ماجستير في الدراسات الإسلامية
مسؤولة اللجنة الدعوية - جمعية الاتحاد الإسلامي
الحياء في الشريعة عندنا، هو شعبة من شعب الإيمان، يُثابُ المتحلِّي بها، وُيعاقبُ الممتنع عن ممارسته، وفي منظومتنا الاجتماعية هو فضيلة خُلُقية قِيَميّة، تساهم في جعل تعاملنا مع بعضنا، أرقى وأكمل.
وهو كفضيلة خلقية يجرّ معه فضائل راقية مثله؛ فالحياء يصاحبُه الخوف من الله تعالى، والتواضع، والشجاعة، والثبات على المبدأ، والدفاع عن الحق والمظلوم، والصدق، والصبر والحرص على الشرف ويقظة الضمير، والشفقة والرحمة، ويحجز صاحبه عن البغي والضرر ويوجهه للخير وهو بوصلة الأخيار المصلحين وغير ذلك كثير ...
وإذا فُقدَ الحياء والْعياذ بالله تعالى، فالتكبّر والظلم والفجور، والجبن والضمير الميّت، وإظهار الفحش، وممارسة الرذيلة ومعاونة البغاة ومساندة الطغاة والكذب.. يصبح فيها هؤلاء كالأصنام الحجرية؛ لا يحركهم استغاثة ضعيف، ولا يستحثهم دفع المتسلط المستبد على مظلوم، هيئة بشر وفي الحقيقة أموات من الداخل.
الحياء كلّه خير، وهو لا يأتي بِشرّ ولا يتسبب بأذى، بل يأتي بالخير دوماً. وكان سيدنا رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- يتمتع بالحياء الجميل هذا، ولعلّ الصور التي نقلتها لنا السُنّةُ النبوية الصحيحة، عن جمال حيائه لكفيلةٌ باستحضار عظمته -صلى الله عليه وسلم- واستلهامنا قدرته هذه للاقتداء بها وتقليدها والتحلّي بها حيث لا خاب ولا خسر من اتّبع واهتدى.
وَصَفَ الصحابة رضي الله عنهم، رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، وبأنه يعطي كلّ من سأله ولا يخيّبُ طالباً ولا يردّ حاجة ولا يقول لا.. ما دامت لا تعارض شرعاً ..
كان يستحي من إحراج أحد، امرأةً كانت أو طفلاً فضلاً عن رجل ،كانت مجالسه مجالس حِلم وحياء، لا يواجه المخطئ، بل يقول دون النظر إليه: ما بال أقوام، استحى أن يكسر بخاطر زوجة من زوجاته حين أخطأت بحقه؛ بل وقف حامياً لها من غضبة والدها عليها .
حياؤه الشديد جعله يصبر على ردة فعل زوجته، حين اكتشف أنها كانت تتبعه سرّاً في ليلة خرج دون أن يخبرها، ظنّته ذاهب إلى زوجته الأخرى، في حين أنه ذهب يزور البقيع ليدعو الله للأموات فيها.. فلم يعاتبها، ولم يواجهها، وتصرّف وكأنّه لم يلمحها تتبعه.
ولا زالت أمّته تتعلّم منه، فمهما عرفنا وانبهرنا وحاولنا لن نصل لكمال أخلاقه فهو على خلق عظيم ..
والحياء أولاً يكون بالحياء من الله الخالق سبحانه، أن يستحي المسلم المؤمن من الذي خلقه وصوّره وأحسن خلقه وجمّله وزيّنه بالنِّعم التي لا تُعدّ ولا تُحصى..
يجدر بالمسلم أن يستحي من أن يعصي خالقه، يستحي من أن يراه ربُّه الذي أنشأه وحباه بالنِّعم والتميز والقدرات، يعمل بها ما يستجلب غضبه ومقته، يستحي المؤمن من أن يقول ما لا يفعل ،يستحي أن يشهد بكلامه وينكر بقلبه.
ثمَّ يستحي المؤمن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي سيرى عمله يوم القيامة .
ثمَّ يستحي من القرآن وأحكامه التي لا يُجريها على نفسه كما أمر الله تعالى.
ثمَّ يستحي من الناس الذين يمارسون رقابة مجتمعية كأي مجتمع فيه عقد اجتماعي متفق عليه .
يستحي من العيون التي تراه فيرعوي ،فإن لم يستحِ من الذي يرى ويسمع ويحيط بكل شيء علماً، يستحي على الأقل من حاسوبه وهاتفه الجوال الذكي !!! وتطبيقات الإفساد الاجتماعي -التي يقوم متخصصون بشر مثله- بإدارتها وبالاطلاع على كل شيء يكتبه ويطلبه ويبحث عنه فيه...
لقد تدبرتُ آية قرآنية لطالما تلوتُها ولم يفتح الله تعالى عليّ فيها سوى الآن، قال تعالى:{هَٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية، ٢٩].
لم تكن الملائكة تنسخ؛ بل تستنسخ والاستنساخ لم يعرفه البشر سوى الآن .كل ابن آدم له كتاب، سيرى نفسه ويسمع شخصه ويشهد حاله من سنّ بلوغه حتى مماته، إما سيتمتع بمشاهدة نفسه يقول ويعمل الخير ويستحي من الله تعالى وملائكته الحفظة، وإما سيستحي ويخجل ويقول ليتني كنت تراباً..
أقول إنّ الاتّصاف بالحياء إنجاز في هذا الزمن ؛لأنّنا نحتاجه أكثر من غيره لفداحة ما نعيشه ونراه من انعدام للأخلاق وتفشًّ للانفلات والانحلال الخلقي وانتشار لأكل حقوق الضعفاء وسيطرة التسلط والاستبداد كبديل للحياء في نمط حياة جحيمية.
الحياء يحجز الإنسان عن اقتراف المعصية جهاراً نهاراً فيحمي المجتمع من إشاعتها، الحياء يأخذ على يد المتهوّرين، الحياء يضمن عدم تكرار الأخطاء .إذا لم يستحِ الإنسان... فسيصنع ما يشاء
ولو كان عبادة إبليس ،ولو كان اشتهاء الأطفال، ولو كان تغيير جنسه.
الحياء يمنع، كما قال صلى الله عليه وسلم لأحدهم -يعاتب أخاه المرة تلو المرة- "دَعهُ، لو كان فيه حياء لما عاد لذلك".
الحيي يستحي، الفاجر لا ينزعج من فجوره
الحيي يمتنع، يُصلح، يعتذر
الوقح الرذيل يستمر ويضحك ويقهر الآخَر
الحيي يحفظ للآخَرين ماء وجههم
عديم الحياء يُحرِجهم ويفضحهم ويضحك عليهم
الحيي يراعي ضعف الآخَرين فيتجاوز ويحمي سمعتهم
الفاجر يعمل على التشهير بهم والإيقاع بهم
الحيي لا يُذلُّ أحداً زلّ وأخطأ
الفاجر يتمتع بإذلال المخطىء
الحيي يُنفق وينسى
معدوم الحياء ينشر سِجلّ من أخذ منه وأنفق عليه
الحيي يغض طرفه
الفاجر الوقح يُجبر الآخرين على الاعتراف بقهر وتجبّر.
إنّ الحياء في الأمّة حاجز كبير، وقاية بالغة الأهمية، من شرور الأرض كلها ، من تحصّن به فاز وأفلح .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
ماجستير في الدراسات الإسلامية
مسؤولة اللجنة الدعوية - جمعية الاتحاد الإسلامي
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة