رسالة المسجد في الإسلام.. أضواء وبيان.
رسالة المسجد في الإسلام.. أضواء وبيان.
المسجد هو بيت الله تعالى في الأرض، وإن كان في الحديث الصحيح أنَّه ممَّا خصَّ الله به رسوله عليه الصلاة والسلام وأمَّته: "..وَجُعِلَتْ لي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ من أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ".
ولكن للمساجد في أرض الله ما يميِّزها، حيث فيها تُرفع كلمة التوحيد ويُذكر فيها اسم الله تعالى وحده بالصلاة والتسبيح.
قال تعالى: )فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)( سورة النور.
وفي الحديث الشريف: "المساجد بيوت الله في الأرض تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض".
وليس للمساجد منزلة واحدة إن لناحية الدرجة، أو ناحية الأجر والثواب، أو لناحية التوجُّه والقصد.
فأما لناحية الدرجة قال تعالى: )إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ (96)( سورة آل عمران.
وأما لناحية الأجر والمثوبة فقد ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة، وفي مسجدي هذا ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة".
وأما لناحية القصد والارتحال فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرِّحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى".
وللمسجد في الإسلام رسائل متعددة الوجوه، ينبغي الوقوف عليها قصدًا إلى ما فيه من الخير العميم والنفع العظيم في أمور الدنيا والدِّين.
فعلى الابتداء بأصل البناء للمسجد، والذي يشمل أساس بنائه القائم على الاعتدال وعدم الإسراف والبذخ في الزينة، والتي تشمل المحاريب والجدران، والسقوف، والقباب والمآذن، إضافة إلى ما ينفق عليه إسرافًا في الثريَّات للإنارة، والسجَّاد، واللَّوحات المذهَّبة المنقوشة على جدران المسجد، بآيات قرآنيَّة، فهذه كلها وإن كان نوايا أصحابها الخير وخدمة بيوت الله، ورفع قدرها، إلا أنَّ ذلك ليس من أساس مقاصد بنائها ولا هو الغاية منها. والأَوْلى توفير الكثير من الأموال ليُعطى لذوي الحاجة والمساكين في بلاد المسلمين.
فضلًا عن كونها تشبُّه وتقليد لأهل الأديان الأخرى من اليهود والنصارى الذين حوَّلوا دور عبادتهم إلى متاحف صنمية، تحفل بالصور والتماثيل الحجريَّة، والزخارف؛ وكلها في ظاهرها تُحمل على ما في باطن القوم من وثنية جامحة، تملأ طقوسهم، وتزيدهم ضلالة فوق ضلالاتهم. وقد حذَّر الرسول صلَّى الله عليه وسلم من ذلك التشبُّه بغير المسلمين في بناء المساجد: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى".
فإذا ما تحقق ذلك الاعتدال والتوسط في بناء حجر المسجد، ينبغي الالتفات إلى ما هو أهم وأسمى في قصد بنائه، ألا وهو التَّقوى والإخلاص.
قال تعالى: )لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)( سورة التوبة. وقد سبقت هذه الآية بآية تحدثت عن المسجد الذي بناه المنافقون في المدينة وهو مسجد ضرار قال تعالى: ) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)(، ثم بدأت الآية التي تليه بقوله تعالى: )لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا..(
فقد نهى الله تعالى رسوله، ونهى الأمَّة كلها على أن يصلوا في مثل هكذا مسجد على سبيل التأبيد، ولو ركعة واحدة؛ لأنه فقد مقاصد التَّقوى التي أرادها الله تعالى.
وبعد ما قدَّمناه وذكرناه، نأت على بعض مقاصد ورسالات المسجد التي يمكن الإضاءة عليها، وبيانها:
- رسالة المسجد الأولى أن يكون عامرًا بإيمان أصحابه، ومحافظتهم على أعظم شعيرة فيه ألا وهي إقامة الصلاة وباقي الفرائض وعدم الخشية في ذلك إلا من الله وحده، فذلك سبيل المهتدين، قال تعالى: )إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)( سورة التوبة.
- عدم اقتصار رسالة المسجد بيوم الجمعة، والذي هو أعظم أيام الله، ولكن قد يكون يتيمًا إذا ما اقتصرت مواعظ الدعوة والإرشاد فيه على ساعة من ساعاته على المنبر.
- من رسالة المسجد الشاملة، أن يكون محط دعوة حياتية، كما هو محط دعوة دولة واهتمام بشؤون العباد والبلاد، بتعبير أدق يجب إحياء ما أحيا به رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام مساجدهم، ويشمل ذلك كل ما ينفع الناس من أحوال يمكن المشاركة فيه بالنفع المادي والنصح الديني وصولًا إلى الاهتمام بقضايا الأمة الكبرى، وشحن النفوس المؤمنة بسلاح الجهاد الماضي إلى يوم القيامة لتحرير أراضي المسلمين المغتصبة في فلسطين.
- ومن رسالات المساجد في بلاد الأمة ألا تغفل عن ذكر القضية المقدسية لارتباطها بوجود أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ألا وهو المسجد الأقصى.
- ومن ضرورات رسالة المسجد ألا يتحوَّل (منبر الجمعة) وهو منبر رسول الله صلى اله عليه وسلم إلى منابر دعائية في الخطب الأسبوعية، لنصرة الزعماء الظالمين، وتمجيدهم والثناء عليهم والذي قد يصل إلى التقديس. فهذا ممَّا يُردي أصحابه الداعين إلى قعر النار. لأنهم حوَّلوا بيوت الله التي أساسها حرمة الوقوف على حدود الله إلى أبواق نفخ تضع الحق في غير نصابه وتسخِّر الآيات والأحاديث خدمة للسلاطين وتزلُّفًا لهم بعيدًا عن الخوف من الله تعالى وعقابه.
- لا بدَّ من إحياء رسالة المسجد في الإسلام، من خلال اعتماد النصيحة والتذكير الدائمَين. فأمَّا النصيحة فقد سمَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدِّين كله بأنه النصيحة كما في الحديث الصحيح: "الدين النصيحة. قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". وأما التذكير فالله تعالى يقول: )فذكِّر إن نفعت الذكرى، سيذَّكر من يخشى(.
والمقصود من النصح والتذكير هو ضبط ما هو شائع ومنتشر في الكثير من بيوت الله من المخالفات التي تؤدي إلى إفساد الأجر والثواب، ومنها الاجتماع قبل الصلاة أو بعدها على اللغو والكلام في أمور الدنيا وسواها، وهذا يؤدي للتشويش على المصلِّين...
- ومن المخالفات المنتشرة بين كثير من المصلين تخطي الصفوف يوم الجمعة، إضافة إلى وقوع الكثير منهم في الكلام أثناء الخطبة، وفي الحديث أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لأخيه صه، أي: اسكت، والإمام يخطب فقد لغا ومن لغى فلا جمعة له".
هذه بعض من رسالات المسجد في الإسلام، مع التذكير أن المسجد البسيط في بنائه والمتواضع في عمارته، يتخرَّج من بين منبره ومحرابه الأئمة الأعلام والعلماء الفطناء.
ومن يرد أن يتيَقن ذلك فليراجع تاريخ المساجد منذ بدء الدعوة الإسلامية حيث أول ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة هو بناء المساجد، لما لبيت الله من أثر في تأليف القلوب، وتنقية النفوس، وبذل المعروف، والتقرب قبل ذلك من علام الغيوب.
فللمساجد دور ريادي ورسالة ينبغي المحافظة عليها وإحيائها، وعدم التفريط والاستهانة بها؛ ذلك أن التاريخ يشهد على دور المساجد في نشر العلوم وتخريج العلماء.
والحمد لله رب العالمين.
المصدر : الشيخ عبد الله العمر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة