منزلة الأخذ بالأسباب
كتب بواسطة د. محمد راتب النابلسي
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
999 مشاهدة
ما الذي جعلَ المسلمون في فجر الإسلام وفي عقود الازدهار يتفوقون , والله سبحانه وتعالى يُمكّنهم , ويستخلّفهم , وتُرفرف راياتهم في مشارق الأرض ومغاربها ؟. وما الذي جعلهم بعدَ وقتٍ معين في مؤخرةِ الأمم ؟ لماذا كانت كلمتهم هي العليا وليست كلمتهم عُليا في وقتٍ آخر ؟ لماذا كانوا أقوياء في وقت وليسوا كذلك في وقتٍ آخر ؟ لماذا كانوا دُعاة ورُعاة للأمم , فلماذا أصبحت الأمم ترعاهم وتتولى الوصاية عليهم ؟ .
هذا سؤالٌ كبير، القرآن هو هوَ، والسُنّة هي هيَ ، والعلم هناك ازدهار في العلم، هناك ازدهار في نشر العلم ، ما الذي جعلَ المسلمون السابقون في القِمة ، وما الذي جعلَ بعضهم في الحضيض ؟ لماذا كانوا مُثلاً عُليا ؟ لماذا فتحوا البلاد ؟ لماذا رحموا العباد ؟ هذه أسئلة كبيرة .
لا شك أنَّ أصحابَّ النبي عليهم رِضوان الله شيء فَهِموا الإسلام فهماً صحيحاً ، ولا شك أنَّ الرعيلَ الأخير الذي جاء في آخر الزمان فَهِمَ الإسلامَ فهماً سيئاً .
من باب التوضيح :
إنسان عنده شركة سيارات كبيرة جداً , كل يوم ينفجر بسياراته 100 إطار ، لماذا ؟ ما السبب ؟ وشركة أخرى لا ينفجر إطار في الشهر مرة مثلاً , ماذا نقول ؟ نقول : لعلَّ مديرَ هذه الشركة أعطى تعليمات إلى جعل ضغط الهواء ضغطاً عالياً لا يتناسب مع الجو , فكلما أسرعت هذه المركبة تمدد الهواء وانفجرَ الإطار , فالخطأ في عقل مدير هذه الشركة ، الذي أعطى هذه التوجيهات بشكلٍ مغلوط ، فكلما انفجرَ إطار, يأتي هذا المدير ويوبخ صاحبَ المركبة ، العاقل والعالِم يقول : هناك خطأ في التصميم ، هناك خطأ في المنهج ، هناك خطأ في الفهم , هناك خطأ في التصور ، هذا المدير العام لهذه الشركة الضخمة : يجب أن يعلم أنَّ الإطار يجب أن يكون له ضغط للهواء في الصيف معين ,
نحن حينما نرى أخطاء كثيرة , في تمزق ، في تبعثر ، في ضعف ، في ركون للدنيا ، في رغبة في مُتع الحياة ، في عِداء، في تباغض ، في تحاسد، في ضعف عام , هناك خطأ في التصور , كأنَّ هذه المنزلة التي نحن بصدد الحديث عنها , كأنها إجابةٌ شافيةٌ لِما يعاني المسلمون من مشكلات .
هناك مشاعر عاطفية إسلامية هذه نحترمها ولكن لا تكفي، هناك شعور إسلامي جيد ، كل مسلم يتمنى أن يكون المسلمون بوضع مقبول ، بوضع ممتاز ، بوضع عزيز ، بوضع قوي , بوضع فيه تفوق ، لا شك هذه العواطف نحترمها ، ولكن هل تكفي العواطف ؟
هل يكفي أن أتعاطف مع الإسلام والإسلام يُعاني ما يُعاني ؟ أينَ الخطأ ؟ أينَ الخلل ؟ أينَ الضعف ؟ أصحابُ النبي من طينةٍ أخرى ، من بُنيةٍ أخرى، لا والله، يعني الإله تغيّر ؟ لا والله , هو هو, الله سبحانه وتعالى أسماؤه حُسنى، وصفاته فُضلى، وهو معنا أين ما كُنّا؟ معنا من قبل , ومعنا الآن , ومعنا من بعد, الإله هو هو ، القرآن هو هو ، الحق هو هو .
تصور العلماء للدين شيء مهم جداً , ومن هنا كانت هذه المنزلة , اسمها منزلة رعاية الأسباب ، وأقول لكم دائماً :
﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ﴾
يعني أنتَ إذا بإمكانك أن تُقنع الآخرين أن هذا هو الصواب فيها ونعمت , وإن لم يكن بإمكانك أن تُقنعهم افعل ما أنتَ قانعٌ به , تنل من الله كلَّ الوعود , وتقطفَ كلَّ الثِمار ، وإن أقنعتَ الناس بأن يفعلوا ما هوَ صواب , كان الفرجُ عاماً .
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة