درستْ في كلية الصيدلة جامعة دمشق
وسائل التواصل الاجتماعي في زمن كورونا
بلمحة بصر، أصبح عالمنا أشبه بثوب مقطع بالٍ، تغيرات الأحوال وتبدلت الحياة، أناس فقدوا مصدر رزقهم، وأناس فقدوا أحبتهم، وأناس عاشوا الخوف والقلق، وبنفس الوقت أصبح لدى البعض فائضًا من الوقت، ذاك الوقت الذي ربما كان يقضيه في الطرقات أو في الزيارات والسهرات.
وبالتالي كان تأثير هذه الأزمة مختلفًا جدًا على الأفراد، ونحن كمسلمين نؤمن بما ورد في الحديث عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.
نؤمن بأن كل أمورنا خير، لكن ليست كلها سرّاء، بل هناك أيضًا ضرّاء، والناس كثيرًا ما يخلطون بين السرّاء وبين الخير.
السرّاء هو ما يسرّنا بحد ذاته، أو ما نحب
الضرّاء هو ما يضرّنا بحد ذاته، أو ما نكره.
أما الخير: فلنقل أنه عاقبة ردة فعلنا على السرّاء والضرّاء، إن حمدنا وصبرنا، كان خيرًا، وإن طغينا وتذمّرنا كان شرّا.
فالمختصر انه لا ضير من شعور الكره، هذا لا يقدح في إيماننا، حتى رسولنا الكريم حزن يوم وفاة ابنه وعمه، لكن الضير هو من التسخّط
بحسن نية نطلب أحيانًا من الآخرين أن لا يتضايقوا، وأن ينظروا إلى الجانب الإيجابي، وقد انتشر منشورات من مثل "شكرًا كورونا" التي تعدّ إيجابيات وفضائل كورونا، وهذا قد ينفع مع المشاكل الصغيرة، لكن مثلًا بالنسبة لأب فقد مصدر رزقه اليوميّ في ظل هذه الأزمة، وأصبح كل تفكيره محصور في كيف سيُغلق أفواه أطفاله الجوعى، هل ينفع مع هذا أن نقول له: انظر إلى الجانب الإيجابي، ها قد وجدت وقتًا لتجلس مع أبنائك؟!
قول كهذا يضر بدلًا من أن ينفع، حيث يشعر هذا الأب بالذنب وأنه غير راضٍ عن قدر الله، بسبب مشاعر الانزعاج والقلق والضيق التي يملكها.
وكذلك حال الأم التي وجدت نفسها فجأة مسؤولة عن متابعة دراسة عدة أولاد مرة واحدة، أو تلك المعلمة التي أصبحت تتابع مجموعات الطلاب طوال النهار، بدون وقت خاص او وقت راحة تام، هل ينفع معها الحديث عن فوائد الكورونا؟
والعكس أيضًا صحيح، إن انتشار المنشورات التي تركز على القلق والتعب والتوتر، يخدّر همّة الشباب والأشخاص الذين ليس لديهم مسؤوليات في هذا الحجر، والذين يملكون فائضًا من الوقت، بإمكانهم استغلاله في تطوير انفسهم عبر دورات وتعليمٍ عن بعد، أو قراءة قرآن وقراءة كتب وغيرها، خاصة بعد أن أتاحت الكثير من المنصات دوراتها مجانًا، وهذه فرصة لا تعوَّض، كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (اغتنمْ خمسًا قبل خمسٍ شبابَك قبل هرمكَ وصحتَك قبل سَقمِكَ وغناكَ قبل فقرِك وفراغَك قبل شغلِك وحياتَكَ قبل موتِكَ).
في الوقت ذاته، نحن كمتلقين، علينا أن نتسلح بالوعي بذاتنا، وبظروفنا وطاقاتنا، ولا نتأثر بكل منشور ومقال وتغريدة تأثرًا شديدًا، لا أنفي أننا نتأثر قليلًا، لكن علينا أن نتذكر أن منشورات وسائل التواصل، هي موجهة لملايين الناس الذين لديهم ظروف مختلفة عنّا، فإن كان المنشور يناسب ظروفنا، نأخذ به ونتعلم منه، وإن لم يكن مناسبًا لظروفنا، الاجتماعية والعائلية، بل وحتى النفسية، فلا ندعه يجعلنا نتحسر ونُحبَط، وكذلك لا نجعله يخدّرنا، فكل ميسر لما خُلِق له، المهم أن نفهم ذاتنا ونتوكل. على خالقنا.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن