دكتوراه لغة عربية ودراسات إسلامية | لبنان
حالة طوارئ
في أعراف الدول والناس والقوانين حالات استثنائيَّة، تفرض تعاطيًا مختلفًا عن الأحوال العاديَّة. وقد عبَّرت الشريعة عن ذلك عبر قاعدة مشهورة: "الضرورات تبيح المحظورات". والدول تعبِّر عن ذلك بحالة الطوارئ، حيث يتمُّ تعليق العمل بالدستور فترة من الوقت، وربَّما تتمُّ دعوة كلِّ الشعب القادر على حمل السلح للانخراط في التجنيد والدفاع عن الدولة.
وعندما انتقل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم من مكَّة إلى المدينة، وأقام دولة الإسلام، كانت الدولة الجديدة الفتيَّة محتاجة لجهود كلِّ أبنائها لحماية هذا المولود الجديد والدفاع عنه. لذلك أوجبت الشريعة على كلِّ مسلم ومَنْ يسلم في أيِّ بقعة جغرافيَّة أن يهاجر إلى المدينة النبويَّة ليتقوّى بإخوانه ويتقوَّوا به. وإذا لم يقم المسلم بالهجرة فليست له ولاية على المسلمين. قال الله تعالى: }والّذين آمَنوا وَلَمْ يُهاجِروا ما لَكُم مِنْ ولايَتِهم شَيْء حَتَّى يُهاجِروا{.
وظلّ هذا الحكم ساريًا إلى أن دخل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مكَّة فاتحًا. وتوطَّدت أركان الدولة، ولم يعد هناك خوف على استئصال شأْفَة الإسلام وبيضة الدين. فتوقَّف حكم وجوب الهجرة، وقال صلَّى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح".
ونحن المسلمون نعيش منذ قرن حالة لم يعرفها تاريخ المسلمين طيلة ثلاثة عشر قرنًا. وهي إلغاء الخلافة الإسلاميَّة وقيام أكثر من أربعين دولة تحكمها أنظمة علمانيَّة وعوائل قبليَّة. كلُّها دول وظيفيَّة، مهمَّتها حماية مصالح الغرب وقمع الشعوب.....
وإزاء هذا الواقع الأليم صار أكثريَّة المسلمين غير مدركين للواقع الشرعيِّ الذي يعيشون في ظلِّه، وجاهلين وصْف الإثم الذي يتلبَّسهم. حيث يجب وجوبًا عيْنيًّا على كلِّ مسلم أن يعمل جاهدًا لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولة الإسلام. وأنّ هذا الفرض الشرعيَّ سيكون سببًا لإقامة كثير من الفروض لا تقوم إلّا به. فما لا يتمُّ الواجب إلّا به فهو واجب.
عند ذلك قام أفراد وأفذاذ من بقاع إسلاميَّة مختلفة، إبراءً للذمَّة ولتبصير الناس بحقيقة هذا الفرض ووجوب العمل لاستئناف الحياة الإسلاميَّة.. هؤلاء الذين تصدَّوا لهذا الواجب تمَّ إطلاق وصف إسلاميين عليهم. وهذا وصف يُزيِّن صاحبه ويُجَمِّلَه. غير أنَّ الأنظمة العربيَّة وجوقتها الإعلاميَّة ومراكز الدراسات الغربيَّة عملت على تشويه صورة الإسلاميين، ونِسْبَةِ النقائص لهم ووَصْمِهم بالإرهاب. وقام جنودها في دولنا بمحاربتهم بالفكر والسوط والقضاء، وزَجِّهم في السجون وتقديمهم إلى حبال المشانق... إذن صار الإسلاميُّ هو الذي يعمل جاهدًا لاستئناف الحياة الإسلاميَّة، بينما المسلم هو الذي لا يأبه لهذا الواجب ولا يلقي له بالًا مكتفيًا بإقامة بقيَّة الفروض أو بعضها.
إنَّني أعتقد أنَّ أوضاعنا السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والقانونيَّة تعيش في بؤس شديد نتيجة عدم تحكيم الشريعة. وأنّه لا حلَّ لهذه الأُمَّة إلّا حلٌّ واحدٌ وحيدٌ أَفْرَدُ فريدٌ، يعيد للأمَّة عزَّتها وكرامتها وعنفوانها وريادتها، وهو أن تكون الشريعة مرجعيَّة وحيدة تصوغ وتصبغ حياة المسلمين. وعليه أقول إنّ كلَّ مسلم مُلْزَم شرعًا أن يكون إسلاميًّا وإنّه لا يسع المسلم أن يعطي ظهره لهذا الواجب، وإنّ القيام بالصلاة والزكاة والصيام والحج ليس كافيًا لإبراء الذمَّة كما لم يكن ذلك كافيًا للصحابة قبل فتح مكَّة.
وإذا كانت حالة المسلمين الاستثنائيَّة بعد دخول النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم إلى المدينة ألزمت كلَّ المسلمين بالهجرة إليها، فإنّ حالة المسلمين اليوم تلزم كلَّ مسلم أن يكون إسلاميًّا إلى أن تقوم دولة الإسلام وترتفع راية المسلمين وتصبح هي العليا.
وهذا يشبه بالتمام ما تقوم به الدول عندما تتعرَّض لخطر وجوديٍّ. فإنَّها تدعو كلَّ أفراد الشعب لحمل السلاح والانخراط في التجنيد حماية للدولة. وأيُّ خطر أعظم على المسلمين من أن يكون القرآن فقط للأموات والمشايخ، فقط للديكور وللتعزية، في وصف أقرب ما يكون للرهبنة أو العلمانيَّة المُقَنَّعَة..
باختصار:
على كلِّ مسلم أن يكون إسلاميًّا، لا فرق بين ذكر وأنثى ومتعلِّم وأُمِّي. فإذا أكرمَنا الله، وأعدْنا الأمر جذعًا، وحقَّق الله الأماني، عند ذاك تصبح حماية النظام الإسلاميِّ واجبًا كفائيًّا.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة