يَا مَقْدِسِيّ
أُفُقٌ أزرقُ صافٍ متواصلٌ مع خُضرة أرض، يعانِقان معًا قُبّة صخرةٍ مشرَّفة، هي في كنَف الأقصى العتيق.
هذا ما اعتادَتْ نواظرُنا رؤيتَه في مشهد قُدسِنا السَّليب، لكنْ - كما الأفعى- كِدْنا نألَفُ رؤيةَ جدارٍ رماديٍّ قاتِمٍ فائق القُبح، يرتسِمُ حولها، وقد صنعَتْه أيادٍ حاقدة، كما يصنع مِبضَع جرّاحٍ قاتل، وهو يشرِّح جسدًا حيًّا بريئًا، ويمثِّل به كيف يشاء.
ذاك جدارٌ سمَّوْه - زورًا- غلافَ القدس؛ حفظًا لها من أيدي العابثين بأمنها! جدارٌ ابتدعه "رابين"، وأقرّه "باراك"، ونفّذه "شارون". فانظر مَن يريد حماية القدس، ثلاثةٌ من عُتاة الصهاينة الغاصبين!
إنّه تلبيس أبالسة الإنس، قومٌ مَرَدُوا على التلبيس منذ نشأة صُهيونيّتهم: شعبٌ مشرَّدٌ بلا أرض، لأرض بلا شعب! "هولوكوست" عصرٍ، مَحرقةٌ نازيّة لأبرياءَ لا لشيء إلّا لساميّةٍ بهم! هيكلٌ مزعوم بُنِيَ على أنقاضه مسجدُنا! شعبٌ مُختار مُستَعْلٍ على شعوب الأرض! تلك أساطيرهم التي بَنَوْا عليها كيانَهم.
تلبيسُهم المركَّب ذاك أتى الواقعُ ليُكذِّبه؛ فشعبهم المشرَّد سُكَّانٌ أصليُّون لبلاد الشتات! وفلسطينَ قَطَنها أهلُها عمالقةً كنعانيّين، في وقتٍ أبى بنو إسرائيل دخولها هلعًا وخوَرًا!
و"هولوكوستهم" ذاك لم يكن إلّا استدرارًا لعطف الأمم! وهيكلهم المزعوم ليس إلّا حجارًا أُلقِيت -عمدًا- في أنفاقٍ شُقَّت لهذا الغرض تحت مسجدنا المبارك!
فلم يبقَ لهؤلاء إلّا تهويدُ القدس، لكن الأغلبية السكّانية -واقعًا- لا تخدم ذلك؛ فلا بدّ إذًا من مصادرة أراضٍ من أهلها، وبناء مستوطنات بها بعد ترحيلهم، وضمِّ تلك المستوطنات –زورًا- إلى جغرافية القدس، ومن ثمَّ بناءِ جدارٍ مِسخٍ مِن حولها!
عندها، يتحقّق الحلم الخرافيّ: القدس "عاصمة أبديّة لإسرائيل".
ذلك كلُّه نُفِّذ منذ عقدين من الزمن، ونواظر العرب، بل العالم ترقُبُ ذلك فلا تنبُسُ ببِنْت شَفة، ولو -على ما تعوّدناه- من شجب واستنكار.
وليس لنا - ريثما نفيق من سباتنا- إلّا أن نقول:
يا مَقْدِسِيُّ! قدسُك قلبُك، فلن يستطيعوا إقامة جدارٍ حول قلبك.
لن يستطيعوا حَجْرًا على فكرك.
لن يستطيعوا كَمّ فاهِك.
لن يستطيعوا كسر قلمك.
يا مقدِسِيّ! حسبُك قولُ نبيِّك صلَّى الله عليه وسلَّم في الطائفة المنصورة، أنّهم: "ببيت المقدس وأكنافِ بيت المقدس".
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!