فلسطين .. ما بين نكبة الأمس ومقاومة اليوم
لست في وارد العودة إلى الخلف للحديث عن النكبة الفلسطينية، واستذكار أطلال القرى المهجرة، وحال أهلها قبل 71 عاماً، وإن كانت ذكرى النكبة هذا العام تختلف عن سابقاتها لجهة اشتداد حملات المخططات الصهيونية والأمريكية الساعية لفرض تصفية بشكل كامل على القضية الفلسطينية بـ”العصا دون الجزرة”، في ظل عوامل وظروف يعلمها الجميع تمر بها منطقتنا العربية، وما تعانيه من أزمات داخلية.
بكل تأكيد ليس الأمس كاليوم، فمع مرور الزمن، تغيرت المعطيات الدولية، والخريطة السياسية العالمية، فالقضية التي أرادوا موتها على مائدة المفاوضات -السرية منها والعلنية-، لم تخفت جذوة نارها في صدور أهلها، وتكسرت على صخرة الإرادة الفلسطينية كل المؤامرات على عِظمها، وشراستها، وخبثها في كثيرٍ من الأحيان، فالفلسطينيون قدموا 100 ألف شهيد منذ النكبة الفلسطينية، فيما تعرض أكثر من مليون فلسطيني للاعتقال بحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، ما يعني أن معركة التحرير مستمرة بضريبةٍ مرتفعة، وإصرار على تقديم المزيد.
لم يكن أكثر المتفائلين ليتصور استمرار الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لمواجهة الاحتلال الصهيوني لأرضه، بل ويسجل الحرب الأطول، داخل الأراضي المحتلة بـ52 يوماً، والحديث هنا عن العدوان الصهيوني الثالث على قطاع غزة في العام 2014، فالصهاينة يعيشون على الحروب، ويقتات قادتهم على افتعال الأزمات وإيجادها، رغم فشلهم المتكرر في إدارتها، تحت حجج وذرائع داخلية تتعلق بتوحيد المكون اليهودي في فلسطين، لمواجهة الأخطار المحيطة.
بنظرةٍ متفائلة، أرى أن استمرار الحديث عن القضية الفلسطينية، واستذكار نكبتها الأولى، عام 1948م، يعتبر إنجازاً ومكسباً وطنياً، بالنظر إلى حالة التراجع العربي، فالفلسطيني اليوم أفشل نظرية الأمن، التي سعى الاحتلال لإيجادها بدعمٍ أمريكي، وخير دليلٍ على ذلك، ما شهدته المواجهة الأخيرة بين الكيان الصهيوني، والمقاومة الفلسطينية، فالأخيرة أوجدت معادلةً جديدة في توازن الرعب، تمثلت باستخدام صواريخ نوعية ومتطورة، ذات قوة تدميرية، لم تكن معهودة في جولات المواجهات السابقة، وتتميز الصواريخ بوصولها لمسافاتٍ أطول، وإصابة أهدافها بدقةٍ عالية.
أضف إلى ذلك، امتلاك المقاومة في غزة قوة ردع مؤثرة باستخدامها الصواريخ المضادة للدبابات “الكورنيت”، وتحديد أهدافها بدقة عالية، وإيقاع القتلى في صفوف العدو، واستخدام تكتيكٍ عسكرية محكمٍ غير معهود لجهة المواجهة ما بين الجيوش النظامية، والحركات الجهادية، أضف إلى ذلك كله تحييد القبة الحديدية، حين أظهرت المقاومة قدرة في التشويش على هذه الصناعة الأحدث، والأكثر تعقيداً.
في ذكرى النكبة، تقول لنا المعطيات، والوقائع على الأرض بأن غزة البقعة الصغيرة المحاصرة، هي فقط اليوم من تستطيع إصابة تل أبيب، وبئر السبع، وأسدود، وعدد من المدن الصهيونية الحيوية بصواريخها، ثم يطلب الاحتلال من الوسيط المصري الاستعجال في طلب التهدئة، وفق شروط المقاومة، في الوقت الذي تخشى فيه أقوى دول العالم من افتعال مجردِ أزمةٍ دبلوماسيةٍ صغيرةٍ مع مندوب الاحتلال في أي محفلٍ دولي!.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة