كاتبة
حين نكون مسلمين.. التواضع
حين نكون مسلمين لن تجد في شوارع بلاد المسلمين من يتعالى على الناس أو يهينهم بدعوى أنهم أقل منهم في المستوى الاجتماعي، أو أفقر منه، أو أقل منه علماً، بل تسود أجواء المحبة والود والشفقة والرحمة والتعاون والغبطة.
حين نكون مسلمين سوف تتبدل التصرفات، وتتغير الأخلاق، وتتحسن السلوكيات، فليس أحد مجبولاً على سوء الخلق، والتعالي على الخلق إلا إذا فسدت نفسه واستعصت على التغيير، فليس أكثر حدة من عمر بن الخطاب حتى أسلم.
والتواضع يعني أن تقبل الحق من أي سبيل أتاك، من أي إنسان نقله إليك، وقد مَنَع الكِبَرُ صناديد قريش من قبل من قبول الإسلام؛ لأنه أتى على يد محمد عليه الصلاة والسلام، ولم يأت على يد أحد سادة قريش كما صور لهم كبرهم.
والتواضع أن تعامل الناس برفق ولين مهما كانت درجتهم الاجتماعية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق، وغمط الناس) (رواه مسلم).
وبطر الحق هو رفضه، والكبر على قبوله، وغمط الناس هو التعالي على الناس والإعراض عنهم.
-التواضع يرفع مقام صاحبه:
يقول الله عز وجل في ذم الكبر: {ولا تصعّر خدك للناس، ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور} [لقمان، آية:18].
ويقول سبحانه: {ولا تمشِ في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض، ولن تبلغ الجبال طولاً} [الإسراء، آية:37].
وقد حظي خلق التواضع باهتمام نبوي كبير؛ ليحبب النبي عليه الصلاة والسلام المؤمنين فيه، وينفرهم من الكبر، فيقول صلى الله عليه وسلم في عدة مواضع:
- (ما تواضع أحد لله إلا ورفعه الله) (رواه مسلم).
- (من تواضع لله درجة، يرفعه الله درجة حتى يبلغ أعلى عليين، ومن تكبر على الله درجة، وضعه الله درجة حتى يبلغ أسفل سافلين) (رواه الإمام أحمد وابن حبان).
- (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد) (رواه مسلم).
- (لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر) (رواه مسلم).
ـ ويقول الله عز وجل فى الحديث القدسي : " الكبرياء ردائي، والعزة إزاري فمن نازعني فيهما عذبته". (رواه الإمام أحمد).
- صور من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته:
لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أمراً إلا وقد اتصف به، وهو الذي أوتي مكارم الأخلاق في أبهى وأكمل صورها، كان هاشّاً بصحابته، دائم الابتسام، لا يغضب إلا لله، ولا يصرف وجهه عن متحدث معه، ولا ينزع يده الشريفة حين يصافح أحد المسلمين حتى ينزعها هو، كانت الجارية (الفتاة الصغيرة) تأخذ بيده في طرقات المدينة فيسير معها!
وكان عليه الصلاة والسلام في خدمة أهله، يرقع ثوبه ونعله الشريفة، ولم يكن أكثر انشغالاً منه بأمور أمته، دخل مكة وهو الفاتح المنتصر مطأطئاً رأسه الكريم بين من أهانوه وأخرجوه من بلاده.
وهذا أبو بكر رضي الله عنه خير من طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء، ينظف بيت امرأة من رعيته، ويحمل على ظهره الدقيق والحبوب لبيوت الرعية، ويسير في حاجاتهم، وهكذا فعل الخلفاء الراشدون من بعده، وهكذا كان سمت الصحابة أجمعين فيما بينهم.
- نماذج معاصرة من التواضع:
من مظاهر السفه والكبر في مجتمعاتنا العربية الإسلامية، الإنفاق المبالغ فيه على الملابس والمساكن والسيارات والهواتف، في الوقت الذي جعل الله عز وجل كل تلك المظاهر من علامات خراب المجتمعات، وسقوط الحضارات، حين قال: {وبئر معطلة وقصر مشيد} [الحج، آية:45]، الإنسان في هذه الحالة ينفق ماله على المظاهر الخادعة، ولا يوظّف المال في موضعه؛ ليرقى بالمجتمع، ويفتح سبل تشغيل وإعالة الخلق، وعليه، فيجب على المسلم أن يتواضع في الملبس والمسكن ويقتني الضروريات، وليس يعني ذلك أن يلبس الممزق من الثياب، أو يتهاون في نظافتها ولياقتها، فقد جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا رسول الله، إني أحب الثوب الحسن، فهل هذا من الكِبَر في شيء؟"، قال عليه الصلاة والسلام: (لا، إن الله جميل يحب الجمال). (رواه مسلم).
ومن مظاهر التواضع اليوم، أن تتواضع مع الخدم، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تطعمون، وألبسوهم مما تلبسون، وكلفوهم بما يطيقون، فإن كلفتموهم بما لا يطيقون فأعينوهم) (رواه الشيخان).
وكذلك التواضع في تجهيز البيوت، والتي أصبحت فوق طاقة الشباب، فأعرضوا عن الزواج، وزادت نسبة العنوسة في كل بلاد المسلمين، حتى صارت ظاهرة تؤرق كل البيوت.
ومن أرفع مظاهر التواضع هو تواضع العِلم، حيث يخفض العالِم جناحه لتلاميذه، ولا يتعالى بعلمه على البسطاء، وعلى الجانب الآخر، يجب أن يتواضع المسلم لمعلمه وأستاذه، ومظاهر الإسفاف في التعامل مع الأساتذة وسط طلاب المرحلة الثانوية -على سبيل المثال- والجامعات أصبح مزرياً وغير مقبول في بلاد تدين بالإسلام ديناً.
ومن أجمل التواضع، هو التواضع مع الوالدين، يقول عز و جل: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} [الإسراء، آية:24]، فليس أولى من والديك بالحب والرحمة والود وخفض الجناح والسعي على حاجتهما، وعدم الضجر من طلباتهما، وحديثهما الذي قد يطول ويتكرر، وأَحِبَّ مرافقتهما في كل أمورهما، هذا إن كانا على قيد الحياة أو أحدهما، أما إن فارقا الحياة، فلا يتوقف الود والاستغفار وصلة رحمهما، ووصل من كانا يحبهما وهما أحياء، وقد أتت الوصية بهما في كتاب الله بعد النهي عن الشرك به سبحانه!
إن تواضع المسلمين بين بعضهم البعض مكرمة لا يدانيها خلق آخر، وهي صفة وسمة للمجتمع الإسلامي وللجماعة المسلمة (رحماء بينهم).
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن