صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري بسنده ، أنه قال : " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .
الغُبن هو النقص والخسارة و عادة ما يستعمل في التجارة .
أما هنا فمعناه أن أكثر الناس في نقص وخسارة حين لا يستفيدون من نعمتي الوقت والصحة فيما ينفعهم من أمور دينهم ودنياهم . فيضيعون أوقاتهم في أيام صحتهم ، ولا يستغلون صحتهم في أوقات فراغهم بما يرضي الله تعالى من معالي الأمور .
واليوم ونحن نواجه وباء الكورونا الذي يجتاح العالم، وما نجم عن ذلك من تعطيل الحياة العامة ، فيضطر معظمنا إلى ملازمة بيوتهم إلى جانب أسرهم ، حفاظا على نعمة الصحة مما ولد أزمة أخرى وهي أزمة الفراغ والخوف من هدر الأوقات. وهنا تظهر أهمية التخطيط للإستفادة من أوقاتنا وأهمية الإلتزام بالتعاليم الصحية السليمة للحفاظ على صحتنا فنكون من الرابحين لا من المغبونين .
وسنسلط الضوء قليلا على تلك الإرشادات الراقية والرائعة التي أرشدنا إليها النبي صلى الله عليه وسلم والتي أشادت بها صحيفة نيوز ويك الامريكية الصادرة يوم السبت ٢١آذار ٢٠٢٠ حين أعلنت أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم ): هو أول من اقترح الحَجر الصحي والنظافة الشخصية في حالات انتشار الوباء .
ولمَ لا والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى.
وهو أحسن الناس خَلقا وخُلقا.
فهو أنورهم وجها وأطيبهم ريحا وأنقاهم ثوبا وأبيضهم بشرة وألينهم كلاما وعشرة كأن الشمس تجري في وجهه والنور يخرج من فِيه .
وإليكم طائفة من تعاليمه العظيمة وقد اخترت بعضا منها مما يتأكد الحرص عليه في زمن الكورونا ومما ينسجم مع الإعجاز العلمي والتوصيات الطبية الحديثة:
١- غسل اليدين جيدا عند الإستيقاظ من النوم :
" إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده " رواه مسلم .
فتأمل حرصه صلى الله عليه وسلم على نظافة اليدين من الجراثيم وعدم نشر الوباء و أمره بتكرار الغسل ثلاثا بعد الاستيقاظ و قبل لمس أي شيء .
وقد أكدت الجهات الصحية المختصة على خطورة دور اللمس في نقل العدوى وضرورة غسل اليدين من ٢٠ الى ٣٠ ثانية ، وهذا يحصل فعلا بتكرار الغسل ثلاثا .
٢- الإستنجاء بالماء:
قال تعالى ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطّهرين ) جاء في سبب نزولها قوله صلى الله عليه وسلم: " نزلت هذه الآية في أهل قُباء ، كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية " رواه ابو داوود والترمذي وابن ماجه.
واليوم يدعو الأطباء في الغرب إلى استعمال الماء بدلا من الورق الصحي في الاستنجاء والاستبراء .
علما ان غير المسلمين في الغالب لا يعتنون كثيرا بنظافة السوأتين بعد قضاء الحاجة ولا يعرفون حقيقة الاستنجاء والاستبراء وكذلك من سار على خطاهم من المسلمين .
٣- غسل اليدين قبل الطعام وبعده :
" بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده " رواه ابو داوود وغيره .
والمراد بالوضوء هنا معناه اللغوي أي غسل اليدين فقط .
وهو أمر مهم للوقاية من دخول الميكروبات إلى المعدة مع الطعام عبر اليدين لذلك لا بد من غسلهما جيدا قبل الطعام وبعده أيضا حتى لا يكونا هدفا للحشرات الزاحفة والطائرة وما تسببه من اذى وأمراض .
٤-قص الاظافر ودفنها :
" قصوا أظافيركم وادفنوا قُلاماتكم ونقوا براجمكم ونظفوا لثاتِكم من الطعام واستاكوا ولا تدخلوا علي قُحرا بُخرا " رواه الترمذي .
وهذا الحديث جامع لأهم مايتعلق بالنظافة الشخصية والصحة العامة : كقص الأظفار ودفنها وتعهد البراجم اي عُقد الأصابع بالغسل وتنظيف اللثة والاسنان بالسواك او الفرشاة والمعجون . اما قُحرا فهو تغير لون الأسنان وبُخرا تغير رائحة الفم.
٥- المبالغة في المضمضة والإستنشاق :
" اسبغ الوضوء ، وخلل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما " رواه ابو داوود والترمذي والنسائي...
وفي جائحة كورونا يؤكد الأطباء على ضرورة طهارة الأنف لأنه مجرى التنفس للرئتين ، ونظافة الفم والحلق لأنهما مدخل الماء والطعام للمريء كما أنه مدخل الهواء إلى القصبة الهوائية لذلك أوصوا بتعهد الفم والأنف بالغسل وهو ما يتحقق بالوضوء ولله الحمد.
٦- " نظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود "رواه الترمذي .
والفناء هو ما امتد من الدور كالشرفات والساحات والمداخل وما احاط بها .
وهذا سِبق نبويّ في الدعوة إلى النظافة العامة فضلا عن النظافة داخل المنزل من باب أولى.
ونحن نرى اليوم التركيز على تعقيم البيوت والشوارع والأماكن العامة للقضاء على الوباء المستجد .
٧- الحفاظ على نظافة موارد المياه والبيئة :
فقد: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد وفي طريق الناس وظلهم " كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما مرفوعا .
وذلك حفاظا على الطهارة ومنعا للتلوث وانتشار الأوبئة الناتجة عن البُراز والبول .
٨- الحفاظ على نظافة الأطعمة والأشربة من الوباء المحلي والموسمي والمستجد :
" غطوا الإناء وأوكوا السِّقاء فإن في السَنة ليلة ينزل فيها وباء ، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء او سِقاء ليس عليه وِكاء إلا نزل فيه ذلك الوباء " رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه مرفوعا .
وهو من أروع الأحاديث في الإعجاز النبوي المتعلق بالوقاية من انتشار الأوبئة.
وهو يستثير أهل العلم والاختصاص للبحث في دلالاته ووجوه إعجازه مما لا يتسع له هذا المقام.
٩- الحَجر الصحي والتباعد الاجتماعي:
حيث ثبت بالعلم والواقع ان أفضل السبل لمواجهة وباء الكورونا هو الحَجر الصحي للمصابين او المشتبه بهم والتباعد الاجتماعي بين الناس وتجنب الاحتكاك بينهم وهو ما دعت إليه الحكومات والعلماء والاطباء و قد شهدت الدول والمجتمعات التي التزمت بذلك تراجعا في أعداد الإصابات والوفيات بالكورونا بينما تفشى الوباء بتوحش في البلاد التي لم تلتزم بذلك او التزمت به بشكل متأخر مما أوقع آلاف الاصابات والوفيات يوميا .
بينما نجد تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم منذ قرون عديدة سبّاقة في الدعوة الى الحَجر الصحي: كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وقع الطاعون في أرض فلا تدخلوا إليها واذا كنتم فيها فلا تخرجوا منها " رواه البخاري .
كما دعا إلى التباعد الاجتماعي في قوله : " ..فِر من المجذوم فرارك من الأسد " رواه البخاري.
وقال :" لا يورد مُمْرض على مصح " رواه مسلم .
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه : " تفرّقوا وتجبّلوا " اي اصعدوا الجبال ولا تتجمعوا .
وختاما : إنّ الطهارة ومنها الوضوء والغُسل والنظافة والتداوي والغذاء والتجمّل باعتدال والحفاظ على سلامة البدن وقوته و سلامة البيئة مع التوكل على الله هو جزء من عقيدتنا وعبادة نتقرب بها إلى الله القائل: ( إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) وسُنّة خير المرسلين القائل: " الطُّهور شطر الإيمان " رواه مسلم .
دمتم سالمين .
جمال إسماعيل
#الشيخ_ابو_ضياء
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة