كيف نحقق صلة الرحم بتكلفة قليلة ودون حرج؟
كتب بواسطة تسنيم الرنتيسي
التاريخ:
فى : تحقيقات
2339 مشاهدة
أصبح الكثيرون يرون في صلة الأرحام عبئًا اقتصاديًا جديدًا لا تحتمله ميزانية الأسرة الهزيلة فيحجمون عن الصلة، هذا الإحجام ليس قطيعة، ولا ناجمًا عن خصومة وشحناء، إنما بسبب متطلبات هذه الصلة (الهدية)، حتى أصبح الفقر بوابة لقطع الأرحام والعلاقات الاجتماعية؛ لأن ما اعتدنا عليه في مجتمعنا من «العيب» أن يذهب الزائر للمزور ويده خالية من هدية هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر أحيانًا تقرأ في تعبيرات وجه المزور عدم رضاه عن زائر خالي اليدين من هدية.
فكيف ينظر الإسلام لمن قطع أرحامه بحجة الفقر ولأن العادات لا تسمح بالزيارة دون هدية؟ وما هي الجوانب الإيجابية التي ينبغي التركيز عليها في الزيارة؟ وما هي الخطوات العملية لتخطي عقبة الهدية وصلة الأرحام بتكلفة قليلة؟
من تركها آثم وأعان الشيطان عليه
الدكتور ماهر السوسي -عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة- قال لـ"بصائر": "إنّ كل النصوص الشرعية أكدت على ضرورة صلة الرحم، فهي فرض كالصلاة والزكاة والصوم، بمعنى أنه ليس للإنسان أن يتركها، ومن تركها فهو آثم مهما كان الظرف"، مُضيفاً أن النصوص أجمعت على أن المطلوب مجرد صلة فقط دون ذكر الهدية أو الجانب المادي.
د. ماهر السوسي: نحن الذين حمّلنا أنفسنا أكثر مما نطيق؛ بسبب تمسكنا بهذه العادات، والحقيقة أنّ من قطع رحمه بحجة أنه لا يملك ما يقدمه له، فهو بذلك ترك الفريضة وتمسك بعادة اجتماعية لا أصل لها في الشرع
وأشار إلى أن الهدية عادة اجتماعية وليست شعيرة من شعائر الله ، فالناس قد اعتادوا عليها في أوقات الرغد وعندما تغيرت الظروف وتبدلت الأحوال أصبح من العسير الاستمرار في هذه العادة، ومن أجل ذلك كان النص الشرعي مجرداً وأمر بصلة الرحم فقط.
واستدل السوسي على أهمية صلة الرحم بالقول: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (متفق عليه).
الحكمة من مشروعية صلة الأرحام
وأكد على أن المطلوب من الزيارة هو الإحسان والبر، لافتاً إلى أن الحكمة من مشروعية صلة الأرحام هي المؤانسة والتعرف على أخبار الأرحام ومواساتهم والاطمئنان عليهم ، مشدداً على أن من لا يملك مالاً يستطيع أن يصل رحمه دون هدية، لكن لا عذر لمن قطع رحمه بحجة عدم قدرته المادية.
ونوه السوسي إلى أن هناك فرق كبير بين الفريضة الشرعية والعادة الاجتماعية، "فالفرض طالما يستطيع الإنسان أن يفعله فلا يسعه تركه، أما العادة فلنا أن نتركها سواء كنا نستطيع فعلها أو لا نستطيع".
وأردف قائلاً: "نحن الذين حمّلنا أنفسنا أكثر مما نطيق؛ بسبب تمسكنا بهذه العادات، والحقيقة من قطع رحمه بحجة أنه لا يملك ما يقدمه له فهو بذلك ترك الفريضة وتمسك بعادة اجتماعية لا أصل لها في الشرع، وهذا جزء من إعانة الشيطان علينا من أجل أن تصل بنا الأمور إلى تقطيع الأرحام".
السلف الصالح والفهم الصحيح للزيارة
وذكر السوسي أن السلف الصالح فهموا معنى زيارة الأرحام فهماً صحيحاً، وعلموا أنّ الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولذلك أخذوا بكل توجيهات الإسلام وإرشاداته، ولمْ يُحمّلوا أنفسهم أكثر مما يطيقون، وما كلفوا أنفسهم بأمورٍ لا يطلبها الشرع، ولذلك كان الأمر بالنسبة لهم أكثر سهولة وبساطة؛ لأنّ الإنسان إذا كان عالماً بمقاصد الشرع من الأحكام والتكاليف الشرعية سيجد الأمر أسهل مما نتصور.
وقال السوسي: "إن أي إنسان يفهم الدين ويحاول أن يتعرف على الحكمة من مشروعية التكاليف الشرعية فإنه سيجد الدين يسيراً ويستطيع أن يؤدي ما كُلف به بسهولة، فعن أَبِي هريرة عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا" (متفق عليه).
ركزوا على الجوانب الإيجابية للزيارة
وأوضح أنّه يجب على كل شخص أن يُركّز على الجوانب الإيجابية لمن زاره دون هدية، وهو ما يتمثل بمقاصد الشرع من الزيارة، حتى نتخلص من هذه العادة المُكلِفة والتي أدت إلى قطع الأرحام.
ولفت إلى أنه يجب أن تكون هناك إيجابية عند كِلا الطرفين الزائر والمزور لتحقيق مقاصد الشرع من الزيارة، والتي تتمثل في تفقد حال الأرحام، وإدخال السرور والبهجة عليهم، والمؤانسة فالإنسان يحب من يؤانسه ويسمع أخباره ويسأل عنه وهذا يترك أثراً إيجابياً في النفس، لأنه يعلم أن هذا الإنسان زاره لأنه يحبه ويقدره ويحترمه ويهتم بأمره ويُعلي من شأنه، وكل واحد منا يحب أن يهتم به الناس.
التمسوا لأرحامكم عذرا
واسترسل "إذا كان الشخص مُقتدراً فعليه أخذ هدية والتودد لأرحامه، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تهادوا تحابوا" (حديث حسن رواه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي)، لكن نحن لا نريد أن نركز على المساعدة المالية أو الهدية فهذه قضية خاطئة والصلة تشمل الشقّين المعنوي والمادي والمقصد الأول للزيارة هو المعنوي.
وذكر أنّه على النساء أن يلتمسن أعذاراً لأرحامهن، إن زارك رحمك فلا تنظري إلى ما يحمل بيديه، ولا تتمني أن يأتي وهو يحمل شيئاً؛ لأننا كلنا نعيش في مركزٍ واحد وكلنا يعلم مدى صعوبة وقساوة الحياة التي نعيشها، وكل سيدة هي أعلم الناس بظروف رحمها.
وتابع السوسي "عندما يأتي رحمك حاولي أن ترفعي من معنوياته بحسن الاستقبال والبشاشة واحرصي حرصاً كبيراً على ألاّ يسمع منكِ كلمات العتاب، مثل: أتى ويديه فارغتين، أو لم يُحضِر معه هدية، أو تلك الكلمات السيئة التي تُقال، وأنا أرى أنّ هذا التصرف سبباً من أسباب تقطيع الأرحام إضافة إلى الفقر".
رسالة للزائر
وأشار إلى أنه يجب على أي إنسان يزور أرحامه أن يلتمس لهم عذراً إذا قصّروا في تقديم الضيافة، خاصة أننا جميعاً في قطاع غزة نعيش أوضاعاً اقتصادية صعبة، فالإنسان بطبعه يُحب أن يُكرم ضيفه وأن يُقدم كل ما يملك من ضيافة، وإن لم يفعل ذلك فتكون الظروف قاسية وأجبرته على التقصير وهو من الداخل يتألم لذلك.
وقال السوسي: "إنّ القضية ليست كأساً من العصير، أو بعضاً من الشوكولاتة، بل كيف يستقبلك من تزوره، هل يستقبلك وهو مُعرض عنك وعن كلامك؟ أم يستقبلك بصدرٍ رحب وببشاشة وترى على وجهه علامات السرور والابتهاج؟ فالمثل يقول (لاقيني ولا تغديني) أي أن الاستقبال الحسن للضيف أجدى من الوليمة التي تقدم على شرفه، وهذا هو المطلوب.
ووجه السوسي رسالة للزائر قائلاً: "إذا لمْ يقدم لك المزور ضيافة تعجبك، يا حبّذا لو أسمعته كلاماً يُدخِل السرور والطمأنينة إلى قلبه، وتشكره لأنه منحك جزءاً من وقته لاستقبالك ، وعلى حُسن كلامه، ويجب أن تبدي سعادتك لرؤيته بصحة جيدة، وأن تَعِده بزيارة أخرى إن شاءت الأقدار حتى لا يحزن على تقصيره، ولكي يشعر أنك لمْ تلتفت للضيافة، وليستريح قلبه".
كيف نتخطى عقبة الهدية المُكلفة
الأخصائية مها الحلبي: يمكن تخطي عقبة "الهدية" المُكلفة عبر استغلال ما يوجد في بيوتنا كأدوات المطبخ والأطقم الزجاجية والتي تعد زيادة عن حاجتنا ولسنا بحاجةٍ لها، فليس من الضروري أن نكلف أنفسنا بشراء هدية خصوصية
من جانبها، قالت الأخصائية النفسية مها الحلبي: "إن الوضع الاقتصادي المتردي أثّر على نفسياتنا وعلى العلاقات فيما بيننا حتى بتنا نتجنب زيارة أرحامنا لعدم مقدرتنا على جلب هدية، والتي نعتبرها من عاداتنا الاجتماعية الراسخة".
وأشارت الحلبي إلى أنه يمكن تخطي عقبة "الهدية" المُكلفة والتي أدت إلى قطع أرحامنا وتقليل تكلفة الزيارة وذلك عبر استغلال ما يوجد في بيوتنا كأدوات المطبخ والأطقم الزجاجية والتي تعد زيادة عن حاجتنا ولسنا بحاجةٍ لها، فليس من الضروري أن نكلف أنفسنا بشراء هدية خصوصية.
وأردفت قائلة" الكثير من الناس يحصلون على "كابونة" أو على طرد غذائي يمكن لسيدة البيت أن تستغل الحليب مثلاً لصنع الجبنة أو اللبنة وهو أمر بسيط وغير مكلف، وتأخذها كهدية لأخيها أو أختها وللمقربين لها وهذا أفضل من أن تزورهم فارغة اليدين وخاصة في شهر رمضان".
واسترسلت "إن كان للعائلة التي سنزورها أطفال يمكن عمل بعض الأشكال الجميلة بأوراق (الفوم) بشكلٍ بسيط عبر الاستعانة بالفيديوهات المصورة، أو صنع بعض الأشكال اليدوية وتقديمها كهدية لأطفالهم، فهذا سيشعر أطفالهم بالبهجة والاهتمام".
تقديم الضيافة المُتاحة
وأوضحت الحلبي أنه يجب على ربة البيت إذا جاءها ضيف ولا تملك مالاً لتشتري ضيافة ألاّ تُكلف نفسها فوق طاقتها وأن تتعامل باتزان ، وأن تقدم ما هو متاح عندها، منوهةً إلى أن الشاي والقهوة من المشروبات المتوفرة دائماً في بيوتنا فيمكن تقديمها، بالإضافة إلى الفشار أو البوشار (الذرة المفرقعة بالحرارة) فهي رخيصة الثمن ويمكن تقديمها.
وقالت الحلبي: "إننا يجب أن ننظر إلى الجانب الإيجابي للزائر فهو تذكرك فزارك، قدَّرك وسعى إليك، بادرك بالزيارة قبل أن تبادره، ما جاء لزيارتك إلا لِعِظَم قدرك عنده".
وتابعت "المهم هو الجانب الروحاني والحب والمؤانسة، وليس النظر لسفاسف الأمور كالضيافة والهدية، ويجب علينا ألاّ نُركز على الجانب المادي وألاّ نفضله على علاقاتنا الاجتماعية لأننا بذلك سنخسر بعضنا ونخسر أجر صلة أرحامنا".
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة