تربية الأنفاق... فِقه الحياة والموت!
سيروي الزمان يومًا أنّ بِضعة آلافٍ من الرجال خرجوا من الأنفاق ليهزموا أعتى جيش في التاريخ! وسيسألون عن عدّتهم وعَتادهم؟! وعن برامجهم التربوية التي نشأوا عليها؟! سيسألون ويسألون... فمَن هؤلاء؟!
"إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم"!
لبثوا في أنفاقهم سنينَ عديدةً يزرعون فيها معنى الحياة الحقيقية، لتُزهرَ نصرًا مؤَزّرًا بإذن الله! ليخرجوا منها وهم ينشرون مفاهيمَ عجزتْ عن غرسها المدارس التربوية التي يرتادها أولادنا يوميًا!
مبادئ غُرست في عروقهم فغذّت عقولهم فباتوا لا يهابون عدوًّا، ولا يخشون جَهولًا، ولا يرعبهم الموت الذي يُلاقيهم من أيّ جانب! استقَوا مبادئهم من منهج ربانيّ يُنبوعه القرآن، وسِقاؤه السّنة، وروافده سِيَرُ الصحابة والتابعين، فكانوا طوفانَ تربيةٍ يجرُف دعائم الكفر والضلال، ويزيل شوائب علقتْ في نفوس مَن ركنوا إلى هذه الحياة! حملوا مبادئهم في أرواحهم، فكان منها:
- اليقينُ بأن الموت والحياة بأمر الله، وليست بفعل البشر، وأن كلَّ مَن مات أو قُتل إنما هو قدره الذي كتبه الله تعالى عليه، انتهى أجلُه، فكان قضاء حياته بهذه البقعة المباركة، فـأيقنوا بقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:57] ، فما ضرّهم الموت يطرق أبوابهم صباح مساء! وما هي إلا رحلة تحملنا إلى رحلة أخرى، يفصلنا عنها موت!
- فِقْهُ حقيقةِ الدنيا التي لم يأت القرآن على ذكرها في معرض مدح، إنما كانت الآيات تذكّر بحقيقة فنائها {وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (العنكبوت:64)، وأن الحياة الحقيقية هي الخلود السرمديُّ في الآخرة. فاختر لنفسك أيها العاقل ما تشاء!
- حبُّ الجهاد والاستشهاد: ليس يأسًا من الحياة ولا هربًا من واقع صعب، ولكنه حبٌّ من نوع آخر إنه حبّ لقاء الله، وقد تقلّد صفة الشهيد، إنهم أحفاد خالد الذي أرسل إلى كسرى: "جئتكم بقوم يحبُّون الموت كما تحبُّون الحياة!"
- العزةُ بدين الإسلام، فبينما نتساوى مع الناس جميعًا في أصل الخلق، نراهم قد امتازوا عنّا بسموّ أرواحهم المتعلقة بالله، حلّقوا بعزتهم بدينهم فكانوا من خير هذه الأمة إذ كان منهج الإسلام لهم نبراسًا.
- الصبرُ على قسوة الحياة ومرارتها في سبيل تحقيق هدف أسمى من مجرد دنيا آخرها زوال، وهم يقرؤون القرآن كأنه يتنزل الآن بقوله تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمۡ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلقومَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥۚ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (آل عمران:140)
وبينما يأْلَف أولادُنا الرخاءَ والدلال، يُحرم آلاف الأطفال من معنى الطفولة، فشَّتان ما بين أطفالٍ تربَّوا رجالًا، وأشباه رجالٍ يتذمَّرون دومًا من مصاعب الحياة!
- اللذّةُ مع الألم وهم يحفرون الأنفاق هنا وهناك.. وهم يحملون الشهداء... لذّةُ القليل الذي يكفي لاستمرار الحياة المليئة بالآلام، ولذة الحلم بالتحرير وهم يعيشون تحت وطأة ألم الاحتلال.
- الإيمانُ بأنّ النصر من الله {وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]، فأعدُّوا له العُدَّةَ وأرهبوا عدوَّ الله وعدوَّنا.
مع القرآن؛ عاشوه تنزيلًا تتجدّد معاني آياته في كلِّ اللحظات، فصاروا قصةً حقيقية تُروى وتاريخًا يُسطّر.
تنفَّسوا الموت فَوُهبَت لهم الحياة!
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
مسرى الأرض ومعراج السماء.. بيان وأضواء!
عامٌ مَرّ..
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب! الجزء الثاني
كشف الثقوب.. في أدعياء علم الغيوب!
ضَوْءٌ لَمَعَ وَسَطَ المَدِينَة