ضحى رياض الظريف، من لبنان ـ صيدا، معلمة للغة العربية، حائزة على إجازة في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية.
الذكاء الاصطناعي
إنّ من أكثر المواضيع تداولًا في الآونة الأخيرة، الذكاء الاصطناعي وهو مصطلحٌ شاملٌ للتطبيقات التي تؤدّي مهامَّ مُعقَّدة كانت تتطلَّب في الماضي جهْدًا كبيرُا، ويُستخدم غالبًا هذا المصطلح بالتبادل مع مجالاته الفرعيَّة، والتي تشمل التعلُّم الآليَّ والتعلُّم العميق، كما صار يُستخدَم في العديد من التطبيقات. فهل يتعارض هذا التطوّر العلمي مع ديننا وقيمنا؟
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: }اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{. بهذه الآيات ظهر الإسلام بعد حقبة من الزمن كان يُطلق عليها صفة الجاهليَّة. حيث جاء الإسلام ليبدأ به العلم، ولِتُنَار الدنيا بنور هدايته الربانيَّة.
في الغرب حصل صراع عنيف بين العلم المادي والدين، لأنّ رجال الدين النصارى اختاروا الوقوف في وجه العلم وقَمْعِه، لتضاربه مع تفسيرهم الحرفيِّ لنصوص مقدَّسة، فنصبت الكنيسة محاكم التفتيش وأحرقت العلماء وكتبهم، ولم يتمكَّن العلماء من كَسْب المعركة إلّا بعد تحرُّرِهم من سلطة الكنيسة ونَبْذ كهنوتها وراء ظهورهم. في الحضارة الإسلاميَّة، كان الأمر مختلفًا تمامًا، لأنّه ما من تضارب بين روح القرآن وروح العلم، إذ يتميَّز القرآن الكريم عن باقي الكتب الدينيَّة بروح علميَّة لا تخفى على قارئه، فهنالك 1300 آية قرآنيَّة تتحدَّث عن مظاهر الكون الماديِّ، بل إنَّ في بعض الآيات إشارات لأسرار كونيَّة عجيبة اكتشفها العلم مُؤخَّرًا بعد جهود حثيثة.
لقد أعلى القرآن من منزلة العقل الذي لا تخفى أهميَّته في بناء صرح العلم، وخاطب الناس في أكثر من موضع بصيغة 'أَفَلَا يَعْقِلُونَ'، 'أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ'، 'أَفَلَا تَتَفَكَّرُون'. بل إنّ القرآن وضع أُسُسَ منهجٍ علميٍّ عندما حثَّ قارئيه على المشاهدة والملاحظة، ودعانا في أكثر من موضع إلى التأمُّل واكتشاف سُنَن الكون (قوانينه) والعمل بها كيلا يكون مصيرنا كمصير الأمم السالفة.
وجعل القرآن للعلماء مرتبة تميّزهم عن غيرهم، قال تعالى: 'قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ'. وحثّ نبيُّ الإسلام على طلب العلم فقال فيما رُوِي عنه: 'طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم ومسلمة' وقال في حديث آخر:' من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة'. كما حثَّنا على أخذ العلم عن الأمم الأخرى فقال: 'الحكمة ضالَّة المؤمن أينما وجدها فهو أحقُّ بها'. ورفع نبي الإسلام منزلة العالم فقال: 'فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم'. وقال فيما روي عنه: 'العلماء ورثة الأنبياء' فاختتم بنبوته عصر الوحي ليُدشِّن عصر العلم الذي ورث آثار النبوة.
واليوم في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي، الوافد إلينا من الغرب، ترى كيف نستطيع استغلاله لما فيه نفْع لأُمَّتنا؟
يعمل الذكاء الاصطناعيِّ في البيئة الرقميَّة من خلال توفُّر الأجهزة الرقميَّة والبرامج المتخصِّصة لتحليل وتصميم خوارزميّات، والتعلُّم الآلي، وبشكل عام فإنّ نظام الذكاء الاصطناعيّ يستوعب كميّات كبيرة من البيانات التدريبيَّة. تُستَخدَم البيانات التدريبيَّة في تكوين الارتباطات والأنماط التي تُستخدَم فيما بعد في بناء التنبُّؤات المستقبليَّة، مثل الردِّ الآليِّ في الروبوتات الذكيَّة، وعمليَّة تحديد الكائنات في الصور ووصفها من خلال مراجعة ملايين الأمثلة المحفوظة لدى الجهاز الذكيِّ.
ومن الأمثلة على الذكاء الاصطناعيِّ الضيِّق: محرِّك بحث جوجل. برامج التعرِّف على الصورة. المساعدات الشخصيَّة، مثل ألكسا وسيري. السيّارات ذاتيَّة القيادة.
أمّا الذكاء الاصطناعيِّ العام الذي يُعرَف أيضًا باسم الذكاء الاصطناعيِّ القويِّ، وهو نوع من أنواع الذكاء الموجود في الآلات والأجهزة الذكيَّة، والذي يمتاز بكونه يكسبها ذكاءً عامًّا مثل الإنسان، بحيث يُستخدم هذا الذكاء في حلِّ أيِّ مشكلة. ومن أمثلة الأجهزة التي تتمتَّع بالذكاء الاصطناعي العام؛ الروبوتات التي تُستخدَم لإنجاز مهام عديدة والتي تتَّخذ قراراتها بناءً على الموقف، ولكن بناء الروبوتات التي تتمتَّع بذكاء شبيه بالموجود لدى الإنسان لا زال أمرًا صعبًا وبحاجة لبناء شبكات عصبيَّة كبيرة ومُعقَّدة كالموجودة في الدماغ، فسبحان من خلق الإنسان وأبدع.
وخلاصة القول، يمكن للبشريَّة أن تستعين بالحاسوب والذكاء الصناعي عمومًا لتحسين ظروف العيش، بما في ذلك تنظيم الحياة العامَّة، كنقل المسافرين والبضائع، وأيضًا من الناحية الطبِّيَّة في التدخُّلات التي تتطلَّب دقَّة كبيرة، أيضًا فيما يخصُّ الإعلام والتواصل بمختلف أشكاله، وتقنيّات توقُّع الكوارث الطبيعيَّة وغيرها من مجالات الحياة العامّة والخاصّة، ولِمَ لا؟ أمّا في الجانب اللامادي، مثل إطلاق الأحكام الدينيَّة والأخلاقيَّة والقضائيَّة، التي تتطلَّب وَعْيًا من نوعٍ خاصٍّ لما للموضوع من حساسيَّة كبرى، فيُفضَّل أن يظلَّ الإنسان سيِّدًا لها، ولا يتركها تحت رحمة جهاز يمكن أن يخطئ (أخطاء ناتجة عن البرمجة) أو يتعرَّض للقرصنة، أو في أحسن الأحوال، يتوقَّف الجهاز عن العمل! .
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة