، وفهم ما فيه، وأن تكون تلاوته قراءة دقيقة معمَّقة، تصل به إلى فهمه وإدراك عميق معانيه، وما فيه من أحكام، وتفسير آياته بعضها البعض
وبالتالي، فإن الواجب الأهم أمام المسلم في شهر رمضان، هو إجراء ما يمكن تسميته بـ"مصالحة حقيقية" مع كتاب الله، بالعودة إليه، والارتباط به، وفهم ما فيه، وأن تكون تلاوته قراءة دقيقة معمَّقة، تصل به إلى فهمه وإدراك عميق معانيه، وما فيه من أحكام، وتفسير آياته بعضها البعض.
ولئن كانت هناك صعوبات في إنجاز ذلك في فترة الشهر الفضيل، فليكن الشهر الفضيل بدايةً لذلك. فهكذا فقط، يمكننا أن يقول المسلم إنه قد قرأ القرآن الكريم في رمضان!
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن