د.غنى عيواظة: دكتوراه في الفقه المقارن، محاضِرة جامعيّة شاركت في العديد من المؤتمرات الدّوليّة والنّدوات.
محاضن الأسرة
إذا أردْتَ أن تعرفَ أين تقع حصون الإسلام المنيعة وقلاعه المتينة فانظر إلى اتجاهات أسهم العدو، لتعلمَ وتبصر فتدرك وتفهم.
إنّ تكبير العرض بوضعيّة الزوم على بنية المجتمع يظهر لنا الخليّة ذات المناعة القوية في وجه الأوبئة الفكريّة والفيروسات الاجتماعية ألا وهي خليّة الأسرة، وأخصُّ بالذكر المسلمة منها.
إّن موضة الهتك في القرن الواحد والعشرين حملت صبغة جديدة تُسمّى تفكيك وحدة المجتمع إلى أقسام، ثم الأقسام إلى جزئيّات، أعطوها الحق في التلوّن بأيّ لون طرحوه معاصرًا من ألوان زيف الحريّة، في الأدوار، ودعوى المساواة في الحقوق، واختيار النوع، وطبيعة العلاقات المختارة بحسب الرغبة، وإعادة برمجة لغويّة عصبيّة لمكوِّنات العائلة الصغرى والكبرى، فضيعت بحجتها الكثير من الحقوق، وانتهى أمر سالكي تلك الطرق بالضلال والضياع، إذ صار المنكر معروفًا، والحرام حلالًا، والفطرة تخلُّفًا وانزواءً.
أطلّت علينا أبواق تنعق بفحوى التحرُّر والانفتاح تدعو أفراد الأسرة إلى إعادة النظر في قوقعتهم بحجّة تبعيّتهم للأديان، وأوّلها شريعة الإسلام .فتخلّوا عن تسمية الولد والبنت، المسنونة باليوم السابع من الولادة، حتى يكون له الخيرة في سنّ الثالثة تحت إطار التقدُّم والتطوُّر، أسماه بعض العاقلين في دول الغرب بالمرض المستفحل.
فكان فرضًا ضمنيًّا منهم، بمفهوم علني هو حريّة الاختيار، وصولًا إلى طرح مسؤوليّة حقّ الممارسات المستقبليّة،في سنّ هم غير معنيين بفهم معنى تحمُّل المسؤوليّة والنتائج المترتّبة عليها بعد ذلك. والدافع مفاهيم سياسيّة بيولوجيّة تحضّ على تغيير الهويّة الإنسانيّة لتلقي بها نحو الرذيلة العاجلة، فترى أوروبا ترفع الصوت لبلدان العالم النامي بضرورة إتاحة العلاقات الجنسيّة المثليّة، كخطوة ثانية على اختيار النوع، وتطالب بإلغاء تعدُّد الزوجات، والكثير من الخطوات المملّكة.
إنّ غياب القدوات الحقيقيّة، وإهمال الفئة الشابّة، والإعراض عن التنشئة الصافية بالتربية السليمة للأبناء صغارًا، واللهث وراء المادّيّات البحتة، واستخلاص المنفعة البراغماتيّة من العلاقات، وجعل الدنيا وحدها محور الحياة، وغياب مفهوم الأجر، والصبر، والتوكُّل على الله، واليقين بالله، والسعي وراء الرزق الحلال واستعمار الدنيا بالخير، ووضع حاجات الآخرين في سلَّة المصلحة المرجوَّة، وبناء علاقات صحيَّة على مبدأ شريعة الإسلام، وضياع البوصلة المعينة على مصائب الدنيا، والمضي قدُمًا على خطى قيم ثابتة نحو التطوُّر الهادف والخادم للإنسانيّة، جعلت البشريّة تتخبّط في براثن المدنيّة المزعومة، فأعمى الغرب عيوننا عن نتائجها التي وصلوا إليها، ليصدّروا لنا أسوأ ما عندهم، فنهلك كما هلكوا.
فلا بُدَّ من وقفة استذكار لهدف خلق الله سبحانه لنا، ثم عرض ذاك الغزو الفكري الاستعماري لعقولنا على طيّات شريعتنا الإسلاميّة لتكون الحكم الأوحد لها، فما وافق أخذناه على مبدأ الحكمة، وما خالف نبذناه على مبدأ أنّنا مسلمون أحرار غير تابعين.
أسأل الله لنا وللجميع نعمة البصيرة والهداية لما فيه خير للمجتمع والإنسانيّة.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!