أديبة وكاتبة | المدينة المنورة
حديث مع نفسي
في المدرسة الدولية في إحدى الدول العربية التي يسعد فيها الأهل بإنجليزية بناتهم وأبنائهم الممتازة، جاءتني طالبة عربية مسلمة في الصف التاسع تشكو صعوبة فهم وتعلم مادة اللغة العربية في صفها، وتطلب نقلها إلى صف غير الناطقين بالعربية حيث المنهج أسهل والدراسة أيسر.
وبعد اختبارها تبين لي أنها صادقة في شكواها.. لم تستطع قراءة جملتين فقط قراءة صحيحة!
تغريب يفصل الجيل عن لغته وعن كتاب ربه وثقافته وهويته وانتمائه وقيمِه!
تغريب نراه في كل مكان: في الأسواق والجامعات والمدارس والزيارات وبين الأقارب ومع الأهل! تغريب من كل صنف ولون!
- فيُرى المحافظ على دينه أنه في عالم لا يشبهه أو أنه لا يشبه العالم، ولا يستطيع أن يعزل نفسه عنهم، فهو يخالطهم بحكم الدراسة أو القرابة أو الجيرة أو العمل، فكيف يمكنه أن يتعامل مع قوم باعدت بينه وبينهم الكثير من الأمور: معتقدات وعادات ودين؟
- ولعله يحاول أن يقلل من حجم الفجوة التي بينه وبين هؤلاء، فيجاملهم حيناً ليكتشف أن ذلك كان على حساب دينه، أو ينعزل عنهم فيرى أنه أصبح وحيداً.
- ومنهم من يكون إحساسه بالمسؤولية عالياً فيرى أن عليه أن يدعو إلى الله مستعملاً ما لديه من إمكانات: فيكتب أو يخطب أو يحاضر ويناظر.
- وقد لا يجيد أيّاً من ذلك، فيدعو إلى الله أيضاً لكن بأسلوب آخر، وهو أسلوب لا يقل أهمية عما سبق -حسبما أرى-: إنه التخلق بما كان عليه رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته والصالحون.. فيمشي أحدهم وقد بدت عليه مظاهر الثقة، القامة منتصبة لتدل على القوة، الرأس مرفوع في عزة دون كبرياء، ابتسامات صادقات تزين وجوههم وتسعد من حولهم، ملابسهم محتشمة غير مبتذلة، أصواتهم هادئة، يصلّون في الوقت، يزكّون أفواههم بالذكر، يرقّقون قلوبهم ويتواضعون بالدعاء والتذلل إلى الله، يكظمون غيظهم، يعفون عمّن ظلمهم، تترفّع ألسنتهم عن الشتائم والغيبة واللّهو، يطهرون قلوبهم من الحسد والحقد، يحسنون الظنّ، يقدمون المساعدات للناس، يحسنون أعمالهم، يزنون أقوالهم وأعمالهم بميزان "هذا يرضي الله وهذا لا يرضيه"، لا فراغ ولا بطالة في حياتهم، يحترمون القوانين، هم ناجحون طموحون، ودودون، هينون لينون، متفائلون، سعداء؛ لأنهم راضون.
- الصورة جميلة، أليس كذلك؟ وليست خيالاً مستحيلاً لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم والصحابة والصالحين في كل مكان هم كذلك..
- قالت لي نفسي: كوني إذن داعية إلى الله بجميل أخلاقك، لأن الزمان الغريب هذا يحتاج بشدة إلى أن ندعو إلى الله، فنسهم في نشر دين الله ونخفف شعورنا بالغربة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : مجلّة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة