لماذا ينبغي ألا نسمح لأطفالنا أن يكونوا “إنفلونسرز” أو مشاهير سوشيال ميديا؟
كتب بواسطة أروى الطويل
التاريخ:
فى : زينة الحياة
1156 مشاهدة
قبل فترة طرحت إحدى الصديقات على إنستغرام سؤالاً مفاده، لو طلب أطفالكم منكم أن يفتحوا صفحات خاصة بهم على يوتيوب أو إنستغرام ليعرضوا "محتوى" فهل ستسمحون لهم بذلك؟
توقعت أن الجميع سيجيب بـ"لا"، لكني فوجئت أن عدداً لا بأس به أجاب بـ"نعم" مادام المحتوى مفيداً.
ويمكن الحديث عن الـ"لا" بشكل مختصر في نقاط:
أولاً: نحن البشر عبارة عن تفاعلات اجتماعية معقدة، ما يبني شخصيتنا هو كيف تفاعل معنا أهلونا وأقرباؤنا على مدى زمني طويل، كل موقف صغير يحفر فينا خطاً يشكل بصمة شخصيتنا بعد ذلك، تخيلوا أن تكون هذه التفاعلات الاجتماعية والعلاقات هي علاقات افتراضية غير حقيقية، في التعاملات الحقيقية يخجل الناس أن يجرحوا الآخرين، ويتحلون بآداب ترفعها عنهم الوسائل الاجتماعية.. تصبح التفاعلات الاجتماعية أكثر تسطيحاً وأكثر مباشرة وأقل تعقيداً مما هي في الواقع، في الواقع يتعلم الطفل ما هو السلوك المناسب وما هو السلوك غير المناسب عبر التجربة والخطأ، أو عبر القدوة، على السوشيال ميديا لا توجد ضوابط حقيقية يتعلم منها.. على الأغلب سيفقد أطفالنا قدراتهم الاجتماعية.
ثانياً: في العالم الكثير من السفهاء والبله والحمقى وقليلي الأدب، ما هي الفائدة التي سيجنيها طفلي عندما يتعرض بشكل يومي للتعامل مع هذا الجمهور الأحمق الذي قد يحوله لتريند في لحظة وضحاها أو يسبه شخص ما في طريقة غير عابئ وتحفر في طفلي أخدوداً عميقاً.
ثالثاً: الطفل من ناحية نمائية يبنى ويتكون من الداخل للخارج، في رحم أمه ثم علاقاته مع أمه وأبيه ثم مع إخوته ثم أقربائه ثم الأقران ثم الشارع.. ما هو الهدف من قلب هذا النظام وإخراج أحشائه للخارج وجعل الأولوية للخارج والآخرين قبل الأم والأب والداخل.
رابعاً: من حق أطفالنا أن يخطئوا ويقولوا كلاماً أبله وأحمق، أن يغضبوا ويثوروا وأن يتصرفوا بجنون وسفه، وحقنا عليهم أن نحميهم من أخطائهم ونخفف من وقعها بأن نوفر لهم شخصية قوية تتحمل هذه الأخطاء وتتحمل الثمن المدفوع، ما الفائدة أن نحرمهم من هذا الخطأ؟ وكما تعرفون السوشيال ميديا لا تعترف بالتوبة، ولا تصحيح الأخطاء، بل تعترف بالسخرية والسينيكية الدائمة المقززة من كل شيء وأي شيء.. أطفالنا أهم وأغلى من ذلك.
خامساً: الإنسان مجبول على شهوة أن يكون مرئياً مسموعاً، وفي عالمنا هذا أن تترك هذه الرغبة لتحكمك فهذا سيحولك على الأغلب لمهرج أو شخص سفيه يفعل كل شيء وأي شيء كي يشاهده الناس ويضحكوا ويضعوا اللايك والشير، وهذا اللايك والشير يمكن ترجمته لأموال بشكل مباشر.. إذا لم تفهموا هذه النقطة فيمكنكم فتح اليوتيوب على صفحات سيدات البيوت المصريات اللواتي يخرجن أحشاء بيوتهن على الملأ لأجل أن يكونوا مرئيين مشاهدين ومسموعين.. أطفالنا أثمن من أن نفعل بهم ذلك.
سادساً: أخيراً وليس آخراً، سيبذل جيلنا مجهوداً خرافياً لأجل أن يوصل لأطفاله فكرة واحدة مفادها "الأموال الكثيرة لا تساوي القيمة"، إذا كنت مشهوراً على السوشيال ميديا لأي سبب كان فيجب أن يكون لديك مصدر دخل مستقل (بل ومخفي عن عيون المتابعين أحياناً) حتى لا تضطر لأن تعرض جسدك في فستان أو عباءة، ولا أن تعرض لمنتج من هنا وهناك، ولا أن ترتدي روب الحمام وتخرجي لتستعرضي منتجاً وأنتِ محجبة، قليلون من سيقدرون على تجاوز هذا الامتحان بنجاح، فسعر إعلانات الإنستغرام الجنوني يساوي ربما شهوراً من العمل الجاد… بالتأكيد، لا يحتاج الأطفال أن يوضعوا في هذا الاختبار القاسي، ولا داعي للعجلة "فالخير لقدام".. بعد أن نبني مفهوم القيمة ويبلغوا مبلغهم من الحياة يمكنهم أن يختاروا اختياراتهم بأنفسهم.
سيكون جيداً لو فهمنا أن أطفالنا ليسوا خارقين، وأن محتواهم لن يغير العالم، وأن الخطر الحقيقي الذي يهددهم من وجودهم في هذه الأماكن أكبر بكثير من أي فائدة قد تعود عليهم.
والحقيقة أنني لا أقول إننا يجب أن نمنع أطفالاً من أن يكونوا إنفلونسرز، بل يجب أن نمنعهم أيضاً، بشكل حازم ومحب وصارم، من أن يكونوا متابعين وجمهوراً للأطفال الإنفلونسرز، ونتذكر دائماً ونتأمل في قول الله تعالى: "سماعون للكذب أكالون للسحت"، فسبق سماع الكذب أكل الحرام، والعياذ لله.
المصدر : عربي بوست
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن