دور الأسرة في مقاومة التطبيع
كتب بواسطة فاطمة عبدالرؤوف
التاريخ:
فى : زينة الحياة
1111 مشاهدة
لعلّ البنية الداخلية لمؤسسة الأسرة تحديداً هي الأكثر قدرة على القيام بالمحافظة على روح الحضارة الإسلامية حتى في أسوأ وأحلك مراحل التدهور والتراجع الحضاري؛ لأنها المؤسسة الأكثر حرية وقدرة على اتخاذ القرار دون الخضوع القسري لمنظومة القيم السائدة أو للظروف السياسية المتدهورة، وعلى الرغم من أن هناك كثيراً من الضغوط التي تتعرض لها الأسرة سواء على المستوى الثقافي، أو باعتبارها جزءاً من المجتمع ككل، فإن الأسرة الواعية تستطيع تجاوز هذه الضغوطات، بل والانتصار عليها، والفوز في معركة صناعة الوعي لدى الجيل الناشئ الجديد، وهذه المعركة يمكننا أن نطلق عليها «معركة الجهاد السلمي»، تلك التي تدور في عقل وقلب الجيل الناشئ الذي يعول عليه في رسم ملامح جديدة لمستقبل أمتنا.
يمكننا إذن القول: إنه لا عذر لأي أب أو أًمٍّ أو أي مربٍّ في خوض معركة الجهاد السلمي هذه لإبقاء قضية فلسطين والأقصى حية وحارة ومركزية في وعي الأولاد، وهذا الهدف يعني بما لا يدع مجالاً للشك إلقاء مسألة التطبيع في سلة المهملات، أو على أقل تقدير يمكن أن يمثل حائط صد بالغ القوة في مواجهته ومقاومته.
على أنه ينبغي التنويه أنه ما لم تكن العلاقة داخل الأسرة سوية وصحية، بل ودافئة أيضاً، فإن الرسالة لن تصل؛ لأنها ستجد قلوباً مغلقة لن تتقبلها؛ لأنها وضعت المرسل في قائمة الحظر، ومن ثم فالعمل من أجل تنقية الأجواء الأسرية والحفاظ على حيويتها خطوة أساسية ومحورية لتمكين الأسرة للقيام بدورها الجهادي في نصرة القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع.
منهج تربوي
تمثل الأسرة الحاضنة التربوية الأولى التي تشكل البنية العميقة للشخصية، والهدف الرئيس الذي ينبغي وضعه نصب أعيينا هو ربط الطفل بتلك الأرض المقدسة، وغرس حبها في قلبه، واعتقاده الكامل أن هذه أرض عربية إسلامية، وأن هذا الاحتلال هو أمر عابر قد تكرر عبر التاريخ، وأن هذا الاحتلال ليست له حقوق مشروعة في هذه الأرض؛ لا حقوق تاريخية ولا دينية، وأن من لوازم الإيمان أن نحب إخواننا في هذه الأرض المقدسة، وأن نكره الغاصبين المحتلين.
هذه هي الأفكار الأساسية التي نريد غرسها في وعي أولادنا بهدوء وصبر؛ فالمنهج التربوي يعني توصيل الرسالة بطريقة صحيحة وإيجابية، أما ما يقوم به بعض الآباء والمربين من الضغط على الأطفال نفسياً، وتفريغ مشاعر الحزن والخذلان التي يعانون منها على هؤلاء الأطفال، وإغراقهم بمشاعر الأسى على فلسطين التي ضاعت والحلم الذي ذهب أدراج الرياح، والصهاينة الرابحين دائماً الأقوياء حتماً بالغي الذكاء شديدي السيطرة الذين يذيقون إخواننا صنوف العذاب والامتهان، ونحن عاجزون عن نصرتهم، وتعريضهم للصور الصادمة ونشرات الأخبار المحبطة؛ فهو أمر يؤدي لنتيجة عكسية تماماً؛ فإما أن ينشأ الطفل محبطاً يائساً عاجزاً عن التفكير والتغيير، وإما أن يتجاهل القضية كلية حتى يستطيع العيش، وإما أن يعاني نفسياً على مستوى اللاوعي فيعجب خفية بالقوي، ويحتقر الضعيف المهزوم، ويقع في فخ الاستلاب الحضاري الكامل.
المقصود إذن بالمنهج التربوي هو المنهج الإيجابي الذي يقوم على محورين أساسيين:
1- استلهام دروس التاريخ وما فيه من عبر وسُنن بدءاً من سُنة التداول، مع الاهتمام وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية المشرفة التي ارتبطت بفلسطين كعمر بن الخطاب، ونور الدين زنكي، وصلاح الدين الأيوبي، بحيث تمثل هذه النماذج الواقعية الناجحة نموذجاً يحتذى به ويعزز شعوره بالثقة والقدرة على فعل التغيير.
2- الإيمان والثقة بوعد الله في نصر المؤمنين، وأن علينا أن نحقق الإيمان في داخلنا حتى نستحق هذا النصر، ويرتبط بذلك حسن الخلق والالتزام في العبادة وبذل الجهد في الدراسة حتى نأخذ بسنن الله الكونية للنصر.
أفكار للمقاومة
عندما نشرع في وضع خطة تربوية لنصرة القضية الفلسطينية ومقاومة التطبيع في عقول أولادنا وقلوبهم؛ فمن الأهمية بمكان مراعاة المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل وما يناسبها من أفكار ووسائل، منها:
- الأولاد في مرحلة الطفولة المبكرة والمتوسطة يحبون الحكي والقص والسرد؛ لذلك فمن الأفضل نقل المعلومات والمعارف على شكل قصة مشوقة تخاطب مشاعره وعواطفه، ثم تستقر في عقله، وهناك قصص مصورة مطبوعة على مستوى عال يمكن الاستعانة بها، كما توجد أفلام رسوم متحركة يمكن استخدامها كوسيط لجذب انتباه الطفل.
- الأولاد في مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة يمكن طرح القضايا عليهم للمناقشة والبحث بطريقة مباشرة، والاستعانة بكتب معرفية مبسطة مناسبة لهم.
- هناك ألعاب إلكترونية لنصرة قضية فلسطين والأقصى، وأهمية الألعاب للأولاد في هذا العصر لا تخفى على أحد؛ مثل لعبة «حارس الأقصى»، ولعبة «تحرير فلسطين».
- لا ينبغي التهاون أو التساهل معهم في استخدام بعض الكلمات والمصطلحات، وأهمها لفظة «إسرائيل»، فهو اسم لنبي الله يعقوب وليس اسماً لدولة ولا أرض، فإما أن يستخدموا لفظ الكيان الصهيوني أو العدو الصهيوني، فيتعلم الأولاد من ذلك رفض هذا العدو وعدم منحه أي شرعية، وإذا كان المنع يطال اسم العدو الذي أطلقه على نفسه، فكل ما جاء تحت هذا العنوان باطل.
- استثمار أوقات الحوار العائلي العفوي في تعميق الوعي بالقضية ومقاومة تيار التطبيع؛ فمثلاً يمكن استثمار جائحة «كورونا» وما أحدثته من تغييرات على كافة مناشط الحياة بطريقة لم تكن متصورة من قبل في تعميق فكرة إمكانية التغيير، وأنه لم تحن بعد نهاية التاريخ، وأيضاً طلاقة قدرة الله عز وجل، وأن هذا هو منطق الواقع الصحيح لا ما يدعيه أصحاب المنهج الواقعي الانهزامي.
- الرد على الشبهات التي تثار حول القضية الفلسطينية التي يستخدمها أصحاب المنهج الانهزامي دعاة التطبيع بصورة استباقية من قبل أن يسمعها الأولاد منهم؛ كشبهة أن الفلسطينيين باعوا أرضهم مثلاً.
- لا ينبغي تجاهل ما يشاهده الأولاد من أعمال درامية خاصة، وقد شهد رمضان هذا العام عملين دراميين أقل ما يقال عنهما: إنهما يروجان للتطبيع مع العدو؛ أحدهما يصور مدى الطيبة وحسن الخلق الذي يتمتع به اليهود، بينما يروج الثاني لحقد الفلسطينيين وعدم تقديرهم للمعروف، وأنه لا بأس من التجارة مع العدو والبحث عن مصلحتنا؛ فخطورة الأعمال الدرامية أنها قوالب تخترق قلب المشاهد المتلقي وعواطفه، خاصة إذا كان طفلاً أو مراهقاً؛ بحيث يتم تحييد وعيه أثناء المشاهدة ويميل للتعاطف مع أبطال العمل الدرامي خاصة إذا كانوا من ذوي الوجوه المقبولة، كما حدث في هذين العملين؛ لذلك ينبغي قطع الطريق على مثل هذه الأعمال الدرامية ومقاطعتها، وفضح ما جاء فيها والتنديد به؛ لئلا يستقر في اللاوعي عند الأطفال، ولعل تجمع الأسرة لمشاهدة فيلم تسجيلي يدافع عن القضية أو يبرز أحد فصولها، أو حتى مشاهدة عمل درامي راق يصب لصالح القضية، بديل مناسب لإشباع رغبة الأولاد لمثل هذه النوعية من الأعمال الفنية.
- وتبقى مقاطعة بضائع العدو ومنتجاته سلاحاً اقتصادياً بالغ الأهمية لا ينبغي للأسرة أن تفرط به؛ فعلى عاتق الأسرة تقع مسؤولية المقاطعة الاقتصادية، وينبغي أن نوضح للأولاد لماذا نقاطع هذا المنتج سواء كان صناعة صهيونية أو من شركة داعمة للمشروع الصهيوني، وهناك قوائم موجودة لمثل هذه البضائع، وهي فرصة متجددة لطرح موقفنا من قضية التطبيع وتطبيق عملي للطرح النظري الذي غرسناه فيهم.
مسؤولية الأسرة في هذه المعركة بالغة الضخامة؛ لذلك لا ينبغي أن يتسرب إليها الملل من كثرة الضغوط التي تدعو للتطبيع، أو بسبب أنه لا تبدو في الأفق الراهن إرهاصات لنصرة القضية، ولكن الإيمان بأن الله يحاسب كل فرد في حدود ما يستطيعه وما يمتلكه من أدوات وقدرة على التأثير، وأن الله سبحانه وتعالى من بيده تغيير موازين القوى، وأننا فقط مطالبون بالسعي بجد، يكفي أن يبدد مشاعر الإحباط الذي قد يتسلل إلى قلوبنا.
ولتكن إبقاء شعلة القضية الفلسطينية متوهجة حية في قلوب وعقول الجيل الناشئ، وقضية مقاومة التطبيع بكل صوره ودرجاته على رأس الأولويات التربوية للأسرة المسلمة، فهي جهاد الوقت في اللحظة الراهنة.
المصدر : مجلة المجتمع
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة