شجرة الزيتون
كتب بواسطة عائشة عبدالله عزازي
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
5234 مشاهدة
ها أنا أخط سطوري هذه. ولكن فجأة ارتجفت يدي وعجز لساني وقلمي ووقفت حائرة متحيرة شاردة الذهن لوهلة، ثم وقفت حزينه مخاطبة.. ماذا بك يا قلمي؟! ما بك لا تكتب كما عهدتك من قبل ؟!ففي جعبتي الكثير من الذكريات والآهات، ذكريات شجرة زيتونة قديمة شامخة متأصّلة بجذورها العميقه ،ممتدة بفروعها الخضراء اليانعة.. أغصانها التي تتراقص مع الرياح يميناً وشمالاً وتنعش القلب طرباً وسروراً، وتتلألأ أوراقها الخضراء الندية تحت خيوط أشعة الشمس باشعتها الذهبية الساطعة الزاهية وتتزين بحبات خضراء وسوداء متدلية ..
جلستُ أستظل بظلّها فشممت رائحة زيتها الزكية وعبيرها الفواح، وفجأة سمعت صوت بكاء خافت وآهات محمومة فالتفت يمنة ويسرة حتى أرى مصدر الصوت لكني لم أجده، فتعجبت هل انا أحلم أم انه مجرد تخيلات من عقلي الباطن ثم ما لبث الصوت محموماً بعبرات مناديا: بنيتي اقتربي.. انا شجرة الزيتون..
فاقتربت متعجبة متحيرة في آن واحد، فوجدت قطرات دماء تسقط من الشجرة ووضعت يدي بشكل حان لعلّي أوقف جراح تلك الشجرة ولكن دون جدوى لم يقف النزيف ، فرجعت مسرعة طالبة المساعدة من أهلي وجيراني؛ فهبوا هبة رجل واحد لمساعدتي في إيقاف النزيف؛ لأن الشجرة كانت على وشك الذبول والموت والتحلل السريع في الأرض، وازداد الطين بِلة بهبوب رياح عاصفة عاتية علينا لا نعرف لها مصدرا ولا مكانا، هي آتية من كل حدب وصوب تزمجر بصوت كصوت أسامة الأسد عندما يقترب الغرباء من عرينه، وبدأت تدور وتلف بشكل منظم تارة يمنة وتارة يسرة، فهي لم تاث عبثا بل لها هدف وهو اقتلاع شجرة الزيتون الأصيلة من عقر دراها، وحاولنا عبثا الحيلولة بين الشجرة والرياح فقد كسرت الكثير من أغصانها وفروعها وطارت الأوراق في كل حدب وصوب، وحبات الزيتون أخذت تتساقط الواحدة تلو الأخرى، والحسرة والخوف بدأ يتسرب رويداً إلى قلوبنا؛ لأن الرياح ازدادت حدتها و على وشك اقتلاع الشجرة من جذورها المثبتة بالأرض وازدادت شدة الموقف كالسماء عندما تتلبد بالغيوم السوداء القاتمة وبدأت قوانا تخور شيئاً فشيئا وبدأ البعض منا يتساقط وارتفعت أبصارنا إلى السماء لعلنا نجد بصيص من النور يضيء لنا وخرجت الأصوات لهجة بالدعاء إلى رب السماء لنجدتنا فليس هناك معين إلا هو جل شأنه فإذا بنا نشعر بقوة عجيبة تسري في أجسامنا وشجرة الزيتون بدأت تعود بالوقوف شامخة من جديد بالرغم من جرحها، والتقوس الذي بدأ ظاهراً على ظهرها.
فأوراق وبراعم وفروع صغيرة يانعة بدأت بالظهور رويداً رويدا كالمولود الصغير عندما يبدأ بفتح عينيه عند الولادة، وبدأت الرياح بصوتها الهادر المزمجر بالسكون وقرص الشمس المتوهج بدأ يتوسط السماء المزرقة كزُرقة البحر على الرغم من وجود بعض الغيوم السوداء المتفرقة في أرجاء السماء.
ما السر العجيب وراء كل هذا، إنه المدد الذي أرسله الله؛ إنه أغصان وفروع أشجار الزيتون المتشابكة مع بعضها البعض والممتدة من البساتين المجاورة والبعيدة..
إخواني وأخواتي الأعزاء آمل أن تكونوا بفطنتكم وحدسكم الكبير أن تكونوا قد عرفتم من هي شجرة الزيتون القديمة .. إنها أرض الدحنون الأحمر أرض الإسراء والمعراج.. سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..
فكلماتي هذه إلى شعبي المشرد في أرجاء المعمورة.. إلى بلدتي يافا عروس البحر الأبيض المتوسط .. إلى روح أجدادي رحمهم الله جميعاً.. إلى جدي هلا سامحتني..
فإنني لم أنفذ وصيتك فنحن لم نستطع إعادة رفاتك الطاهر إلى بستانك الجميل إلى شجرة الزيتون القديمة إلى أرض كنعان، ففلسطبن لم تعد بعد يا جدي، ولكن الفرج قادم والقناديل بدأت تضي شيئاً فشيئاً بالرغم من قلة زيتها وفتيلها.....
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
مقالة جدااا جميلة عن فلسطين.