منزلة الأخذ بالأسباب
كتب بواسطة د. محمد راتب النابلسي
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1107 مشاهدة

ما الذي جعلَ المسلمون في فجر الإسلام وفي عقود الازدهار يتفوقون , والله سبحانه وتعالى يُمكّنهم , ويستخلّفهم , وتُرفرف راياتهم في مشارق الأرض ومغاربها ؟. وما الذي جعلهم بعدَ وقتٍ معين في مؤخرةِ الأمم ؟ لماذا كانت كلمتهم هي العليا وليست كلمتهم عُليا في وقتٍ آخر ؟ لماذا كانوا أقوياء في وقت وليسوا كذلك في وقتٍ آخر ؟ لماذا كانوا دُعاة ورُعاة للأمم , فلماذا أصبحت الأمم ترعاهم وتتولى الوصاية عليهم ؟ .
هذا سؤالٌ كبير، القرآن هو هوَ، والسُنّة هي هيَ ، والعلم هناك ازدهار في العلم، هناك ازدهار في نشر العلم ، ما الذي جعلَ المسلمون السابقون في القِمة ، وما الذي جعلَ بعضهم في الحضيض ؟ لماذا كانوا مُثلاً عُليا ؟ لماذا فتحوا البلاد ؟ لماذا رحموا العباد ؟ هذه أسئلة كبيرة .
لا شك أنَّ أصحابَّ النبي عليهم رِضوان الله شيء فَهِموا الإسلام فهماً صحيحاً ، ولا شك أنَّ الرعيلَ الأخير الذي جاء في آخر الزمان فَهِمَ الإسلامَ فهماً سيئاً .
من باب التوضيح :
إنسان عنده شركة سيارات كبيرة جداً , كل يوم ينفجر بسياراته 100 إطار ، لماذا ؟ ما السبب ؟ وشركة أخرى لا ينفجر إطار في الشهر مرة مثلاً , ماذا نقول ؟ نقول : لعلَّ مديرَ هذه الشركة أعطى تعليمات إلى جعل ضغط الهواء ضغطاً عالياً لا يتناسب مع الجو , فكلما أسرعت هذه المركبة تمدد الهواء وانفجرَ الإطار , فالخطأ في عقل مدير هذه الشركة ، الذي أعطى هذه التوجيهات بشكلٍ مغلوط ، فكلما انفجرَ إطار, يأتي هذا المدير ويوبخ صاحبَ المركبة ، العاقل والعالِم يقول : هناك خطأ في التصميم ، هناك خطأ في المنهج ، هناك خطأ في الفهم , هناك خطأ في التصور ، هذا المدير العام لهذه الشركة الضخمة : يجب أن يعلم أنَّ الإطار يجب أن يكون له ضغط للهواء في الصيف معين ,
نحن حينما نرى أخطاء كثيرة , في تمزق ، في تبعثر ، في ضعف ، في ركون للدنيا ، في رغبة في مُتع الحياة ، في عِداء، في تباغض ، في تحاسد، في ضعف عام , هناك خطأ في التصور , كأنَّ هذه المنزلة التي نحن بصدد الحديث عنها , كأنها إجابةٌ شافيةٌ لِما يعاني المسلمون من مشكلات .
هناك مشاعر عاطفية إسلامية هذه نحترمها ولكن لا تكفي، هناك شعور إسلامي جيد ، كل مسلم يتمنى أن يكون المسلمون بوضع مقبول ، بوضع ممتاز ، بوضع عزيز ، بوضع قوي , بوضع فيه تفوق ، لا شك هذه العواطف نحترمها ، ولكن هل تكفي العواطف ؟
هل يكفي أن أتعاطف مع الإسلام والإسلام يُعاني ما يُعاني ؟ أينَ الخطأ ؟ أينَ الخلل ؟ أينَ الضعف ؟ أصحابُ النبي من طينةٍ أخرى ، من بُنيةٍ أخرى، لا والله، يعني الإله تغيّر ؟ لا والله , هو هو, الله سبحانه وتعالى أسماؤه حُسنى، وصفاته فُضلى، وهو معنا أين ما كُنّا؟ معنا من قبل , ومعنا الآن , ومعنا من بعد, الإله هو هو ، القرآن هو هو ، الحق هو هو .
تصور العلماء للدين شيء مهم جداً , ومن هنا كانت هذه المنزلة , اسمها منزلة رعاية الأسباب ، وأقول لكم دائماً :
﴿يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ﴾
يعني أنتَ إذا بإمكانك أن تُقنع الآخرين أن هذا هو الصواب فيها ونعمت , وإن لم يكن بإمكانك أن تُقنعهم افعل ما أنتَ قانعٌ به , تنل من الله كلَّ الوعود , وتقطفَ كلَّ الثِمار ، وإن أقنعتَ الناس بأن يفعلوا ما هوَ صواب , كان الفرجُ عاماً .
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الرابع
أدباء الدَّعوة في انتظار الـمِظلّة
جواب العلم والدين.. لما تعارض عن يقين!
غزّة العزّة.. مَعلَم وشاهد حضاري للأمّة
ترتيب الأولويات.. وأثرها في تحقيق الذات!